أحمد جمال
رفع وزراء الخارجية العرب، في ختام اجتماعهم الجمعة، بتونس، مشروع جدول أعمال لقمة القادة، التي تستضيف تونس دورتها الثلاثين، يتضمن نحو 20 بندا أهمها القضية الفلسطينية والأزمة السورية والوضع في ليبيا واليمن، إلى جانب مشروع قرار يرفض الإعلان الأميركي بشأن الجولان السوري المحتل، ويعتبره لاغيا.
ويشير خالد علي، وهو معارض سوري، إلى أن إعلان الجولان كأرض إسرائيلية له مدلول خطير يؤكد وقوف جميع الأطراف السورية في مفترق طرق، وعلى الجميع تحديد رؤية واضحة وثابتة والتخلي عن الخلافات للحفاظ على الهوية السورية.
ويضيف في تصريحات لـ”العرب”، أن القمة العربية تقع عليها الكثير من الآمال لتحقيق ذلك عبر تنسيق عربي متوازن يدفع بالملف السوري إلى عملية التسوية الحقيقية، ويجعل هناك جبهة موحدة أمام أي عدوان إسرائيلي، سياسي أو عسكري.
باتت سوريا أمام تحدي خلق عملية سياسية جادة تحمي وحدتها، وتؤمن بأن البلاد فوق الجميع، وتبحث عن رد قوي وحاسم ضد المحاولات المستميتة لتقسيم أراضيها. ويؤكد على أنه لن يتحقق ذلك دون دعم عربي ملموس بإصدار بيان شديد اللهجة تجاه الموقف الأميركي وإيجاد صيغة لعودة التمثيل السياسي، وقتها تكون القمة العربية ناجحة من وجهة النظر السورية.
إنقاذ السودان: لا يقل وضع السودان خطورة عن أوضاع دول عربية أخرى في ظل موجات مستمرة من الاحتجاجات بدأت في ديسمبر الماضي رفضا للأوضاع الاقتصادية المتدنية التي تعيشها البلاد. وتدخل الخرطوم، ممثلة بنائب الرئيس عمر حسن البشير، طه عثمان، القمة العربية وهي تحمل أمنيات بالحصول على مساعدات اقتصادية ومواقف سياسية تمكن النظام الحاكم من امتصاص غضب الشارع.
ويشير مكي المغربي، المحلل السياسي السوداني، إلى أن المواطنين انتظروا المزيد من الدعم العربي مع اندلاع الاحتجاجات الواسعة، لكن لم يجدوا مساعدة تذكر حتى الآن. ويضيف لـ”العرب”، أن العلاقة بين السودان وغالبية الأشقاء العرب متصدعة ومليئة بالمنغصات، وظهر ذلك بعدما أدار الرأي العام السوداني ظهره للقضايا العربية ولم يعد يهتم أو يتفاعل مع الأزمات المتعددة، كما كان في أوقات سابقة، لكن تبقى آمال الحكومة السودانية قوية، بعد أن نجح الرئيس البشير في فتح علاقات هادئة مع بعض الدول العربية. واستدرك المغربي أن هذا “لا يعني أن القمة العربية حجر زاوية في إنهاء الغضب الشعبي، فالحراك نفسه معلول وغير منتج، وتحوّل إلى مجرد محاور متناحرة”.
دعم الشعب الجزائري: تدخل الجزائر القمة العربية بوجه جديد بحكم الحراك الشعبي الحيوي، لكنه يثير الكثير من القلق حول المستقبل السياسي للبلاد. ويقول إسماعيل معراف، الباحث في القانون والعلوم السياسية بجامعة الجزائر، لـ”العرب”، إن الجامعة العربية فقدت قوتها وتأثيرها عندما أصبحت غير قادرة على اتخاذ قرارات ذات شأن في قضايا إقليمية معاصرة.
وفي تصوره، أن الشارع الجزائري يغلي، رافعا دعوى التغيير والإصلاح، لذا فإنه إن كان ينتظر من الجامعة شيئا، فهو ينتظر الدعم الحقيقي من الشعوب لا من الأنظمة. ويؤكد معراف أن النزعة القُطرية غلبت على الفكرة القومية في السنوات التالية للربيع العربي، ولم تعد الجامعة العربية مؤثرة.
ويرى أن الدول العربية قد تكون ضحية تخطيط مُسبق يستهدف تفتيتها عن طريق شغل كل بلد بقضاياه ومشكلاته الخاصة، وهو ما يحدث حاليا في الجزائر، التي ظهر شعبها أقل تفاعلا من أي وقت مضى مع القضية الفلسطينية وأزمة الجولان الجديدة.
تدوير القضية الفلسطينية: تفتح القضية الفلسطينية صفحة جديدة من الصدامات المستمرة. ومع التحديات التي فرضتها الإدارة الأميركية بالضغط على السلطة الوطنية والترويج لصفقة القرن، باتت الدول العربية مطالبة برد فعل قوي.
ويقول حازم أبوشنب، عضو الحركة المركزية لحركة فتح، “القضية الفلسطينية كانت على رأس جدول أعمال غالبية القمم السابقة، غير أن المردود كان ضعيفا للغاية، ما يقلل من تعويل الشعب على الدور العربي، في ظل تصاعد حجم التحديات الراهنة”.
ويضيف أبوشنب، في تصريحات لـ”العرب”، أن الوضع المالي الكارثي الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية بحاجة إلى تدخل عربي سريع، وقد يكون مواتيا من خلال قمة تونس، مع استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على 73 بالمئة من إجمالي الواردات المالية للحكومة الفلسطينية في الشهرين الماضيين، والمعروفة بـ”أموال المقاصة”، عبر القرار الإسرائيلي باقتطاع رواتب أسر الشهداء والجرحى والتي كانت تحوّلها إلى السلطة الوطنية الفلسطيني كل شهر.
ويلفت إلى أن هناك جملة من الإجراءات المنطقية التي من الممكن أن تتخذها الجامعة العربية في ظل الوضع الإقليمي الحالي، أولها، الالتزام بالقرارات السابقة بشأن فلسطين وعلى رأسها خطة السلام العربية والضغط باتجاه تطبيق بنودها جميعها وعدم تجزئتها.
وكان المتحدث باسم القمّة العربية محمود الخميري قد كشف عن وجود اتّفاق على تفعيل شبكة الأمان المالي العربية لفلسطين، ودعمها بـ100 مليون دولار شهريا. وقال الخميري، ذلك خلال مؤتمر صحافي عشية القمة، إن “هناك اتفاقا عربيا على أن يتم تفعيل شبكة الأمان الاقتصادي والاجتماعي الفلسطيني، ودعمها بـ100 مليون دولار شهريا، لمجابهة الأعباء المالية والديون المسلطة على فلسطين”.
تأييد المؤسسات الليبية: أصبح الوضع الحالي في ليبيا يشبه “الكعكة”، وكل طرف يمسك سكينا محاولا اقتطاع جزء منها. ويعوّل الليبيون على قمة العربية في حماية بلادهم عبر انحياز حقيقي لدعم وحدة الصف بين المؤسسات الوطنية، بدلا من الانشقاق، بانقسام الدول العربية إلى أحلاف تدعم جهات متصارعة تزيد الفجوة.
ويؤكد محمد الزبيدي، أستاذ القانون الدولي والسياسي الليبي، أن الجامعة العربية مسؤولة عن جزء معتبر من تعقد المشهد الليبي الحالي، لأنها أول من بارك تدخل حلف الناتو في العام 2011، وتأخرت في الدخول على خط الأزمة للوصول إلى حل، ولم ترسل مبعوثا خاصا بها إلى ليبيا خلال سنوات الأزمة الأولى، وتحولت الأمم المتحدة إلى محرك أساسي لخيوط اللعبة السياسية.
ويضيف لـ”العرب”، أن كثرة التحديات التي تواجه الجامعة العربية يجعلها غائبة عن التأثير في مجمل الأوضاع الإقليمية، إضافة إلى المشكلات الداخلية التي تعصف بعدد كبير من أعضائها ما يجعل من الحفاظ على وحدة هذه الدول بعيدا عن التفكك هو المهيمن على التحركات الدبلوماسية للبلدان العربية.
العرب متحكمون: يختلف الملف اليمني عن بقية القضايا العربية في طبيعة طرحه، وكون أغلب أطرافه عربية، تبدو فرصة تقديم حلول وتطبيقها أقوى من أي ملف آخر، وتفرض تكوينات الأزمة اليمنية مسؤولية خاصة على الزعماء العرب لإيجاد صيغة واضحة في القمة العربية من أجل عودة الشرعية.
ويشير عبدالرحيم الفتيح، عضو اللجنة الدائمة بحزب المؤتمر الشعبي العام، إلى أن تزايد حجم التحديات التي تواجهها الجامعة العربية يضع القمة في مأزق نظرا لعجزها المتوقع عن اتخاذ أي قرار قد يدفع بحلول تعزز من مساعي السلام في المنطقة بشكل عام.
ويوضح لـ”العرب”، أن تشابك الأزمات والملفات يعطي فرصة لتزايد التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية، ومحاولة إخضاع المنطقة برمتها للهيمنة الإيرانية، وهذا الخطر يواجه فقط بعاصفة الحزم في اليمن، بينما تتهرب الأنظمة من مواجهته في دول أخرى، وهنا تكمن الكارثة والخطر المحدق.
ويتابع مشيرا إلى أن “الملف اليمني الوحيد الذي يمسك بزمام الأمور فيه أطراف عربية، وقد تكون هذه النقطة بارقة أمل لليمنيين لثقتهم أن الخطر الذي يقعون فيه يحدق بالمنطقة برمتها، وبالتالي فإن التعويل يكون على إمكانية التوافق حول مكافحة التوغل الإيراني في بعض دول المنطقة”.
ويقول العقيد يحيى أبوحاتم، الخبير العسكري اليمني، في تصريحات لـ”العرب”، إن الجامعة العربية مطالبة بموقف أكثر صلابة في مواجهة التدخلات القطرية والإيرانية الداعمة للانقلاب الحوثي، وأن تكون هناك عقوبات رادعة على دولة قطر الممولة للإرهاب في اليمن وعدد من البلدان العربية الأخرى، لتكون عبرة لباقي الأعضاء.
ويطالب “بتفعيل دور عاصفة الحزم والتحالف العربي بشكل أكبر وتقديم المساعدة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية”، باعتبارهما تقودان هذا التحالف.
ويشير إلى أن على الجامعة العربية تقديم الدعم اللازم للحكومة الشرعية في اليمن، وتأييد أي خطوة تهدف لتطهيرها من القوى غير المنضوية داخلها، وتلك التي تعمل على إضعافها، غير أن ذلك لن يكون له أثر من دون التعامل المباشر مع الدول العربية الداعمة لميليشيا الحوثي.
عن "العرب" اللندنية