الغرب يستهدف روسيا.. فهل ترتد عقوباته على العالم؟

الغرب يستهدف روسيا.. فهل ترتد عقوباته على العالم؟


03/03/2022

لم يكد الاقتصاد العالمي يتعافى من تحديات جائحة كورونا، حتى اصطدم بالعقوبات الغربية والأمريكية ضد روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، ففي غضون أيام قليلة فقط أصبحت الآفاق الاقتصادية العالمية مظلمة، بينما تواصل القوات الروسية والأوكرانية القتال لليوم الـ8 على التوالي.

ورغم أنّها لا تخضع لقوانين الفيزياء، إلّا أنّ آثار العقوبات الغربية والأمريكية ارتدّت بشكل قوي ومخيف على الأسواق الأوروبية والعالمية، ولا سيّما أسواق الطاقة التي اهتزّت بشكل غير مسبوق جرّاء العقوبات التي استهدفت بالأساس عزل روسيا واقتصادها الذي يمثل 1.7% فقط من إجمالي الناتج العالمي.

اقرأ أيضاً: قبل الردع النووي: هل استخدمت روسيا أسلحة "محرّمة" في أوكرانيا؟

ومع ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وتجاوز خام برنت عتبة الـ(110) دولارات، أعرب مستثمرون عن تخوّفهم من حدوث تباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي.

برميل بارود في الأسواق الغربية

انشغلت أوروبا في الآونة الأخيرة، في الفترة التي سبقت الحرب مباشرة، بتحصين نفسها من ردّ فعل روسيا على العقوبات الغربية المحتملة، إلّا أنّها لم تُعر انتباهاً إلى أنّ تبعات العقوبات التي فرضتها ستكون بمثابة برميل بارود في أسواقها التي اهتزت بقوة على خلفية العقوبات والمخاوف من إقدام روسيا على قطع إمدادات الغاز الطبيعي والنفط.

انشغلت أوروبا في الآونة الأخيرة، في الفترة التي سبقت الحرب مباشرة، بتحصين نفسها من ردّ فعل روسيا على العقوبات الغربية المحتملة

وكان سوق النفط في صدارة المتأثرين بتبعات العقوبات، فقد وصلت أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وتجاوز خام برنت عتبة الـ(110) دولارات لأول مرّة منذ 2014، وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت أمس الأربعاء بنسبة 6% إلى (111.31) دولاراً للبرميل، بينما ارتفعت العقود الآجلة لخام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط بنسبة 5.9% إلى  (109.48) دولارات للبرميل، لأول مرّة منذ 2011

 

أصبحت الآفاق الاقتصادية العالمية مظلمة، بينما تواصل القوات الروسية والأوكرانية القتال لليوم الـ8 على التوالي


.

ورغم المكاسب الحادة التي سيجنيها المنتجون، إلّا أنّ ذلك يُشكّل ضغطاً غير مسبوق على الحكومات والمستثمرين في العالم، رغم موافقة (31) دولة في وكالة الطاقة الدولية على تحرير (60) مليون برميل من النفط من احتياطاتها الطارئة، "لإرسال رسالة موحدة وقوية لأسواق النفط العالمية مفادها أنّه لن يكون هناك نقص في الإمدادات، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا"، بحسب بيان صحفي لوكالة الطاقة الدولية، نقله موقع "بيزنيس إنسايد أوفر".

اقرأ أيضاً: تاريخ التوترات بين روسيا وأوكرانيا

وفي حين لم تمسّ العقوبات قطاع النفط والغاز الروسي، إلّا أنّ روسيا عرضة على نحو غير مسبوق للتأثر بسعي القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لعزل موسكو، حيث تطرح إنتاجها بشكل يومي في الأسواق دون الارتباط بعقود آجلة، بحسب وكالة "ريا نوفستي" عبر تطبيق تليغرام.

 البورصات العالمية تترنّح

على مدى الأسبوع الماضي، سادت حالة من التشاؤم المختلط بالخوف بين المستثمرين في أسواق الأسهم العالمية -البورصة- من تحوّل الصراع الروسي الأوكراني إلى حرب عالمية ثالثة، في ضوء التصريحات المتوالية من الجانب الروسي عن "حرب عالمية ثالثة قد تكون نووية ومدمّرة".

اقرأ أيضاً: أردوغان يغلق البحر الأسود أمام السفن الحربية وعينه على العلاقات مع روسيا

ووفقاً لموقع "كوارتز"، فإنّ البورصات في كلّ مكان انهارت، وفي مقدمتها ستاندرد آند بورز الأمريكي (500)، والمؤشر الرئيسي للبورصة الأوروبية، بمعدل 5%، وطال الانهيار مؤشر نيكي الرئيسي في بورصة طوكيو، على خلفية تبنّي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وقوى غربية أخرى عقوبات قاسية ضدّ الاقتصاد الروسي.

سادت حالة من التشاؤم المختلط بالخوف بين المستثمرين في أسواق الأسهم العالمية

ونقل موقع "ماركت ووتش" الأمريكي عن ماركو بابيتش، كبير الاستراتيجيين في إدارة الأصول البديلة كلوكتاور جروب، تحذيره: أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا قد يؤدي إلى مزيد من الضغط المستمر على سوق الأسهم الأمريكية أكثر ممّا يراهن عليه المستثمرون.

وعندما ارتفعت الأسهم الأمريكية في أواخر الأسبوع الماضي، أعرب بابيتش عن قلقه من أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا يخاطر بالضغط على مؤشر ستاندرد آند بورز (500) لفترة أطول ممّا قد تتوقعه السوق، ويرجع ذلك جزئياً إلى موقعه، مشيراً إلى أنّ أوكرانيا بلد كبير على حدود أوروبا، وتقع بالقرب من أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي.

 

وصلت أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وتجاوز خام برنت عتبة الـ (110) دولارات، لأول مرّة منذ 2014

 

وأعرب بابيتش عن اعتقاده "أنّ أيّ عمليات عسكرية معقدة بالقرب من الدول الأعضاء في الناتو تنطوي على خطر نشوب صراع أوسع."

وكتبت صحيفة "غلوبال نيوز" الأمريكية الثلاثاء الماضي أنّ المؤشر الأمريكي الرئيسي ستاندرد آند بورز (500) انخفض بنسبة 1.6% في بداية التعاملات، قبل أن يستعيد بعضاً من خسائره، ليغلق على انخفاض بنسبة 0.2%، مشيرة إلى أنّ عوائد سندات الخزانة الأمريكية انخفضت كذلك.

اقرأ أيضاً: تركيا ونقل الغاز الإسرائيلي: هل حان الموعد لتنفيذ مشروع يحدّ من الاعتماد على روسيا؟

وبحثاً عن عوائد أكثر أماناً، استثمر المستثمرون في السندات الحكومية الأمريكية، ممّا أدى إلى انخفاض عائد سندات الخزانة لأجل (10) أعوام بنسبة (0.11) نقطة مئوية إلى 1.87%، في واحدة من أشدّ الانخفاضات منذ ظهور متحور أوميكرون الذي أثار قلق المستثمرين لأول مرّة.

ويوم الجمعة الماضي كانت الأسواق العالمية "مسترخية" إلى حدٍّ كبير، حيث لم تكن العقوبات ضدّ روسيا في ذلك الوقت بهذه الشدة، وأشار "غلوبال نيوز" إلى أنّه من المحتمل أن تكون انعطافات أكثر حدّة في المستقبل، في ضوء حالة عدم اليقين بشأن الحرب.

التضخم العالمي مرشّح للارتفاع أكثر

لم تقف تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الغربية والأمريكية عند الأسواق الدولية، فقد ضخّ الغزو والعقوبات معاً جرعة هائلة من عدم اليقين والتقلب في عملية صنع القرار الاقتصادي، ممّا يزيد من المخاطر بشأن التوقعات العالمية، ويدفع التضخم العالمي إلى مستويات مقلقة.

وفي تعديل "عاجل"، توقع مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي "يوروستات" ارتفاع التضخم في منطقة التضخم بمنطقة اليورو إلى 5.8% في شهر شباط (فبراير) الماضي مقابل 5.1% في كانون الثاني (يناير) الماضي، وهو أعلى من 2% المستوى المستهدف من قبل البنك المركزي الأوروبي، وفقاً لموقع "بوليتكو" الأمريكي، الذي كتب في عنوانه "أوروبا تواجه تضخماً قياسياً بعدما كبّل الغزو الروسي يديّ البنك المركزي الأوروبي".

وتمّ تعديل التوقعات في ضوء ضغوط الأسعار القوية مدفوعة في المقام الأول بأسعار الطاقة، التي ارتفعت بنسبة 32%، والأغذية غير المصنعة بزيادة 6.1%، حتى مع استبعاد هذه المكوّنات المتقلبة، ارتفع اتجاه التضخم بشكل كبير أيضاً بنسبة 2.9% في شباط (فبراير)، مقارنة بـ 2.4% في كانون الثاني (يناير). وتجدر الإشارة إلى أنّ الطاقة هي المحرّك الرئيسي للتضخم.

 

البورصات في كلّ مكان انهارت، وفي مقدمتها ستاندرد آند بورز الأمريكي (500)، والمؤشر الرئيسي للبورصة الأوروبية، بمعدل 5%

 

وأدّت المخاوف بشأن النقص إلى ارتفاع أسعار بعض الحبوب والمعادن؛ ممّا سيؤدي إلى ارتفاع التكاليف على المستهلكين والشركات، وتُعدّ روسيا وأوكرانيا من كبار المصدّرين للقمح والذرة، فضلاً عن المعادن الأساسية؛ مثل البلاديوم والألمنيوم والنيكل، التي تُستخدم في كلّ شيء، من الهواتف المحمولة إلى السيارات.

وفي الولايات المتحدة كان التضخم بالفعل مصدر قلق، حيث وصل في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته منذ الثمانينيات، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، والسؤال الآن حول مقدار الزيادة في التضخم، وكيف سيستجيب الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية