العراق يدفع ثمن العقوبات ضد إيران.. ما تطورات أزمة الدولار؟

العراق يدفع ثمن العقوبات ضد إيران.. ما تطورات أزمة الدولار؟

العراق يدفع ثمن العقوبات ضد إيران.. ما تطورات أزمة الدولار؟


05/02/2023

يشهد العراق أزمة اقتصادية خانقة بسبب تأثره المباشر بالعقوبات المفروضة على إيران، وظهر هذا جلياً بالانخفاض المستمر في سعر الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، والذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع المختلفة، ممّا فاقم الصعوبات المعيشية التي تعصف بأغلب  العراقيين البعيدين عن المحيط السياسي الذي يضم الكثير من الفاسدين والمنتفعين والأغنياء.

بدأت مراحل انهيار الدينار منذ عام 2018 مع تصاعد عمليات تهريب الدولار الأمريكي إلى سوريا وإيران، ثم تفاقمت هذه المعضلة تزامناً مع تطبيق البنك الفيدرالي الأمريكي لعملية ربط البنك المركزي العراقي بالمنصة الإلكترونية من خلال "نظام سويفت" Swift لتتبع الحوالات النقدية، فقد هدفت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تطبيق هذا النظام المصرفي لمراقبة حركة الدولار والتأكد من عدم تهريبه إلى الدول الإقليمية الخاضعة للعقوبات الأمريكية، وفق ما نقلت شبكة "تي آر تي".

وفي هذا الصدد، تحدث عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي جمال كوجر في تصريح صحفي أنّ "عمليات غسيل الأموال وبيع الدولار في السوق السوداء تُعتبر أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة العراقية في طريق مكافحة انهيار الدينار، وسبّبت بدورها ارتفاعاً في سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية، إذ تلجأ مكاتب الصيرفة إلى تحويل الأموال إلى خارج العراق بطرق غير قانونية، ودون إرسال الإيصالات والوثائق إلى البنك المركزي العراقي،  وتشوب هذه العملية الأرقام غير الدقيقة المرتبطة بصفقات فاسدة تتمثل بغسيل الأموال وتهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد خاصة إلى إيران، وهذه المؤشرات تتطلب قرارات حاسمة من قبل الحكومة العراقية لملاحقة التجار المحليين ومراقبة شركات الصيرفة، وفرض عقوبات صارمة ضد المخالفين".

كوجر: عمليات غسيل الأموال وبيع الدولار في السوق السوداء تُعتبر أبرز التحديات التي تواجه الحكومة العراقية في مكافحة انهيار الدينار

 وعن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية للحدّ من تهريب الدولار، نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) أنّ عدداً من القرارات الحكومية اتخذها رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، وقد تضمنت إعفاء محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف من منصبه، وتكليف علي محسن العلاق بإدارة البنك المركزي بالوكالة، بالإضافة إلى إقالة مدير المصرف العراقي للتجارة TBI سالم الجلبي.

 ومن الإجراءات الحكومية أيضاً فتح نافذة جديدة لبيع العملة الأجنبية لصغار التجار عبر المصرف العراقي للتجارة (TBI)، وتمويل البنك المركزي للمصرف العراقي للتجارة بمبلغ إضافي قدره (500) مليون دولار أمريكي لغرض فتح الاعتمادات المستندية لصغار التجار، والاكتفاء بالفاتورة الأولية ورقم حساب المستفيد الأخير من الاعتماد".

الحكومة العراقية تتخذ إجراءات للحدّ من تهريب الدولار، كتكليف محافظ جديد للمركزي وفتح نافذة جديدة لبيع العملة الأجنبية لصغار التجار

 

 وشدد على "ضرورة التعاون من الحكومة العراقية في سبيل تسهيل إجراءات الاستيراد، وتقليص متطلبات فتح الاعتمادات المستندية، وإلغاء إجراء الهيئة العامة للضرائب الخاص بفرض غرامات تأخير على المستوردين وباقي المكلفين بالهيئة المذكورة".

 أزمة هبوط قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي تفتح ملفاً ساخناً في الأوساط العراقية، خصوصاً بعد فرض عقوبات قاسية من البنك الفيدرالي الأمريكي ضد أكثر من (15) مصرفاً عراقياً خاصاً، تتبع في أغلبها لمؤسسات تابعة لأحزاب سياسية تدعمها شخصيات معروفة، بزعم أنّ هذه البنوك تُهرب أكثر من (100) مليون دولار أسبوعياً إلى عدة دول مجاورة، أبرزها إيران وسوريا وتركيا، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".

البنك الفيدرالي الأمريكي يفرض عقوبات على (15) مصرفاً عراقياً، تُهرّب أكثر من (100) مليون دولار أسبوعياً إلى إيران وسوريا وتركيا

 

 ووفق ما نقلت صحيفة لوفيغارو، فقد وصف دبلوماسي عراقي في بغداد آلية التهريب بأنّ "البنك المركزي العراقي يبيع كل يوم الدولارات التي تشتريها البنوك الخاصة قبل تحويلها إلى إيران، لكنّ هذه البنوك في كثير من الأحيان تعمل بمثابة واجهات عرض للحرس الثوري، لذلك من غير المرجح أن يوافق العراقيون على مواصلة اللعبة الإيرانية، لأنّ ذلك لا يتوافق مع مصالح البلاد ويؤدي إلى تدمير اقتصادها".

وتشير لوفيغارو في تقرير لها إلى أنّ تأثير تلك العمليات المالية في بغداد كان واضحاً بالفعل؛ فقد أصبح الدولار أغلى على حساب العملة المحلية الدينار، ممّا جعل المدخرين العراقيين في موقف صعب.

 وفي سياق متصل، نشرت وكالة "إيران إنترناشيونال" معلومات حصرية من أحد عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يقوم بتهريب ملايين الدولارات من العراق إلى حسابات الحرس في إيران بالتعاون مع السفارة الإيرانية ببغداد.

صحيفة لوفيغارو: البنوك العراقية في كثير من الأحيان تعمل بمثابة واجهات عرض للحرس الثوري

 ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، فإنّ محمد تجن جاري، المدير المالي للوحدة (400) في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، يودع المبلغ المطلوب في حساب هذه الوحدة بفرع "الشهيد آقا بابائي" لبنك الأنصار على طريق الباسيج السريع في طهران.

 وفي العراق يدير هذه الشبكة محمود حسني زاده، أحد النشطاء القدامى في فيلق القدس، بمساعدة مواطنَين عراقيين، هما ميثم حمزة قاسم دراجي، وميثم صادقي.

 والذراع الميداني في العراق هو مصطفى باك باطن، وهو موظف في سفارة إيران وعضو في فيلق القدس، والذي يتلقى الدولارات من مكاتب الصرافة في العراق بعد إصدار شهادة إيداع أموال في طهران.

 "وول ستريت جورنال": منذ أن فرضت أمريكا رقابة على الحوالات إلى إيران، تم تجميد أكثر من 80% من التحويلات المصرفية

 

وثيقة إيداع أموال لحساب حسين آسينه، أحد النشطاء التجاريين المرتبطين بفيلق القدس، والتي حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، تظهر ملخصاً لغسل أموال الحرس الثوري الإيراني في العراق، ممّا أدى إلى استنزاف رأس مال السوق العراقية.

 هذه الشبكة المالية تضرّ بالاقتصاد العراقي من أجل تجاوز العقوبات لصالح الحرس الثوري الإيراني.

 ويستخدم الحرس الثوري عناصر في سفارة النظام الإيراني للاحتيال على النظام المصرفي العراقي.

 ومنذ حوالي عام، أثناء عمل إيرج مسجدي كسفير لإيران، نشرت قناة "العربية" وثيقة أظهرت أنّ أكثر من (60) مليار دينار من أسهم شركات الطاقة الإيرانية قد أودعت في حساب السفارة الإيرانية بالبنك التجاري العراقي، والتي كان من المفترض أن تستغل في نفقات السفارة، لكن انتهى بها الأمر في أيدي عناصر فيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني.

الأيام الماضية شهدت مظاهرات شعبية واسعة ببغداد والعديد من المناطق تنديداً بارتفاع سعر صرف الدولار

 

 وقد تمّ تعيين محمد كاظم آل صادق هذا العام سفيراً للنظام الإيراني في بغداد، وقد ولد آل صادق في النجف، وكان من قادة فيلق القدس ومقرباً من قاسم سليماني، وكان آل صادق المساعد الأول للسفير السابق للنظام الإيراني في العراق إيرج مسجدي، وهو أيضاً قائد في الحرس الثوري الإيراني ومدرج في قائمة العقوبات الأمريكية.

 كما أنّ غلام رضا عبد الحسين أباذري، المستشار الثقافي لسفارة إيران، وعدد من الموظفين الآخرين في السفارة، منهم: محمد إبراهيم، وعلي عبيري، ونادر رمضان نور، ومحمد كليدبر، هم أيضاً أعضاء في فيلق القدس.

 ولمنع غسل الأموال، كلّف البنك المركزي الأمريكي البنوك العراقية الخاصة بملء نموذج رقمي لكل تحويل بالدولار، والذي يتضمن جميع التفاصيل، بما في ذلك وجهة الحوالة.

 لكنّ العديد من البنوك الخاصة لم تسجل تفاصيلها في هذا النظام الإلكتروني، وتحصل على الدولارات التي تحتاجها من سوق العملة السوداء في بغداد.

"إيران إنترناشيونال" تنشر معلومات عن علاقة فيلق القدس بتهريب ملايين الدولارات من العراق إلى حسابات الحرس في إيران

 وفي الإطار ذاته، ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أنّ الولايات المتحدة تقيد وصول العراق إلى "احتياطاته الدولارية" منذ شهور، في محاولة لوقف غسل أموال لصالح إيران وسوريا.

 ومنذ الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق قبل (20) عاماً، تم الاحتفاظ باحتياطيات البلاد من العملات الأجنبية في البنك المركزي الأمريكي، ممّا يمنح الأمريكيين قوة كبيرة للسيطرة على المعروض من الدولارات العراقية.

وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير أنّ تكثيف الضغط على النظام الإيراني قلل من قيمة العملة العراقية، ومنذ أن فرض بنك نيويورك الفيدرالي رقابة صارمة، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، للتعامل مع تهريب الدولارات إلى إيران، تمّ تجميد أكثر من 80% من التحويلات المصرفية العراقية.

 هذا، وسجل الدينار العراقي أدنى قيمة سعرية له منذ عام 2003، بعد أن شهدت الأسواق العراقية ارتفاعاً قياسياً بسعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي ليصل إلى (1730) ديناراً لكل دولار، في الوقت الذي يباع فيه الدولار بـ (1460) ديناراً في مزاد بيع العملة التابع للبنك المركزي العراقي.

 وشهدت الأيام الماضية مظاهرات شعبية واسعة ببغداد والعديد من المناطق تنديداً بارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما يُعزى للركود الاقتصادي الذي شهدته الأسواق العراقية طيلة الشهرين الماضيين.

 وتظاهر أول من أمس المئات في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد للمطالبة بخفض سعر الدولار، في الوقت الذي شهدت فيه مدن عديدة مظاهرات مشابهة للمطالب ذاتها، وهو ما اعتبره البعض أزمة خطرة بدت ملامحها واضحة من خلال تراجع مداخيل المواطنين، لا سيّما من الطبقة الوسطى والفقيرة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية