رفع رئيس حركة النهضة في تونس راشد الغنوشي وتيرة تهديداته، عبر تصريح جديد أطلقه الأحد الماضي، على هامش نشاط حزبي في محافظة باجة (شمال غرب تونس)، أكّد فيه أنّ كلّ من يعدّ حركة النهضة ليست حزباً سياسياً، أو يتّهمها بالإرهاب، إنما يراهن على حرب أهلية، ملوّحاً ضمنياً باللجوء لخيار العنف في مواجهة محاولات عزل الحركة سياسياً.
رئيس حركة النهضة يثير جدلاً واسعاً بالتلويح بخيار العنف في مواجهة محاولات عزل الحركة سياسياً
تصريح الغنوشي، الذي كشف عن مساعي الحركة ونهجها، جاء ردّاً على نائب الجبهة الشعبية (أقصى اليسار) زياد لخضر، الذي أكّد في برنامج تلفزيوني، خلال إحياء الذكرى الخامسة لاغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد، أنّ النهضة تُغالط الشعب، وأنّها لم تفصل بين الدعويّ والسياسي، وفق ما أوردت صحيفة "العرب" اللندنية.
ووصف سياسيون ومراقبون تونسيون تصريح الغنوشي بـ"الخطير"، لما تضمّنه من تلويح باللجوء إلى العنف لفرض بقاء حركته طرفاً مؤثراً في المشهد السياسي.
وعلى عكس تبريرات بعض قيادات النهضة، التي عدّت، مرّة أخرى، أنّ التصريح قد فُهم بشكل غير صحيح، رأى سياسيون تونسيون في تصريحات صحفية، أنّ في تصريح الغنوشي تأكيداً جديداً على عدم تخلّص حركة النهضة من "فكر جماعة الإخوان المسلمين"، وآلياتها المعهودة في فرض رأيها على الآخرين، عبر التلويح بخيارات عنيفة لإجبارهم على القبول بالنّهضة شريكاً في السلطة.
سياسيون تونسيون: تصريح الغنوشي تأكيد جديد على عدم تخلّص حركة النهضة من فكر جماعة الاخوان المسلمين
ولوّح النائب بمجلس نواب الشعب، المنذر بالحاج علي، عبر الإذاعة الرسمية التونسية، بمقاضاة رئيس حركة النهضة إن لم يتراجع عما جاء في تصريحه الخطير، مؤكّداً أنّه سيتوجه إلى القضاء الدّولي إن لزم الأمر.
وبدوره، قال الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، حمّة الهمامي، إنّ "ما صرّح به الغنوشي، وإن كان غير مستغرب، فإنه خطير جداً، وغير مسؤول، لما تضمّنه من تهديد واضح لكلّ من يخالف رأي حركة النهضة".
وأضاف الهمامي، أنّ "الغنوشي أكّد، مرّة أخرى، أنّ فكر حركته لا يقوم على صراع الأفكار، بقدر ما يرتكز على الالتجاء إلى العنف في محاولة يائسة لتخويف الخصوم السياسيين".
الهمامي: تصريح الغنوشي يؤكد أنّ فكر النهضة لا يقوم على صراع الأفكار بقدر ما يرتكز على العنف
وشدّد على أنّ التهديد المبطّن لرئيس حركة النهضة، ليس موجّهاً للجبهة الشعبية فحسب؛ بل فيه محاولة لإرباك وتخويف وترهيب كافة النسيج المجتمعي؛ بأحزابه، ومعارضيه، ومجتمعه المدني.
وعدّ رئيس حزب الحركة الديمقراطية، أحمد نجيب الشابي، أن تصريح الغنوشي فيه مصادرة لحرية التعبير، التي أهدتها ثورة يناير 2011 لجميع الفاعلين السياسيين، بما في ذلك حركة النّهضة.
وقال الشابّي، وهو أحد المدافعين التاريخيين عن الاعتراف بالنهضة: إنّ "تصريح الغنوشي يعدّ خطراً على أهم مكتسبات الشعب التونسي، وتهديداً حقيقياً للتجربة الديمقراطية التونسية."
وقال النائب بالبرلمان عن كتلة الحرّة، الصّحبي بن فرج، في تصريح لصحيفة "العرب": إنّ "حركة النهضة، وتحديداً رئيسها الغنوشي، عادة ما تنتهج تصريحات غامضة، يمكن تكييفها كيفما تشاء الحركة، لكن من الواضح أنّ في تصريحه الأخير رسائل مبطّنة، مفادها؛ إمّا الاعتراف بحركة النهضة حزباً سياسياً، أو اللجوء إلى الحرب الأهلية".
بن فرج: تصريح رئيس حركة النهضة لا يتجاوز إثارة فرقعة جديدة لجذب الأنظار إليه ولرصّ صفوف قواعده
واستبعد بن فرج، أن يكون وراء تصريح الغنوشي بداية لتحريك قواعد حركته نحو العنف، قائلاً: إنّ "تصريح رئيس حركة النهضة، لا يتجاوز إثارة فرقعة جديدة، في محاولة لجذب الأنظار إليه، ولرصّ صفوف قواعده، وإرضائهم بالخطاب الذي يستهوونه (خطاب وحدة الصّفّ ضدّ العدو الداهم)، منذ نشأة التّيار الإسلامي بتونس، خصوصاً أنّ أنصاره تشتتوا بعد انتخابات عام 2014.
وشدّد بن فرج على أنّ مواقف حركة النهضة في الفترة الأخيرة، عبر البيانات الرسمية، أو من خلال تدخلات قيادييها الإعلامية، تؤكّد شدّة تخوفها من أن تلقى مصير التيارات الإسلامية في المنطقة، خصوصاً أنّ الحركة بدأت تستنفد الرصيد الذي حاولت ترويجه، بأنّها حزب مدني مختلف تماماً عن تنظيم الإخوان المسلمين.
ورجّح المراقبون، أن تكون تصريحات الغنوشي المتواترة والمثيرة للجدل، ممنهجة ومدروسة، باعتبار أنّه أصبح يتعمّد، في بداية كلّ عام، رمي قنبلة إعلامية جديدة؛ لإثبات وجوده، ولرصّ صفوف أنصار حركته.
يذكر أنّ، تصريح الغنوشي حول الحرب الأهلية، جاء بعد يوم فقط من تهديد حركة النهضة، في بيان رسمي لها، بمقاضاة وسائل الإعلام والصحافيين، على خلفية ما عدّته مشاركة في حملات تشويه وتحريض ضدّها، وضدّ قادتها، لدى فتح العديد من الملفات، ومنها المساهمة في خلق مناخ مناسب للإرهاب، وشبكات تسفير الشباب إلى بؤر التوتر، ومصادر تمويل الحركة المثيرة للجدل، منذ عام 2011.