"الغزلاني" ليس الأخير.. إرهابيون أخرجهم الإخوان من السجون

"الغزلاني" ليس الأخير.. إرهابيون أخرجهم الإخوان من السجون

"الغزلاني" ليس الأخير.. إرهابيون أخرجهم الإخوان من السجون


12/03/2024

"ليس لدي استعداد قضاء باقي عمري في سجون الداخلية"، هي آخر كلمات رددها محمد نصر الدين فرج الغزلاني، ابن منطقة كرداسة بمحافظة الجيزة المصرية، قبل أن يفر هاربا إلى الكويت، ومنها إلى تركيا، قالها في حشد من أعضاء جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين، قبل أن يقتحم الجيش المصري القرية التي حكمها الغزلاني لأكثر من أربعين يوماً عقب فض اعتصام رابعة العدوية في القاهرة، بعد خلع حكومة الإخوان عن حكم مصر، حزيران (يونيو) 2013.

قُبض على الغزلاني قبل ثلاثة عقود، ضمن تنظيم طلائع الفتح، إلى جوار 1000 جهادي تم تدريبهم على حرب العصابات في أفغانستان

الغزلاني، الذي غاب عن الأنظار لسنوات، قابعاً في السجون المصرية، على خلفية انضمامه إلى تنظيم "طلائع الفتح"، الجناح المسلح لجماعة الجهاد، أوائل التسعينيات من القرن الماضي، عاد ليتصدر المشهد خلال الأيام الأخيرة، بعد عفو النظام التركي عنه وإخراجه من السجن دون أسباب، علماً أنه تم القبض عليه أيضاً دون أسباب معلنة.

قُبض على الغزلاني قبل ثلاثة عقود، ضمن تنظيم طلائع الفتح، إلى جوار 1000 جهادي تم تدريبهم على حرب العصابات في أفغانستان، لتنفيذ خطة وضعها أيمن الظواهري،  للانقلاب على الحكم في مصر عن طريق الثورة الشعبية المسلحة، لكن المخطط انكشف بالصدفة، وسقطت خلايا التنظيم تباعاً في أيام معدودات، بعد أن استمر تدريبهم في جبال أفغانستان منذ العام 1987، وحتى العام 1992. ثم بعد خروجه من السجن، عقب ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، عاد الغزلاني إلى مسقط رأسه، قرية كرداسة، التي خرج منها العديدون من أقطاب تنظيمات الجهاد، والجماعة الإسلامية، والإخوان المسلمين.

الغزلاني الذي غاب عن الأنظار لسنوات عاد ليتصدر المشهد بعد عفو النظام التركي عنه

الكاتب الصحفي أحمد السكري وصف كرداسة بأنّها أحد معاقل التيار الإسلامي في مصر، ولها سوابق عديدة في إيواء الهاربين والمطلوبين أمنياً سواء من قيادات جماعة الإخوان المسلمون أو الجماعات السلفية الجهادية، وشهدت عدة مواجهات أمنية.

وأضاف السكري في مقال منشور بجريدة الوفد المصرية: "تتنوع الجماعات الإسلامية المتواجدة في كرداسة بين فكر جماعة الإخوان المسلمين والفكر السلفي والفكر الجهادي، وللنوعين الأخيرين نصيب الأسد فيها، حيث ينتمي إليها عدد ليس بالقليل".

وتستحوذ الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد على النسبة الأكبر، ومن أبرز أبنائها الإرهابي محمد نصر غزلاني الذي قضى في السجن نحو 15 عاماً.

حصل الغزلاني على الدكتوراه في القانون داخل السجن، وخلال السنوات الخمس الأخيرة في سجنه تعرّف على مجموعة من الجماعات التكفيرية والجهادية من أبناء سيناء، ونشأت بينهم صلات وثيقة واستمر الاتصال بينهم، وكان صاحب أول مبادرة عقب ثورة كانون الثاني (يناير) للتواصل مع الجماعات التكفيرية لنبذ العنف، نتيجة علاقاته الوطيدة بقيادات تلك الجماعات.

اقرأ أيضاً: الوزير المصري الأسبق محمد إبراهيم: الإخوان حاولوا احتلال وزارة الداخلية

بحسب شهود عيان قاد الغزلاني عملية مجزرة قسم كرداسة التي لم تشهد مصر مثلها بعد أحداث أسيوط في الثمانينيات، وراح ضحيتها مأمور مركز الشرطة، ونائبه وعقيد ومعاونا المباحث و7 آخرون من الأمناء والجنود والتمثيل بجثثهم واستخدام قذائف "آر بي جي"، والبنادق الآلية في اقتحامه وإشعال النيران به.

 قاد الغزلاني عملية مجزرة قسم كرداسة التي لم تشهد مصر مثلها منذ أحداث أسيوط في الثمانينيات

وقبل اقتحام الجيش لمدينة كرداسة اعتلى عدد من أنصار الغزلاني أسطح المنازل المطلة على مدخل المدينة بجوار موقف السيارات بشارع سعد زغلول، حاملين أسلحة ثقيلة وعدداً من قنابل المولوتوف كخط دفاع عن المدينة.

خرج الغزلاني من السجون المصرية 2011، ومعه خرج عشرات الآلاف من الجهاديين الذي ظلوا لعقود في غياهب السجون المصرية، يتدارسون الفكر المتطرف فيما بينهم، ويغزون رغبة الانتقام، المسألة التي وظّفتها جماعة الإخوان فور سقوط حكم الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك، وكان الغزلاني أحد دروعها، إلى جانب آخرين لا يقلون أهمية، قام على أكتفاهم العمل الإرهابي في مصر، بداية من أنصار بيت المقدس، مروراً بأجناد مصر، وأنصار الشريعة، والمقاومة الشعبية، والعقاب الثوري، وحسم، ولواء الثورة، وولاية سيناء.

اقرأ أيضاً: ثورة يناير: كيف قوّضت تناقضات الإخوان مساعي الديمقراطية في مصر؟

ورفض محللون إلصاق تهمة الإفراج عن أعضاء الجماعات الجهادية لجماعة الإخوان المسلمين، مع نسبتها لفترة حكم المجلس العسكري للدولة المصرية عقب ثورة كانون الثاني (يناير) 2011.

الكاتب الصحفي حسام بهجت كتب في موقع مدى مصر: "بينما أصدر مرسي بالفعل قرارات بالعفو الرئاسي عن المئات، فإن أغلب من حصلوا على هذا العفو كانوا من المتظاهرين الذين تمت محاكمتهم أمام القضاء العسكري. وقد أصدر مرسي بالفعل قرارات بالعفو عن بعض قيادات الجهاديين من المدانين في محاكمات متعلقة بالإرهاب، غير أنّ الغالبية الساحقة من قرارات الإفراج عن الجهاديين وغيرهم من الإسلاميين صدرت في فترة تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد بعد تنحي مبارك وتحديداً في الفترة من شباط (فبراير) إلى تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١، وقد توصل تحقيق "مدى مصر" إلى أنّ مرسي قد أطلق سراح ٢٧ إسلامياً خلال عامه في الحكم، مقارنة بعدد من خرجوا في عهد المجلس العسكري وهو ما يزيد على ٨٠٠ سجين".

منير أديب: المجموعات التي أُفرج عنها في حكم الإخوان هي المسؤولة عن أحداث العنف بعد 2013

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، منير أديب، يشير إلى أنّ حديث بهجت قد يكون صحيحاً في سياقه: "مراجعات الجماعة الإسلامية كانت سبباً في خروج أعداد كبيرة بالفعل من المسجونين، إلى جانب قضاء الغالبية لمدد العقوبة المقررة عليهم، لكن إذا تحدثنا عن خروج إرهابيين لم يخضعوا لمراجعات، وهم لا يزالون على عهدهم بالفكر المتطرف، فذلك حدث في فترة حكم الإخوان".

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، منير أديب

وأضاف أديب في حديثه لـ"حفريات": "عبود الزمر كان مسؤولاً عن ملف المسجونين من أعضاء الجماعات الإسلامية، وحدث أن التقى بصحبة عصام دربالة محمد مرسي في قصر الرئاسة مرتين، ومارس ضغطاً عليه للإفراج عن المسجونين الخطرين، الذين كان من الصعب إخراجهم من السجون قبل حكم الإخوان لبقائهم على أفكارهم المتطرفة".

اقرأ أيضاً: ذكرى 25 يناير بمصر.. مكالمات تكشف مخططات الإخوان وتدخل تركيا

يشير أديب في هذا السياق إلى الإرهابي مصطفى حمزة، مسؤول الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، ومخطط محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل، محمد حسني مبارك، في أديس أبابا، موضحاً أنه تواصل معه داخل السجن: "سمعت من حمزة نصاً أنهم كانوا يبحثون عن شكل قانوني يسمح بخروجه، علماً أنه كان ضد مراجعات العنف التي قدمتها الجماعات الإسلامية، وحدث في إحدى المرات أن سأله القاضي قبل السماح بإخراجه، هل ندمت على عمليات القتل التي شاركت فيها، فرد حمزة بالنفي، مؤكداً أنه لم يندم، ومارس عليه الإسلاميون في ذلك الوقت ضغوطاً حتى يكون أكثر مرونة للسماح بخروجه من السجن".

يضيف أديب أنّ تلك المجموعات التي أُفرج عنها في حكم الإخوان هي المسؤولة عن أحداث العنف بعد 2013: "أو ساعدت في نمو ظاهرة العنف في مصر، وشاهدنا ظاهرة الإرهاب لا تختلف عما شاهدناه في التسعينيات، بل وجدنا منهم مسؤولين عن فكر الجهاد بعد 2013".

ويرى أديب، أن تحول شخص كان مجهولاً بين جماعات الإسلام السياسي وقت اعتقاله قبل 2011، مثل محمد نصر الدين الغزلاني، إلى إرهابي عالمي في 2021، يعود بشكل ما إلى أنّ أعضاء الجماعات الإرهابيين يصبحون أكثر شراسة وعنفاً داخل السجون، بسبب فكرة الحبس الجماعي التي تعطيهم الفرصة لتدارس الفكر المتطرف فيما بينهم".

أصدر مرسي قرارات بالعفو عن بعض قيادات الجهاديين من المدانين في محاكمات متعلقة بالإرهاب

يتابع أديب: "ما يؤكد هذا الكلام، أنّ الجماعة الإسلامية بعد اغتيال السادات، باتفاق ناجح إبراهيم، وكرم زهدي، ومحمد عبد السلام فرج، دشنوا جناحهم المسلح داخل السجن وليس قبله، والذي أطلقوه العام 1987، بعد نشرهم الميثاق الذي حدد آلية عمل الجماعة في مرحلة ما بعد اغتيال السادات".

الحديث عن 27 جهادياً فقط أفرج عنهم مرسي، طبقاً لتحقيق مدى مصر، يحتاج أن يوضع في سياقه حتى تكتمل الصورة؛ توظيف الإخوان للجهاديين المتواجدين في السجون المصرية بدأ بعد 24 يوماً فقط من أداء محمد مرسي اليمين الدستورية، رئيساً للبلاد، في 30 حزيران (يونيو) من العام 2012، بإصدار أبرز قراراته، في مخالفة لجميع القوانين والأعراف الدستورية والقانونية، حيث أصدر القرار رقم 75 لسنة 2012.

اقرأ أيضاً: هل فقد الإخوان حقاً دعم الدوحة؟ وما هي خياراتهم بعد المصالحة؟

 القرار الذي تضمن العفو عن 27 جهادياً، تتراوح الأحكام الصادرة ضدهم ما بين الإعدام والسجن المؤبد بتاريخ 26 تموز (يوليو) من العام 2012، ثم صدر قراره الثاني رقم 122 لسنة 2012 بالعفو عن 56 جهادياً، متفرقين على السجون بالمحافظات، في 16 آب (أغسطس) من عام 2012.

اغتيال اللواء نبيل فرج - اقتحام كرداسة

وعلى خلاف جميع قرارات العفو الصادرة في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وكذلك في عهد المشير محمد طنطاوي، في فترة تولّي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد، أصدر مرسي قراره متضمناً أربع مواد، الأولى تنصّ على العفو عن العقوبة الأصلية المتمثلة في الحكم الصادر بالإعدام غيابياً ضد ثلاثة من أبرز قيادات الجماعات الإرهابية الهاربين وهم "غريب أحمد الشحات، حسن الخليفة عثمان علي، أحمد عبد القادر بكري محمد"، والمادة الثانية من القرار تتضمن النص على الإفراج عن 23 محكوماً عليه، وإعفائهم سواء من قضاء العقوبة الأصلية بالنسبة للهاربين، أو ما تبقى منها بالنسبة للسجناء.

اقرأ أيضاً: بعد 10 أعوام على الثورة المصرية أين ذهبت حركات الإخوان المسلحة؟

وتضم تلك المادة الإفراج عن 14 سجيناً، وإعفاءهم من استكمال باقي عقوبتهم، والعفو عن العقوبة الأصلية لـ9 من المحكوم عليهم الهاربين، بينهم سوري وسعودي.

وتضم قائمة مرسي، أسماء المتهمين في قضية قتل مبارك في أديس أبابا، إلى جانب قضايا العائدين من ألبانيا وأفغانستان، وكان من بينهم أبو العلا محمد عبد ربه "قاتل الكاتب فرج فودة عام 1992".

وشمل قرار مرسي كذلك، العفو عن 9 هاربين، من بينهم: أشرف عبد الغفار، ووجدي غنيم، وعوض محمد القوصي "سعودي الجنسية"، وإبراهيم منير، القائم الحالي بأعمال مرشد الإخوان، وعلي غالب همت "سوري الجنسية" ويوسف ندا القيادي الإخواني الشهير.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية