المغرب: لماذا لا يتذكر الإخوان مكافحة الفساد إلا قبيل الانتخابات؟

المغرب: لماذا لا يتذكر الإخوان مكافحة الفساد إلا قبيل الانتخابات؟


04/07/2021

أثناء موجة الاحتجاجات التي انتقلت إلى المغرب في أحداث الربيع العربي، رفع المتظاهرون مطالب عديدة كان من أهمها مكافحة الفساد الذي تغلغل في مفاصل الدولة، وهو المطلب الذي تلقفه حزب العدالة والتنمية، (البيجيدي)، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، ووظفه في كسب أصوات الناخبين في انتخابات عامي؛ 2011 و2016.

 ورغم حصوله على الأغلبية، وتشكيله الحكومة لمدة 10 أعوام، إلا أنّ الحزب الإخواني لم يحقق أياً من وعوده للناخبين في مكافحة الفساد.

اقرأ أيضاً: "التطبيع الحلال"... ماذا كشفت زيارة حماس للمغرب؟

وكشفت التجربة السياسية للحزب عن زيف شعاراته، حين انخرط أعضاء الحزب في مستويات الحكم المتنوعة، على مستوى الجهات والأقاليم والمدن والحكومة في الفساد بدلاً من مكافحته، بحيث لم يعد "كارت" مكافحة الفساد مجدياً لجذب الناخب الذي بان له زيف دعاوى الحزب، ورغم ذلك لم يتخل الحزب عن هذا الشعار، وقام بتوظيفه وفق إستراتيجية مغايرة؛ فبدلاً من رفع الشعار على مستوى قيادات الحزب، تُرك للمكاتب الفرعية والإقليمية لكي تهاجم من خلاله خصومها في الانتخابات بشكل مباشر، في تجاهل تامّ لعقل المواطن المغربي، الذي سئم من المتاجرة الانتخابية بمطالبه المشروعة.

ماذا حدث في وجدة؟

مع اقتراب الانتخابات المغربية العامة المقررة على مراحل خلال الأشهر الثلاثة القادمة، شرعت قيادات جهوية وإقليمية من حزب العدالة والتنمية في شنّ حملات ضدّ خصومها، خصوصاً من تشاركهم في الإدارة الجماعية في مستويات الحكم المحلي.

مكافحة الفساد كانت على رأس مطالب الحراك المغربي عام 2011

وشهدت مدينة وجدة في شرق البلاد هجوماً حاداً من فريق حزب العدالة والتنمية الإخواني، الذي يشارك في مجلس جماعة وجدة، على رئيس المجلس البلدي للجماعة، عمر حجيرة، المنتمي لحزب الاستقلال المعارض.

واتّهم بيان صادر عن جماعة الحزب حجيرة بـ "الفشل الذريع للرئيس وأغلبيته الهجينة في إيجاد حلول لمعاناة الساكنة من سوء الخدمات"، إلى جانب الفساد المالي وانعدام الشفافية ونهب المال العام.

بعد 10 أعوام من حكم العدالة والتنمية لم يشهد الفساد تراجعاً، بل شهد تقنيناً على يد الحزب الإخواني وفق ما قال العديد من الناشطين

وذكر بيان الجماعة، الذي نشره القيادي الإخواني، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، عبر صفحته على فيسبوك، أنّ الحزب يحمّل رئيس المجلس البلدي المنتمي لحزب الاستقلال مسؤولية تردي الخدمات والإدارة في مدينة وجدة، وذلك بتاريخ 25 حزيران (يونيو) الماضي.

ويتنافس حزب العدالة والتنمية على الانتخابات المقرر إجراؤها عبر مراحل وهي؛ الانتخابات المهنية في 6 آب (أغسطس)، والانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية في 8 أيلول (سبتمبر)، وانتخابات أعضاء مجلس المستشارين في 5 تشرين الأول (أكتوبر).

وكشفت الطريقة التي صدر بها البيان عن خلافات داخل فرع الحزب في وجدة؛ حيث استنكر أفراد من الحزب عدم مرور البيان بالإجراءات المعتادة داخل الحزب في إصدار البيانات، والمتمثلة في الاتفاق عليه داخل الفريق ثم مصادقة الكتابة الإقليمية والجهوية عليه، قبل تزكيته من طرف الأمانة العامة للحزب.

الفساد والانتخابات

وأثار بيان إخوان وجدة سخرية كبيرة من المتابعين من المدينة على فيسبوك، واتّهموهم بتوظيف الفساد الذي شاركوا في صنعه ضدّ خصومهم لأغراض انتخابية.

يضفي الإخوان حماية على منتسبيهم المتهمين في قضايا فساد

وعلق الأكاديمي والناشط السياسي من وجدة، يوسف بن آيت بن عدي بقوله؛ بيان الإخوان ليس إلا زوبعة في فنجان لإثارة الانتباه، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، وذلك لتوجيه الرأي العام عبر لعب دور الضحية، بعد مرور خمسة أعوام من الإخفاق في إدارة المدينة من التحالف الذي يشارك فيه العدالة والتنمية.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الخريطة الإخوانية في المغرب؟

وأردف بن عدي في حديثه لـ"حفريات"، أنّ الإشكال الحقيقي هو نمط الاقتراع في المغرب الذي يُصّعب تشكيل حكومة أو مجلس ما دون لجوء إلى تحالفات مع الأحزاب الأخرى؛ كوّن الحصول على أغلبية تشكيل حكومة في عداد المستحيلات، وينتج عن ذلك صراعات بين الأحزاب في التحالفات على مستويات الحكومة والبلدية، ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية تهاجم الأحزاب بعضها البعض، ويحمل بعضها الآخر المسؤولية عن توقف عجلة التنمية، وذلك لكسب تعاطف الرأي العام للظفر بالأصوات الانتخابية والاستمرار في هذه المهزلة.

الأكاديمي يوسف بن عدي لـ"حفريات": بيان الإخوان ليس إلا زوبعة في فنجان لإثارة الانتباه، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، وذلك لتوجيه الرأي العام عبر لعب دور الضحية

وأضاف؛ جميع الأحزاب بما فيها العدالة والتنمية تتبع نفس المنهجية، وهناك ما يقارب 82 إقليم في المغرب، وكل إقليم له مجلس جماعي يتزعمه حزب معين، بعضها في التحالف الحكومي والأخرى في المعارضة، وإذا كان الانسجام منعدماً في الحكومة فكيف بمجلس جماعي، ذي صلاحيات محدودة،  وبرؤوس أغلبها لرجال ذوي نفوذ بالمال أو السلطة؟

اقرأ أيضاً: المغرب: حزب الإخوان الحاكم يتقمّص دور المعارضة لمغازلة الناخبين

وبعد 10 أعوام من حكم العدالة والتنمية لم يشهد الفساد تراجعاً، بل شهد تقنيناً على يد الحزب الإخواني، وفق ما قال العديد من الناشطين في مكافحة الفساد، وكتب عبد الله الجباري في مقال بموقع "لكم": "كان قبل حكومة بنكيران فساد غير بين، مستتر، وغير مقنن، لكننا الآن، انتقلنا مع حكومة البيجيدي الثانية إلى مرحلة تقنين الفساد وتنزيله على أرض الواقع بوجه مكشوف، فصرنا نتحدث عن الفساد المقنن".

الإخوان وحماية الفاسدين

ونهاية الشهر الماضي، قالت الرئيسة الأولى للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي؛ إنّ هناك إرادة قوية لتخليق الحياة العامة ومكافحة كافة أشكال أنواع الفساد، وذلك بمناسبة توقيع مذكرة تعاون بين المجلس والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، في مجال تخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، في وقت يزداد الغضب الشعبي فيه من تفشي الفساد.

نائب الأمين العام للحزب سليمان العمراني (وسط)

وطالت اتهامات الفساد نواباً ووزراء من المحسوبين على عدد من الأحزاب من بينهم حزب العدالة والتنمية، ومع اقتراب الانتخابات طالبت جمعيات مدنية وعلى رأسها الجمعية المغربية لحماية المال العام بسرعة البت في قضايا الفساد لمنع من يثبت عليهم التهم من الترشح للانتخابات البرلمانية والجهوية.

ومن جانب آخر؛ قال نائب الأمين العام للحزب، سليمان العمراني؛ إنّ حزبه اقترح خلال تنصيب اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات، بحضور رئيس النيابة العامة، تأخير هذه المتابعات في حق عدد من المنتخبين، إلى حين مرور الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وذلك بالنظر إلى أنّ هذه القضايا لن يطالها التقادم، ومن جهة أخرى هذا الأمر جرت به العادة في محطات سابقة.

اقرأ أيضاً: حملة تضامن واسعة مع المفكر المغربي سعيد ناشيد بعد اتهامه الإخوان بقطع رزقه

وبرر العمراني دعوته لتأجيل محاسبة المتهمين في قضايا فساد بدعوى أنّها كيدية، لكنّ مراقبين رأوا فيها دعوة إلى منح الحماية للفاسدين من قيادات الحزب ونوابه البرلمانيين وتمكينهم من نيل حصانة برلمانية، وإغلاق ملف قد يهدد الحظوظ الانتخابية للحزب.

وتعليقاً على مطالب حزب العدالة والتنمية، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي؛ إنّ العمراني يدعو إلى تعطيل القانون ويتدخل في عمل السلطة القضائية، وهو كلام يحرض على إنكار العدالة في حضور ممثل الإدعاء العام، ورغم ذلك لم يصدر تعقيب من القضاء أو الإدعاء العام بما يوحي بأنّ البلد تسير بالتعليمات لا القانون وقواعده.

وأضاف الغلوسي؛ للأسف هناك توجه قضائي نحو عدم فتح هذه الملفات، فلم يحدث تقدم في المتابعات القضائية، بما يوحي بأنّ هناك اتفاقاً مبطناً حصل خلال تنصيب اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات.

واحتل المغرب المرتبة 86 عالمياً في مؤشر "إدراك الفساد" لعام 2020، وتسببت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة جائحة كورونا في زيادة الفساد في المغرب، بسبب انعدام الرقابة على التدابير المتخذة لمكافحة الجائحة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية