مع اقتراب موعد افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، ووسط انقسام واستقطاب حادّ بين الفصائل الفلسطينية، انعقدت في مقرّ الرئاسة الفلسطينية، بمدينة رام الله، الدورة العادية الثالثة والعشرون لـ "المجلس الوطني الفلسطيني"، وذلك خلال الفترة من 30 نيسان (أبريل) الماضي إلى الثالث من أيار (مايو) الحالي، وهي الدورة العادية الأولى بعد انقطاع دام 22 عاماً؛ حيث عُقدت آخر دورة عادية للمجلس عام 1996 في غزّة، في حين عُقدت في رام الله عام 2009 دورة استثنائية للمجلس.
ويعتبر المجلس الوطني الفلسطيني بمثابة برلمان منظمة التحرير الفلسطينية، ويمثل أعلى هيئة تشريعية للشعب الفلسطيني، ويتألف من 741 عضواً من فلسطينيي الداخل والخارج. وكان المجلس قد تأسس على يد الحاج أمين الحسيني عام 1948، وانعقدت في ذات العام أولى جلساته في غزة، وقد تم ضمه لاحقاً إلى منظمة التحرير بعد تأسيسها عام 1964.
سياق انعقاد الدورة
بعد انقطاع دورات المجلس مدة 22 عاماً، جاء انعقاد هذه الدورة في سياق تصاعد الحديث عن "صفقة القرن"، وبعد قرابة الخمسة أشهر من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، إضافة إلى تصاعد وتيرة الإجراءات الأمريكية، من تقليص منحة الأونروا، إلى إيقاف المساعدات للسلطة الفلسطينية، وقد انعكس كل ذلك في العنوان الذي حملته الدورة وهو: "القدس وحماية الشرعية الفلسطينية". يضاف إلى ذلك، تعرقل مسار المصالحة الفلسطينية، وتزايد حدة الانقسام، خصوصاً بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، في غزة، بتاريخ 13/3/2018، وما تلا ذلك من تبادل الاتهامات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس حول هوية المسؤول عن الحادثة.
انقسام واستقطاب حادّ
شهدت دعوة رئاسة المجلس لعقد الدورة انقساماً واستقطاباً حاداً بين الفصائل الفلسطينية؛ حيث أعلنت حركتي حماس والجهاد الإسلامي مقاطعتها للدورة مبكراً، منذ توجيه الدعوة لهما، في حين أعلنت الجبهة الشعبية في 19 نيسان (أبريل) الماضي انضمامها للحركتين ومقاطعتها للدورة أيضاً، وهو ما اعتبره الرئيس محمود عباس في كلمته الافتتاحية للدورة محاولة لإضعاف المجلس والمنظمة.
وقد وقع 109 أعضاء، أغلبهم من قطاع غزة، ومن المنتمين لحركة حماس، على عريضة، طالبوا فيها بتأجيل الدورة، مؤكدين أنّ "المضيّ في مسار المصالحة أبدى من انعقاد المجلس". وذهبت حركة حماس إلى التأكيد على ضرورة التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية قبل عقد أي دورة للمجلس، مع اعتبار الاجتماع الحالي "غير معبر" عن الشعب الفلسطيني؛ بسبب هيمنة حركة فتح على المجلس (أكثر من 50% من الأعضاء)، في حين تحدثت الجبهة الشعبية عن "اختطاف القرار الوطني الفلسطيني"، أما الجبهة الديمقراطية فقد رفضت المقاطعة، واتجهت إلى تفضيل خيار "خوض المعركة من الداخل".
اعتبر الرئيس محمود عباس مقاطعة الدورة محاولة لإضعاف المجلس ومنظمة التحرير
مضت رئاسة المجلس في ترتيب إجراءات الاجتماع مع التأكيد على إرسال الدعوات إلى كافة الأعضاء بمن فيهم المنتمون للحركات المقاطعة، واعتبر عدد من الأعضاء المقاطعين بأنّ هذه الدعوات "كاذبة"؛ باعتبار معرفة المجلس بأنّه لا يستطيع أحد من أعضاء حركتي حماس والجهاد الوصول إلى رام الله، وهو ما نفاه عدد من الأعضاء والمراقبين المؤيدين لانعقاد الدورة، مؤكدين إمكانية الحضور عبر الفيديو، أو اختيار أي عاصمة عربية، لو عزموا الحضور.
مؤتمر موازٍ
ولكن المقاطعة تطوّرت إلى مبادرة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى عقد فعالية باسم "المؤتمر الشعبي الوطني الفلسطيني"، في مدينة غزة، قبل انعقاد دورة المجلس الوطني بيوم، وذلك يوم الأحد 29/4/2018، كما كان من المُزمع عقد فعالية متزامنة بالاسم نفسه في لبنان؛ حيث تكون مخصصة لفلسطينيي الخارج، قبل أن تُصدر الحكومة اللبنانية قراراً بمنع عقد الفعالية.
غابت حركة فتح، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، عن فعالية غزة، في حين حذرت السلطة الفلسطينية من عقد المؤتمر معتبرة، في تصريحات لها، بأنّه "نوايا حمساوية من أجل تشكيل جسم سياسي فلسطيني موازي". وفي كلمته التي ألقاها في "المؤتمر الشعبي الوطني الفلسطيني"، صرح إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بأنّ اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني "لم يعالج أزمة الشرعية"، وهو "غير قانوني وغير شرعي".
كلمة مطوّلة للرئيس عباس
افتتح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون، في 30 نيسان (أبريل) 2018 الدورة العادية للمجلس، وفي ظلّ الحديث عن المقاطعة، بدأت أعمال الدورة بالتحقق من عدد الحضور واكتمال النصاب؛ إذ تبين حضور 605 أعضاء من أصل 741، وبالتالي تحقق النصاب، وهو حضور ثلثي الأعضاء بالحد الأدنى (ما مجموعه 494 عضواً)، وهو ما اعتبره أحمد عساف، وزير إعلام السلطة الفلسطينية، "كبيراً وغير مسبوق".
بادرت حركتا حماس والجهاد الإسلامي إلى عقد فعالية موازية باسم "المؤتمر الشعبي الوطني الفلسطيني" في غزة
وتلا ذلك كلمة مطوّلة للرئيس محمود عباس، امتدت لقرابة الساعتين، بدأها بالتأكيد أنّه "لو لم يتم عقد المجلس لكان الحلم الوطني في خطر"، ثم تطرق لأبرز القضايا والتحديات الراهنة، مبيناً موقف السلطة الفلسطينية منها، بدايةً من رفض قرار نقل القدس، ورفض ما يعرف بـ "صفقة القرن"، مع التأكيد على التمسك بخيار المفاوضات، داعياً الى عقد مؤتمر دولي من أجل إعادة إحياء عملية السلام.
كما أكد عباس على التزام حركة فتح بالمصالحة، وعلى أنّ "الباب مفتوح لحركة حماس للعودة عن الانقسام". وتطرق عباس، في الكلمة، لما يجري بغزة من "مسيرات العودة"، مشدداً على التمسك بخيار المقاومة السلمية.
التوصيات والمخرجات الختامية
واختتمت أعمال الدورة الخميس الماضي بانتخاب لجنة تنفيذية جديدة مكونة من 15 عضواً، وإعادة انتخاب الرئيس محمود عباس رئيساً لدولة فلسطين بالإجماع. أما بيان المؤتمر الختامي فتضمن عدة توصيات، أبرزها: إدانة ورفض قرار نقل السفارة، ورفض إسقاط ملفات القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والحدود، وإدانة المخططات الاستيطانية، وتبني حركة المقاطعة (BDS)، وتثمين المقاومة الشعبية السلمية، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية، إضافة إلى تثمين قرارات قمة الظهران التي انعقدت بالسعودية منتصف نيسان (إبريل) الماضي، وقرارات مؤتمر منظمة التعاون الإسلامية المنعقد في (13/12/2017).