العراق: شلل سياسي تام

العراق: شلل سياسي تام


19/04/2022

عائشة المري

بدأت في العراق مظاهر غليان شعبي مع انطلاق مظاهرات في بغداد وفي بعض محافظات الوسط والجنوب، تزامنت هذا العام مع ذكرى سقوط نظام صدام حسين في التاسع من أبريل 2003، وفي ظل أسوأ حالة انسداد سياسي يعانيها العراق.

المظاهرات أعادت التذكير بحراك أكتوبر 2019 حين قامت السلطات آنذاك بحملة قمع للمتظاهرين ترتب عليها مقتل نحو 600 شخص وجرح أكثر من 24 ألفاً آخرين. فإلي أين يمضي العراق بعد 19 عاماً من سقوط صدام حسين؟ وهل مِن بوادر لانفراجة سياسية في وضعه الراهن؟ منذ سقوط صدام حسين، ظلت المعادلة السياسية في العراق تقوم على مبدأ التوافقية في توزيع المناصب السيادية والوزارية بين القوى السياسية طبقاً لمبدأ المحاصصة، بموجب عرف سياسي متبع منذ 2006.

فالمناصب السيادية العليا (الرئاسات الثلاث) توزَّع عرفياً على المكونات الطائفية الرئيسية الثلاث (رئاسة الجمهورية للكرد، ورئاسة البرلمان للعرب السنة، ورئاسة الوزراء للشيعة). وعلى الرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على إجراء الانتخابات المبكرة في أكتوبر 2021، فقد فشلت القوى السياسية في انتخاب رئيس الجمهورية وفي تشكيل حكومة جديدة. وبعد السادس من أبريل الجاري دخلت البلاد في فراغ دستوري كامل، وجاء إعلان مقتدى الصدر، زعيم تحالف «إنقاذ وطن»، اعتكافَه 40 يوماً ليزيد من تعقيد المشهد السياسي بعد فشل جميع الأطراف الداخلية في الوصول إلى تفاهمات حول ملف تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية، رغم تجاوز كل المدد والاستحقاقات الدستورية.

لقد سعى الصدر، بعد انتخابات أكتوبر 2021 وحصول التيار الصدري على الأغلبية النسبية، إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية تحت شعاره المعلن «لا شرقية ولا غربية»، وبالتفاهم مع قوى سياسية خارج «البيت الشيعي»، منها «الحزب الديمقراطي الكردستاني» برئاسة مسعود بارزاني، وتحالف «السيادة» برئاسة خميس الخنجر، وكتلة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي.. وليس إلى حكومة توافقية تشارك فيها جميع الأحزاب. وشهد البيت الشيعي انقساماً غير مسبوق بين الكتلة الصدرية التي تملك 75 مقعداً في البرلمان، مقابل قوى «الإطار التنسيقي» التي تضم تحالف «الفتح» بزعامة هادي العامري، وائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، و«تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف «النصر» بزعامة حيدر العبادي، وتحالف «عطاء» بزعامة فالح الفياض، وتحالف «السند الوطني» بزعامة أحمد الأسدي.. وهي قوى تملك كلها نحو 81 مقعداً.

وكانت بعض الأحزاب الشيعية قد رفضت نتائج الانتخابات ووصفتها بالمزورة وقدَّمت الطعونَ لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ومن ثم إلى المحكمة الاتحادية العليا، إلا أن الأخيرةَ أقرَّت النتائجَ النهائيةَ للانتخابات. وتمتد الخلافات داخل المكون الكردي أيضاً بحزبيه الرئيسيين، «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة بافل طالباني، واللذين لم يستطيعا حسم خلافهما بشأن المرشح لمنصب رئيس الجمهورية. ففيما يصر بارزاني على ترشيح وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد، يصر طالباني على ترشيح الرئيس الحالي برهم صالح لولاية ثانية.

واليوم تتجاوز الأزمةُ العراقيةُ الأسماءَ المطروحةَ للرئاسات الثلاث، ولن تنتهي بانتهاء اعتكاف الصدر بعد عيد الفطر، فالعملية السياسية بحد ذاتها، وبعد ما يقارب عقدين من الزمن على سقوط الرئيس صدام حسين، تعاني من محاصصة وتوافقات طائفية أدت في المحصلة إلى انسداد تام في أفقها، وهي بأمس الحاجة إلى عَقد سياسي عراقي جديد.

عن "الاتحاد" الإماراتية

الصفحة الرئيسية