المسكوت عنه في جولة المواجهة الأخيرة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي

المسكوت عنه في جولة المواجهة الأخيرة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي

المسكوت عنه في جولة المواجهة الأخيرة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي


12/06/2023

لم يكن مفاجئاً ما انتهت إليه جولة المواجهة الأخيرة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي، وذلك عبر هدنة تم الاتفاق عليها بين الطرفين (إسرائيل والجهاد) بوساطة من المخابرات المصرية، جرياً على كل المواجهات التي وقعت بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، والتي تتشكل بالدرجة الأولى من حماس بالإضافة إلى الجهاد الإسلامي وتنظيمات أقلّ فاعلية وتأثيراً في قطاع غزة، وهي صيغة أصبحت ثابتة ومعروفة في أيّ مواجهات مع قطاع غزة، ومن المستبعد توقف هذه الصيغة في أيّ مواجهات جديدة قادمة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام دائم، تعترف بموجبه إسرائيل بالحقوق الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

مورست من قبل الطرفين خطابات "تهوين وتهويل" قبل انطلاق هذه المواجهة، وخلالها وبعد التوصل لاتفاق الهدنة، فالخطاب الإسرائيلي يؤكد تحقيق انتصار غير مسبوق على حركة الجهاد الإسلامي، بتوجيه ضربات قاصمة لكوادره ومراكز تصنيع وتخزين الصواريخ، وبالمقابل فإنّ خطاب الجهاد الإسلامي يؤكد تحقيق الانتصار بقدرته على الصمود، واستيعاب اغتيالات وتصفية قياداته، واحتفاظه بالقدرة على مواصلة إطلاق الصواريخ، وتهديد أكثر من نصف سكان إسرائيل، وهو خطاب مكرر من قبل الطرفين بعد كل مواجهة، ورغم ذلك فإنّ هذه المواجهة، وارتباطاً بسياقات انطلاقها بالنسبة إلى الطرفين، والأطراف الفاعلة في ملفات المواجهات المتكررة  بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة، شهدت العديد من المتغيرات التي ربما تؤشر لتحولات تكمن أهميتها في التأسيس للمراحل القادمة واتجاهاتها، سواء بالتصعيد ووقوع مواجهات جديدة، أو باستمرار التهدئة والتأسيس لسلام في المستقبل مع غزة والضفة الغربية، وهذا عرض للعناوين المفاتيح حول هذه التغيرات ودلالاتها، التي تسبح فيما يُعرف بحقل المسكوت عنه:

أوّلاً: جاءت العملية في سياق استهداف إسرائيلي متواصل لحركة الجهاد الإسلامي منذ النصف الثاني من العام الماضي، يستند لمقاربة إسرائيلية مضمونها أنّ تصعيد الجهاد المواجهات في الضفة الغربية غير معزول عن توجيهات إيرانية، تمّت ترجمتها بإطلاق صواريخ من لبنان وسوريا ضد أهداف إسرائيلية في الجولان السوري المحتل ومستوطنات شمال إسرائيل، وتقدير إسرائيل أنّ (حزب الله) اللبناني يقود هذا التصعيد، بما فيه إطلاق مسيّرات باتجاه الأراضي الإسرائيلية، وبالمقابل ازدادت الضربات الإسرائيلية ضد البنى التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، وكوادر وقيادات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وتشكيلات إيرانية في سوريا.

مورست من قبل الطرفين خطابات "تهوين وتهويل" قبل انطلاق هذه المواجهة، وخلالها وبعد التوصل لاتفاق الهدنة، فالخطاب الإسرائيلي يؤكد تحقيق انتصار غير مسبوق على حركة الجهاد الإسلامي، والثانية تؤكد تحقيق الانتصار بقدرتها على الصمود

 ثانياً: ومع ذلك، فإنّ التصعيد الإسرائيلي غير بعيد عن الأزمة السياسية والقضائية التي تواجهها إسرائيل، على خلفية تعديلات مقترحة على النظام القضائي، تم تعليقها بضغط من المعارضة العلمانية التي قررت النزول بالملايين إلى الشارع، وقوبلت باعتراضات غربية من أقرب حلفاء إسرائيل في واشنطن وأوروبا، بوصفها تعديلات تضرب شكل ومضمون الدولة الحديثة والفصل بين السلطات، إذ إنّ جوهر التعديلات القضائية التي تطرحها الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو تتضمن إخضاع قرارات وأحكام القضاء للسلطة التشريعية "الكنيست".

 ولا شك أنّ عملية من هذا النوع بقيادة نتنياهو ضد الجهاد الإسلامي بوصفه "إرهاباً" توفر له إعادة تموضع، وتحولات في مواقف الدول والرأي العام الإسرائيلي، وحرف الأنظار عن الأزمة السياسية والقضائية، وهو ما ظهر بالاتصالات الدولية المكثفة التي أعربت عن تضامنها مع إسرائيل وإدانة "الإرهاب"، ويشار هنا إلى أنّه رغم الخلافات والأزمات الداخلية الإسرائيلية، فإنّ ضرب المقاومة الفلسطينية وتشديد الإجراءات ضد فلسطينيي الضفة الغربية والاستيطان ومستقبل عملية السلام والدولة الفلسطينية، ليست ملفات مطروحة على طاولات المفاوضات بين الأحزاب الإسرائيلية، بل تحوّل ضرب غزة إلى عنوان لتحقيق الشعبية بالنسبة إلى الحكومات الإسرائيلية.

ثالثاً: لعل عدم مشاركة (حماس) من خلال (كتائب القسام) شكّل تحدّياً لحركة الجهاد الإسلامي، رغم الحديث عن غرفة العمليات المشتركة واتخاذها قرارات جماعية في المواجهة والتصدي للاعتداء الإسرائيلي، وإذا كانت حماس والفصائل الأخرى لم تشارك إلى جانب الجهاد، إلّا أنّها وفرت غطاءات سياسية وإعلامية، عبر بيانات وتصريحات فردية وجماعية تم استخدام لغة تحدٍّ عالية فيها، للدرجة التي أكّد فيها إسماعيل هنية، خلال اتصاله مع وزير الخارجية الإيراني (عبد اللهيان) أنّه ليس أمام إسرائيل لإنهاء هذه المواجهة إلّا "الاستسلام".

ورغم أنّ موقف حماس بعدم مشاركتها الجهاد بالمواجهة في هذه الضربة غير معزول عن ضربات سابقة وجهت للجهاد الإسلامي وكوادره في غزة والضفة الغربية، فإنّه يعكس خلافات بين الحركتين، وتوجهاتهما بخصوص الأوضاع في غزة، إذ تعيش حماس انشغالات بإعادة الإعمار وتأمين حياة الغزيين، في ظل حصار مطبق منذ عام 2007، وليست بوارد مواجهة شاملة وواسعة مع إسرائيل، واتضح منذ تصعيد العمليات التي انطلقت لمواجهة إسرائيل حتى قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية أنّها تتبنّى استراتيجية التصعيد والمواجهة في مناطق الضفة الغربية.

رابعاً: أسفرت العملية عن اغتيال العديد من القادة الكبار في سرايا القدس، وخاصة بين كوادر المجلس العسكري لحركة الجهاد، ومراكز تخزين الصواريخ وتصنيعها في قطاع غزة، ولا شك أنّ "دقة" إصابة الأهداف، على الأقل وفقاً لشهود عيان في غزة، والتقارير الإعلامية العسكرية والأمنية في إسرائيل، رغم ما تتضمنه من خداع وتضخيم الإنجاز، تطرح تساؤلات حول حجم الاختراق الأمني، ليس للجهاد فقط، بل ربما لقطاعات واسعة في غزة، ومن المؤكد أنّ وحدة المقاومة في غزة ستكون موضع شكوك في أيّ مواجهة قادمة، لا سيّما أنّ هذه المواجهة أكدت أنّ هناك فجوة بين حماس والجهاد، فحماس تقدّم نفسها بوصفها سلطة لديها حكومة، وأنّها تسيطر على قطاع غزة، وتفرّد الجهاد في مواجهات مع إسرائيل يضعف تلك السلطة ويجعل سيطرتها على القطاع موضع تساؤل وشكوك، في وقت تجهد فيه لتثبيت مسؤوليتها وخطابها أمام داعمين إقليميين وفي مفاوضاتها مع إسرائيل، لا سيّما مفاوضات تبادل الأسرى، يضاف إلى ذلك أنّ الجهاد تنحصر علاقاتها وتحالفها مع إيران والحرس الثوري، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني، فيما تتسع شبكة علاقات حماس مع قوى إقليمية ودولية، من بينها إيران.

لعل عدم مشاركة "حماس" من خلال "كتائب القسام" شكّل تحدّياً لحركة الجهاد الإسلامي، رغم الحديث عن غرفة العمليات المشتركة واتخاذها قرارات جماعية في المواجهة والتصدي للاعتداء الإسرائيلي

خامساً: موقف حماس في هذه المواجهة يطرح تساؤلات حول مقاربة وحدة الساحات الذي تحوّل إلى قاسم مشترك تم الترويج له من قبل إسرائيل من جهة، والممانعة العربية والإسلامية بقيادة إيران من جهة أخرى، ولعلّ أبرز ما يمكن تسجيله حول مفهوم الساحات بهذه المواجهة: عدم إنجاز توافقات الحدّ الأدنى بين فصائل المقاومة في غزة، وتوقف المواجهات السلمية والعسكرية في مناطق الضفة الغربية، وعدم قيام حزب الله بأيّ عمل يؤشر إلى وحدة الساحات، ولو بتكليف فصائل "فلسطينية" متحالفة في الجنوب اللبناني بإطلاق صواريخ على مستوطنات شمال إسرائيل، وبالتزامن لم تتحرك ساحات اللجوء الفلسطيني في دول الطوق والرأي العام الإسلامي، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرات حماس وسيطرتها على الضفة الغربية، ومرجعية القدس والمسجد الأقصى في أيّ تحركات خارج فلسطين.

وفي الخلاصة؛ فإنّه رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية العسكرية للجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وتصفية العديد من قياداته وكوادره في الضفة الغربية، بالتزامن مع استهداف قياداته ومقارّه في سوريا ولبنان، ورغم كون العملية أرسلت رسائل إسرائيلية هدفها التشكيك بمقاربة "وحدة الساحات"، إلّا أنّ العملية برمتها تطرح ملاحظات جوهرية تتموضع في إطارات المسكوت عنه في العديد من الإطارات؛ أبرزها: أنّه في الوقت الذي تتشكل فيه في المستويات الأمنية والعسكرية العديد من اللجان التي تعدّ تقارير وخلاصات، يتم نشر الكثير منها حول "الأخطاء والنجاحات"، فإنّ المقاومة الفلسطينية تتخذ مساراً واحداً بتقييمات ربما تستند إلى عواطف وأنساق مضمرة، تنتمي للخطاب الإعلامي للمانعة، تؤكد تحقيق الانتصار، لكن ما لم يتم طرحه والحديث عنه حول استهداف الجهاد الإسلامي، وموقف حماس بعدم المشاركة، السؤال الافتراضي فيما إذا كانت "تصفية" الجهاد الإسلامي تأتي تنفيذاً لخطط واتفاقات سرّية نضجت أو في طريقها إلى النضج، تستجيب لتحولات عميقة يشهدها الإقليم على وقع تحولات دولية، أنتجتها الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي ستنعكس بالضرورة على منطقة الشرق الأوسط وقضاياها ومشكلاتها المزمنة، بما فيها القضية الفلسطينية، وربما لا نبالغ بالقول إنّ الاتفاق الإيراني- السعودي، الذي تم برعاية صينية، لم يترجم الكثير من مضامينه إلا في ساحتي: اليمن وسوريا، وبعناوين تسويات وتصفير المشاكل، التي يمكن أن تمتد إلى ساحات أخرى، فهل ستشمل ترجمات هذا الاتفاق العلاقة بين سوريا وإسرائيل، ولاحقاً القضية الفلسطينية، وبرعاية صينية، وبانضمام قوى إقليمية أخرى كتركيا ومصر؟

مواضيع ذات صلة:

حركة الجهاد الإسلامي: استنزاف إسرائيل أم قطاع غزة؟

ما حقيقة استهداف قادة "الجهاد الإسلامي" في سوريا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية