الصين تمشي على حبل مشدود في موقفها من حرب غزة

الصين تمشي على حبل مشدود في موقفها من حرب غزة

الصين تمشي على حبل مشدود في موقفها من حرب غزة


15/10/2023

فيصل اليافعي

كانت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في زيارة إلى بكين حين شن مقاتلو حماس هجوما مفاجئا عبر حدود غزة. وأصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانا محايدا ومدروسا بشأن الهجوم، اقتصر على الدعوة إلى ضبط النفس والوقف الفوري لإطلاق النار.

وانتقد أكبر أعضاء مجلس الشيوخ المشاركين في الرحلة، وهو زعيم الأغلبية الديمقراطية في المجلس تشاك شومر، البيان على وسائل التواصل الاجتماعي بينما كان لا يزال في البلاد. وقال إنه يأمل في إدانة أقوى لحماس.

لكن الصين تجاهلت الانتقادات. وتشير تصريحاتها إلى واقع صعب تواجهه الدول الآسيوية التي تسعى إلى تولي دور الوسيط في الشرق الأوسط، وهو أن السياسة لم تختف. وكثيرا ما كانت الدول القوية في آسيا تنظر إلى النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط بحسد، وحاولت افتكاك جزء منه. ولكن الحرب المتصاعدة في إسرائيل تبرز وجود توترات سياسية مستعصية متواصلة في المنطقة. وعندما تنفجر الأوضاع، لن تكفي مراقبة الدول الآسيوية من الخطوط الجانبية، حيث تتوقع دول الشرق الأوسط الدعم.

وتبقى الدبلوماسية الصينية عملية توازن صعبة بشكل خاص، حيث تطمح إلى تعميق العلاقات مع إسرائيل والفلسطينيين في نفس الوقت. وسبق أن زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس البلاد في يونيو، ومن المقرر أن يزورها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل نهاية السنة الحالية.

وينطبق نفس الأمر على الهند التي تقترب من إسرائيل سياسيا في عهد ناريندرا رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ولكن علاقات قوية تربطها بفلسطين تاريخيا.

ويبدو البلدان مقتنعين بقدرتهما على “الفوز من بعيد” في سعيهما إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية بينما يتجنبان التورط في تعقيدات حروب الشرق الأوسط.

وهما يسيران على حبل مشدود صعب، حيث يحاولان تجنب الانجرار إلى جولة جديدة من الصراعات، بينما يتمسكان بالانتصارات السياسية التي يعتقدان أنهما حققاها. ولكن تصاعد الحرب يعني أن البقاء على هذا الحبل المشدود يتطلب توازنا ذكيا.

وسيكون التعامل مع دبلوماسية الصين أصعب من الدبلوماسية الهندية، حيث سعت بكين إلى تقديم نفسها كقوة عظمى مقبلة ودولة تختلف دبلوماسيا عن الولايات المتحدة. وتطرح النقطتان تحدياتهما الخاصة.

وإذا كانت الصين تطمح إلى أن تصبح قوة عظمى، فسوف تحتاج إلى التدخل أو على الأقل إثبات قدرتها على تشكيل الواقع السياسي في الدول الأخرى. وإذا كانت تريد أن تكون مختلفة عن الولايات المتحدة، فستحتاج إلى سياسة أكثر دقة أو حتى ميلا نحو الجانب الفلسطيني وهذا في وقت لا تزال الصور الصادمة للرجال والنساء الإسرائيليين المختطفين فيه متداولة.

وتراجعت بكين حتى الآن عن الحياد المدروس. ولكن سيصعب الحفاظ على هذا الحياد مع انطلاق الحرب البرية، واتضاح ما إذا كان مواطن صيني من بين الرهائن الذين تحتجزهم حماس. وإذا تعمقنا في المعسكر الإسرائيلي أكثر، ستتساءل الدول خارج الغرب عما إذا كانت للصين أي إضافة. وستتعرض أي خطوة أبعد من اللازم في المعسكر الفلسطيني لانتقادات بسبب الوقوف الفعلي إلى جانب مقاتلي حماس. ويستبعد الحياد هنا العديد من الخيارات.

وسيكون السيناريو غير متوقع بالنسبة إلى بكين التي ربما ألفت شعورا زائفا بالأمان من خلال التوسط في التقارب السعودي – الإيراني في بداية العام. ولكن تلك العملية شملت دبلوماسيين يدفعون باتجاه الباب المفتوح، حيث أراد الطرفان علاقات أفضل. لكن إسرائيل وحماس تبقيان عدوّتين منذ زمن طويل، وهما الآن في حالة حرب.

ولا يمنع احتضان الصين للرئيس الفلسطيني في يونيو دعم إسرائيل، ولا إدانة حماس، ولكنه يعني أنه من المتوقع أن تشارك بكين في تفاصيل السياسة الفلسطينية والإسرائيلية، بدلا من إصدار دعوات متعالية للسلام.

ويُذكر أن بحث بكين عن حلفاء في الشرق الأوسط دفع إلى احتضانها بشار الأسد الشهر الماضي، حيث نظم رحلة نادرة خارج حدود سوريا.

ولكن تُطرح مرة أخرى حقيقة التورط في صراعات بعيدة. وحتى بعد أن عرض الرئيس شي جينبينغ على الأسد استثمارا ماليا وقال إن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية”، فهل يعتقد أحد أن الصين ستقف إلى جانب سوريا إذا تصاعدت حرب غزة وامتدت إلى الخارج؟

وقد تتهاوى عبارات المساندة الهندية أيضا إذا شنّت إسرائيل غزوا بريا كما هو متوقع، وشهدت الخسائر الإنسانية ارتفاعا كبيرا. وقد يؤثر هذا على الرأي العام في الداخل وفي مختلف أنحاء العالم بل وربما يجلب الإدانة من الدول العربية التي تستضيف أعدادا كبيرة من العمال الهنود، وهو ما قد يعقد موقف مودي.

ويسلط كل هذا، وبعيدا عن التفاصيل، الضوء على القضية الأوسع بالنسبة إلى البلدان التي بنت سياستها الخارجية على فكرة الاستقرار المضمون في الصراعات المستعصية.

وعند الإعلان عن ممر تجاري جديد في قمة مجموعة العشرين الشهر الماضي يربط أوروبا بدول الخليج والهند، ذكر مودي أن المشروع سيكون “أساس التجارة العالمية لمئات السنين”. ويواجه الآن عقبة كبيرة بعد أسابيع قليلة من الحديث عنه، فهو يتطلب علاقات جيدة بين السعودية وإسرائيل، وهو أمر يمكن أن تقوّضه الحرب الطويلة.

تعدّ هذه إذن معضلة العمالقة الآسيويين، حيث تتطلب الوساطة في الشرق الأوسط أكثر من المصافحات وتفرض في بعض الأحيان الانخراط في السياسة. وكان المقصود من توسيع الوجود في الشرق الأوسط، بالنسبة إلى الصين (التي تنافس أميركا) وبالنسبة إلى الهند (التي تنافس الصين)، أن يكون وسيلة لاستعراض القوة على المسرح العالمي. لكن البلدين لا يبدوان مستعدين لحقيقة أنهما قد يحتاجان في يوم ما إلى أكثر من مجرد تكرار المصطلحات الدبلوماسية. وستجبرهما أي حرب طويلة في المنطقة على المواجهة، فلا يمكن للدول التي تطمح إلى أن تصبح قوى عظمى أن تقف على الهامش.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية