الصّومال والهروب من مستنقع "الإرهاب"

الصّومال والهروب من مستنقع "الإرهاب"

الصّومال والهروب من مستنقع "الإرهاب"


24/01/2023

عمرو فاروق

تضع الحكومة الاتحادية في مقديشو في مقدمة أولوياتها مواجهة "حركة الشباب الصومالية"، الموالية فكرياً لتنظيم "القاعدة" والتي تتخذ من الدين ستاراً لتنفيذ جرائمها وعملياتها المسلحة ضد المدنيين والعسكريين، وتمثل عائقاً أمام تحديات التنمية الاقتصادية والاستقرار الأمني والسياسي.

منذ اختيار الرئيس حسن شيخ محمود لتولي سلطة الدولة الصومالية في أيار (مايو) 2022، والمؤسسة العسكرية في وضعية الاستنفار التام للقضاء على الجماعات الإرهابية وفروعها الداعشية والقاعدية، التي تفرض رؤيتها الفكرية وسيطرتها التنظيمية على أجزاء كبيرة من وسط البلاد وجنوبها، ونفذت العشرات من العمليات الانتحارية والتفجيرية ضد المواقع السيادية والمدنية.

وجهت المؤسسة العسكرية ضرباتها ضد "حركة الشباب" الإرهابية، منذ تموز (يوليو) 2022، بالتنسيق مع القوات الخاصة "داناب" المدرّبة لدى الجيش الأميركي، وقوات الاتحاد الأفريقي "أتميس"، إلى جانب عدد من الميليشيات العشائرية المسلحة "ماكاويسلي"، وقد أعلنت السلطات استعادتها السيطرة على أكثر من 40 قرية في مناطق وسط البلاد، وفرض قواتها على الجسور والمدن الرئيسية، ما دفع الحركة إلى التراجع التكتيكي الموقت.

القضاء على "حركة شباب المجاهدين"، في الداخل الصومالي، بات أمراً ضرورياً في سبيل استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية، رغم صعوبة التحديات التي تعيق الأجهزة الأمنية والعسكرية عن تنفيذ رؤيتها في الخلاص النهائي من الميليشيات الإرهابية خلال عام 2023.

الاستراتيجية التي يتبعها النظام الصومالي حالياً قائمة على مجموعة من المحاور، أهمها الجانب الاستخباري والأمني، من خلال إعادة بناء المؤسسة العسكرية، فضلاً عن محاولاته مراجعة قرار "حظر الأسلحة" المفروض على الصومال، بهدف تجفيف منابع التمويل والاستقطاب للجماعات الإرهابية، وتحرير العديد من الأقاليم والمناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الأصولية المسلحة.

وعلى المستوى الدعوي والإعلامي، تم إطلاق عدد من القنوات التلفزيونية والمنابر الإعلامية التي تعمل على إعادة توجيه الخطاب الديني وتفكيك الموروث الفقهي والفكري، أهمها قناة "دلجر"، وتعني "حامي الوطن"، إلى جانب إبراز دور القوات النظامية في القضاء على الميليشيات الإرهابية، مع تطبيق سياسة غلق المواقع والأبواق الإعلامية المروّجة للأدبيات المتطرفة.

وفي محاولة تجفيف منابع التمويل المالي لـ"حركة الشباب"، جمّدت حكومة مقديشو عدداً من الحسابات المصرفية المرتبطة بجهات وأفراد على صلة وثيقة بالحركة، وكذلك تجريم التعامل المالي معها، فضلاً عن عدم إغفالها استقطاب القيادات البارزة المنشقة عن الكيان المتطرفة وتحييدها، وتعريتها تنظيمياً بالوصول إلى مساراتها المالية وتعطيل آليات عملها.

أكد تقرير أصدرته الأمم المتحدة في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، أن "حركة الشباب" تمتلك فائضاً مالياً يقدر بملايين الدولارات الموضوعة في الجهاز المصرفي الرسمي للبلاد، فضلاً عن حصتها الدائمة من أموال الزكاة والصدقات والضرائب التي تفرضها على التجار ورجال الأعمال، وتستثمر معظمها في القطاع العقاري.

جهود النظام الفيدرالي لم تتوقف عند حدود المواجهة العسكرية، لكنه يحاول جاهداً القفز على حالة التردي والتدهور الاقتصادي، لا سيما أن "الدولة الفاشلة" تمثل ملاذاً آمناً للعناصر الإرهابية، وذلك من خلال محاولات الاستفادة القصوى من الثروات الحيوانية، والسمكية، والصناعية، مع إقراره أخيراً مجموعة من الحزم القانونية والتشريعية، المتعلقة بالترويج الاستثماري، وتعزيز آلية الرقابة المالية، في منع تدفق الأموال إلى التنظيمات الإرهابية. 

رغبة منها في صناعة جبهة داخلية قوية ومرتكز شعبي متماسك، عملت الحكومة الفيدرالية على بناء تحالفات داعمة لسياساتها مع "العشائر الصومالية" التي وضعتها في قلب معركتها مع التنظيمات الإرهابية، تحت مسمى قوات "ماكاويسلي"، التي حققت بمشاركتها نتائج ملموسة واقعياً.

رغم التحفيز القوي لمشاركة "القبائل الصومالية" في معركة تحرير مقديشو من مستنقع الجماعات المتطرفة والمسلحة، ثمة تخوفات قائمة من تحول هذه الميليشيات إلى كيانات متمردة ضد النظام السياسي، وإلى عائق أمام الاستقرار الداخلي مستقبلاً.

عمل النظام السياسي الحالي على تحسين علاقته بالقوى الدولية والإقليمية لتعزيز التبادل الأمني والاستخباري، في إطار عملية مواجهة الميليشيات المتطرفة، وفي هذا السياق وقّع جهاز الاستخبارات والأمن الوطني الإثيوبي ونظيره الصومالي مذكرة تفاهم حول التنسيق في التصدي لـ"حركة الشباب"، العدو الرئيسي لدول القرن الأفريقي.

ظهرت "حركة الشباب" كذراع مسلحة لـ"المحاكم الإسلامية" التي تأسست عام 1994، ورفعت شعار "تطبيق الشريعة الإسلامية"، بعد انتشار الفوضى والشغب، والدخول في دائرة الحرب الأهلية، عقب سقوط نظام الرئيس السابق محمد سياد بري عام 1991، وقد تمكنت من بسط نفوذها، وإحياء دورها في مواجهة "الغزو الإثيوبي"، عام 2006.

ومن ذلك الحين ومعركتها مع "الحكومة الاتحادية" المدعومة من المجتمع الدولي لم تتوقف، وتغلغلت في عمق المناطق الريفية الشاسعة، ومارست انتهاكاً ضد الأطفال بخطفهم وتجنيدهم إجبارياً مقاتلين ضمن صفوفها، وفرضت ضرائبها على السكان المحليين، وأثارت الخلافات الفقهية والمذهبية، في إطار تبنيها الأطر المنهجية للسلفية الجهادية.

في كتاب "داخل حركة الشباب: التاريخ السرّي لأقوى حليف للقاعدة"، الصادر عن "إنديانا يونيفرستي برس"؛ 2018، يشير دان جوزيف وهارون معروف، إلى أن سياسات الولايات المتحدة نحو الصومال قادت إلى ولادة التطرف العنيف الذي تمثل بإعلان "حركة الشباب المجاهدين"، إذ إن التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال عام 2006، شكل نقطة تحول في اكتساح الخطاب الجهادي. 

رغم الإجراءات الحالية التي يتخذها النظام الفيدرالي من أجل تحجيم نشاط التنظيمات الداعشية والقاعدية ووقف تمددها، فإن الطريق أمامه لا يزال طويلاً في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تمثل عائقاً في تفكيك معضلة النهوض الاقتصادي والعسكري، والانتقال بمقديشو إلى حالة تنموية، يزدهر فيها الوضع السياسي والاجتماعي.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية