ألقت الأزمة الاقتصاديّة الإيرانيّة الناتجة عن العقوبات الأمريكيّة بظلالها الثقيلة على منابر الدعاية الإيرانيّة التي تديرها مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانيّة في داخل إيران وخارجها، بإشراف مباشر من مكتب المرشد علي خامنئي، والتي تضمّ مجموعة كبيرة من القنوات التلفزيونيّة، بلغات مختلفة؛ كالعربيّة والفارسيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة والتركيّة والبوسنيّة وبعض اللغات الأفريقيّة كالهوسا والسواحليّة، كقناة "العالم" الموجّهة إلى الدول العربيّة، وقناة "برس تي في" التي تبثّ برامجها باللغة الإنجليزيّة، وقناة "هيسبان تي في" التي تخاطب عدداً كبيراً من الشعوب الناطقة باللغة الإسبانيّة كإسبانيا وبعض دول أمريكا اللاتينيّة.
الأزمات الاقتصاديّة تعصف بالمنابر الإعلاميّة الإيرانيّة، والديون تتراكم على فضائيّاتها
إضافةً إلى القنوات التي تموّلها إيران في عدد من الدول العربيّة، كقناة "المنار" التابعة لحزب الله بلبنان، و"الميادين" و"نبأ" و"المسيرة" و"اللؤلؤة" و"العهد".
وفي السياق نفسه، كشف مساعد هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانيّة لشؤون الإعلام الخارجي، بيمان جبلي، عن حجم الأزمات التي تعصف بهذه المؤسّسة، عندما حذّر من احتماليّة توقّف شركات الأقمار الصناعيّة عن بثّ عدد من فضائيّاتها بسبب عدم قدرتها على دفع ديونها المتراكمة، وفق ما أوردت صحيفة 24Arab News .
وكانت قناة "الكوثر" الفضائيّة، التي تبثّ برامجها باللغة العربيّة، أُولَى القنوات التي تأثرت بالأزمة الاقتصاديّة بعد أن أوقف قمر يوتلسات بثّ هذه القناة في أيّار (مايو) الماضي بسبب تراكم الديون المترتبة عليها، تلتها قناة "سحر" الناطقة باللغة الأرديّة، ثمّ إحدى أقدم الإذاعات الإيرانيّة التي تبثّ برامجها بالفارسيّة الدريّة من العاصمة الأفغانيّة كابول منذ أكثر من أربعين عاماً للأسباب نفسها، كما انخفضت ميزانيّة بعض القنوات بشكل ملحوظ فضلاً عن تأخُّر صرف رواتب الموظّفين والإعلامّيين لشهور، كقناة العالم مثلاً التي استغنت عن عدد من الإعلاميّين وخفّضت رواتب آخرين بنسب متفاوتة.
الإعلام الإيراني أرجع الأزمة الماليّة التي تمرّ بها مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون إلى عدم تعاون هذه المؤسّسة وعدم تقديمها الوثائق اللازمة للهيئة الرقابيّة التي عيّنَتها الحكومة لمراجعة كيفيّة إنفاق 947 مليون دولار كانت خُصّصت لها للفترة بين 2009 و2014 لتطوير البنية التحتيّة وتوفير معدّات جديدة كشرط أساسي لأيّ مخصّصات إضافيّة، لكنّ هذا التبرير يبدو أنّه غير كافٍ وغير مقنع في ظلّ تبعيّة هذه المؤسّسة للمرشد.
عوامل تراجع اهتمام النظام الإيراني بالإعلام الموجّه إلى الخارج والتوقف عن تقديم الدعم المالي له
مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون من المؤسّسات الرئيسيّة التي يعوّل عليها المرشد علي خامنئي في تنفيذ سياساته، ومن أهمّ أدوات القوّة الناعمة التي توظّفها إيران لخدمة مبادئها وأهداف سياستها الخارجيّة، لكنّ تراجع الدعم المالي المقدّم لهذه المؤسّسة وعدم تدخُّل علي خامنئي بشكل حاسم لحلّ أزماتها الماليّة، قد يقود إلى عوامل أخرى قد تكون وراء تراجع اهتمام النظام الإيراني بالإعلام الموجّه إلى الخارج، أهمّها: فشل الإعلام الإيراني الموجّه إلى الخارج، خاصّة دول المنطقة، في استقطاب الشارع العربي، بعد تَكشُّف الأهداف التوسعيّة والطائفيّة لإيران، بعد فشله في تقديم خطاب إعلامي مقنع للمتلقي العربي، وحتى على المستوى الداخلي فقد تسبّب احتكار النظام الإيراني وسائل الإعلام التقليديّة والجديدة وعدم الشفافيّة، في ضعف ثقة المواطن الإيراني بمعظم القنوات الإيرانيّة المحليّة، واللجوء إلى القنوات والإذاعات الخارجيّة الناطقة باللغات الفارسيّة والعربيّة والإنجليزيّة.
وتابعت الصحيفة: "تَورُّط إيران في الحروب الإقليميّة، لا سيّما في سورية واليمن والعراق، أدَّى إلى استنزاف مواردها الماليّة وخلق عدد من الأزمات التي تتطلّب إعادة تقييم حجم الإنفاق المالي على مؤسّسات النظام الإيراني، بما فيها مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون.
يُذكر أنّ البروباغندا الإيرانيّة وقوّة الجيوش الإلكترونيّة التي تروّج سياستها عبر منصّات التواصل الاجتماعي قد تراجعت، بسبب التحدّيات الداخليّة المتصاعدة، التي تضاعفت في ظلّ جائحة كورونا.