العراق: ما هي المساومات السياسية وراء الإفراج عن قاسم مصلح؟

العراق: ما هي المساومات السياسية وراء الإفراج عن قاسم مصلح؟


16/06/2021

تسبب الإفراج عن القيادي في الحشد الشعبي، قاسم مصلح، والذي تم القبض عليه، نهاية أيار (مايو) الماضي، على خلفية إتهامه بالتورط في مقتل الناشط العراقي، إيهاب الوزني، في كربلاء، في تنامي حالة الغضب بين الناشطين العراقيين. كما بعث بجدل محتدم في أوساط، سياسية واجتماعية، عديدة، منذ تسريب وتداول معلومات متفاوتة بخصوص الضغوط الخارجية التي مورست على الحكومة والسلطات العراقية، ومن بينها القضاء، لجهة إخلاء سبيل القيادي في التنظيم العسكري المدعوم من إيران.

الفصائل الإيرانية ونزع السيادة عن العراق

اللافت أنّ الإفراج عن مصلح تزامن وزيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، للعراق، لبحث التوترات التي شهدتها العلاقة بين الحكومة العراقية والمجموعات الولائية، ومن بينها فصائل الحشد؛ إذ قامت الأخيرة باستعراض عسكري لافت في العاصمة بغداد، وبالتحديد في المنطقة الخضراء التي يتواجد فيها مقر الحكومة، ومجمع البعثات الأجنبية، وسفارة الولايات المتحدة، للرد على اعتقال القيادي في الحشد، والتلويح باستخدام القوة العسكرية.

 الناشط العراقي، إيهاب الوزني

وقد بلغت الأحداث الأمنية ذروتها مع اغتيال العقيد في المخابرات العراقية، نبراس فرمان، في بغداد، مؤخراً، حسبما أعلن جهاز المخابرات، موضحاً في بيان رسمي: "بمزيد من الثبات والإصرار على مواصلة العطاء، ينعى جهاز المخابرات الوطني العراقي الشهيد العقيد نبراس فرمان شعبان، الذي طالته أيادي الحقد بعملية جبانة غادرة في محاولة يائسة لثني الجهاز عن أداء واجبه الوطني".

وتابع: "لقد كان الفقيد مثالاً يحتذى به في التفاني والإخلاص لخدمة وطنه وشعبه، وكان له الدور الأبرز في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة على امتداد سنوات خدمته. وفي الوقت الذي يرفع فيه جهاز المخابرات الوطني تعازيه الحارة لعائلة الشهيد وأقربائه ومحبيه، يؤكد بأنّ دم الشهيد سيكون مناراً للاقتصاص من القتلة المجرمين الذين يحاولون سلب إرادة الدولة وإضعاف همة أبنائها".

الضغوطات للإفراج عن القيادي الحشدي

وبحسب وكالة "فرانس برس"، فإنّ الحكومة العراقية نقلت مسؤولية الإفراج عن مصلح إلى القضاء، وقالت: "من جهتنا كحكومة، قدمنا كل الأدلة الخاصة بملف مصلح لكن القضاء هو من اتخذ القرار بالإفراج عنه بسبب ضغوطات مورست عليه".

ومن بين الأدلة التي قدمتها الحكومة العراقية بخصوص تورط القيادي بالحشد في عملية اغتيال الناشط العراقي "مكالمات هاتفية بين مصلح ومنفذي الاغتيالات، وإفادات شهود وذوي الضحايا ورسائل تهديد لعائلات الضحايا"، غير أنّ القضاء أوضح في أعقاب عملية الإفراج أنّه "لا يملك أدلة كافية لمواصلة احتجاز مصلح".

الحكومة العراقية نقلت مسؤولية الإفراج عن مصلح إلى القضاء، وقالت: قدمنا كل الأدلة الخاصة بملف مصلح لكن القضاء هو من اتخذ القرار بالإفراج عنه بسبب ضغوطات مورست عليه

كما قال مجلس القضاء العراقي، في بيان رسمي، إنّ "القضاء يتعامل مع أيّ قضية تعرض على المحاكم وفق الأدلة المتحصلة فيها والمنصوص عليها في القانون، وهناك فرق بين إجراءات التحقيق الأولية وبين ما يليها، إذ قد يصدر القضاء مذكرة قبض، أو استقدام بحق شخص معين، وفق معلومات تقدمها جهات التحقيق الأمنية التابعة للسلطة التنفيذية، وبعد تنفيذ مذكرة القبض يجري القضاء بالتعاون مع الأجهزة الأمنية التحقيق في الجريمة المنسوبة لمن صدرت بحقه مذكرة القبض، فإذا توفرت أدلة توجب إحالته على المحكمة لإجراء محاكمته عن الجريمة يتخذ قاضي التحقيق القرار بالإحالة، وإذا لم تقدم الجهات التحقيقية أدلة كافية ضد المتهم يتم غلق التحقيق بحقه ويطلق سراحه".

وأردف: "بالنسبة لقضية اغتيال الناشط إيهاب الوزني وبعد الاستيضاح من السادة القضاة المختصين بالتحقيق تبين أنّ قاسم مصلح تم اتهامه بقتل الناشط إيهاب الوزني، لكن لم يقدم أيّ دليل ضده، خاصة أنّه أثناء حضوره أمام القضاة وتدوين أقواله أثبت بموجب معلومات جواز السفر أنّه كان خارج العراق عند اغتيال الوزني، وأنكر ارتكابه أو اشتراكه بهذه الجريمة، ولم تجد محكمة التحقيق أيّ دليل يثبت تورطه في تلك الجريمة بشكل مباشر أو غير مباشر سواء بالتحريض أو غيره".

القضاة والخضوع للمساوامات السياسية

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الباحث العراقي، المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية، محمد الجبوري، إلى أنّ عملية إطلاق سراح القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، خضعت لـ"مساومات سياسية"، ولكنها غير معلنة، لا سيما بعد أن أعلن القضاء العراقي عدم كفاية الأدلة بحقه.

ويضيف: "المعلوم في العراق أنّ القضاء يخضع للتجاذبات السياسية، وفي بعض الأحيان تصدر الأحكام حول الشخصيات الجدلية مرضية لطرفي النزاع".

الباحث العراقي المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية محمد الجبوري لـ"حفريات": عملية إطلاق سراح القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، خضعت لـ"مساومات سياسية"، ولكنها غير معلنة

كما أنّ إطلاق سراح مصلح جاء بعد نزاع مرير بين الفصائل الشيعية ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بحسب الباحث العراقي المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية، والذي يلفت إلى أنّ "مجمل التدخلات السياسية المحلية حاولت إطفاء حرائق الصراع بينهما، لكن لم تصل للنجاح المطلوب، وقد حدثت الحلحلة مع زيارة قائد فيلق القدس لبغداد؛ إذ إنّ الكاظمي، في الآونة الأخيرة، أبدى مرونة في التعامل مع إيران، لأنّه بحاجة إليها في ضبط فصائلها في العراق".

وتبعاً لهذه العلاقة القلقة والمتشجنة بين الكاظمي والفصائل المسلحة والعسكرية المدعومة من إيران، التي تسمح بمناورات وتكتيكات عديدة بين أطراف النزاع، يرجح الجبوري أن تكون قضية القيادي بالحشد الشعبي المتهم بالتورط في اغتيال ناشطين عراقيين في كربلاء قد "جاء حلها مع زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني لبغداد؛ إذ اجتمع الأخير مع حلفائه الشيعة في العاصمة العراقية، ثم أعقب ذلك إطلاق القضاء العراقي سراح القيادي الحشدي المتهم بتصفية متظاهرين في محافظة كربلاء".

يتفق والرأي ذاته، الباحث في معهد واشنطن، مايكل نايتس، والذي ألمح إلى قدرة العناصر الميلشياوية على الضغط والتهديد بل وتخويف القضاة، رغم ما يتمتعون به من "حماية نسبية من الهجمات"، غير أنّهم "معرضون للمكائد السياسية ضد مواقفهم وإغراءات سياسية لإصدار أحكام لصالح الميليشيات".

اقرأ أيضاً: اتفاق النفط بين العراق ولبنان.. صفقة غامضة مثيرة للشكوك

ولذلك؛ فإنّ القضاء العراقي أفرج عن الزعيم الميليشياوي قاسم مصلح، بعد أسبوعين فقط من اعتقاله، بحسب المعهد الأمريكي "بتهمة القتل مع سبق الإصرار لأحد قادة الاحتجاجات، وقد رفض مصلح طلبات المحققين الحكوميين بمنحهم المزيد من الوقت لجمع الأدلة؛ إذ كان من شأن إصدار لائحة اتهام رسمية، أو حتى تمديد فترة التحقيق، أن يعزز الأمل في إمكان تغيير الأمور في العراق من ناحية السيطرة على الميليشيات الإجرامية. وبدلاً من ذلك، احتفلت ما تسمى بفصائل "المقاومة" بالإفراج عن مصلح، وإن كان ذلك بطريقة صامتة لتجنيب القضاة بعض الإحراج".

اقرأ أيضاً: كيف يواجه العراق مأزق سيادته المستباحة من تركيا؟

وبالعودة إلى بيان مجلس القضاء فإنّه قد "تم اتخاذ القرار بالإفراج عن مصلح بعد أن أودع التوقيف 12 يوماً، تم خلالها بذل الجهود الاستثنائية للوصول إلى أيّ دليل يتعلق بتلك الجريمة، لكن لم تتمكن جهات التحقيق من تقديم دليل"، كما شدد على أنّ "عائلة الوزني أثناء تدوين أقوالهم لم يقدموا أيّ دليل بخصوص ذلك، حسب القانون، مع التنويه إلى أنّ جريمة اغتيال الناشط الوزني تعتبر من الجرائم الإرهابية التي يعاقب القانون مرتكبها بالإعدام، وإزاء هذه العقوبة الشديدة لم يتوفر دليل كاف لإجراء محاكمة المصلح عنها وفرض هذه العقوبة الشديدة مع عدم توفر الأدلة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية