قبل أكثر من عامين، وتحديداً في الثاني من شباط (فبراير) 2017، انتخب محمد عبد الله محمد فرماجو رئيساً جديداً للصومال، عن طريق البرلمان الصومالي الجديد، وسط أجواء عمّتها مظاهر الفرحة والابتهاج في العاصمة مقديشو، وفي كثير من المدن والبلدات الصومالية، في مشهد نادر على الساحة الصومالية.
اقرأ أيضاً: فشل مؤتمر "غروي" ما يزال يخيّم على الأجواء في الصومال.. لماذا؟
وبعد مرور أكثر من عامين على تولّيه الحكم، فإنّ الصومال يغلي؛ حيث تتفجر الاحتجاجات ضد فرماجو في الخارج والداخل. ففي نيسان (أبريل) الماضي، نظم العشرات من أبناء الجالية الصومالية في العاصمة البريطانية، لندن، مظاهرة وسط المدينة تطالب قطر بوقف التدخل في شؤون بلادهم، محملينها "مسؤولية تدهور الأوضاع في الصومال".
تشهد مقديشو بين الحين والآخر مظاهرت ضدّ الرئيس فرماجو وحكومته بعد فشله في تنفيذ كثير من الوعود التي قطعها
وحمل المتظاهرون لافتات، كتبت عليها "لا لدعم الدكتاتورية"، و"لا لدعم الإرهاب"، "وفرماجو لا يأبه"، و"فرماجو ليس إنساناً"، و"فلتخرج قطر من الصومال"، وسواها من شعارات تندّد بالتدخلات الخارجية في الشأن الصومالي.
كما حمل المتظاهرون صور عدد من المواطنين الصوماليين، الذين قتلوا على يد تنظيم الشباب الإرهابي الذي زعم المتظاهرون أنه "يتلقى دعماً من قطر"، مطالبين الرئيس الصومالي بالتنحي عن السلطة فوراً، لأنه "أصبح لعبة في يد القطريين، وينفذ أجندتهم الخاصة."
واعتاد الرئيس الصومالي في الفترة الأخيرة القيام بعدة زيارات غامضة إلى قطر، حيث أفادت صحيفة "الاتحاد" أنه زار الدوحة مؤخراً للمرة الثالثة منذ وصوله إلى سدة الحكم في عام 2017. وبلغ حجم الأموال التي يحصل عليها فرماجو من قطر، كما ذكرت الصحيفة، نحو 73 مليون ريال قطري، "كما منحت الدوحة النظام الصومالي مبلغ 20 مليون دولار في شهر شباط (فبراير) الماضي".
ويلاحظ مراقبون تواصل تدفق الإمدادات القطرية من الأسلحة والأموال على حكومة فرماجو، ما أثار احتجاجات في مقديشو ضدّ فرماجو وحكومته، بعد فشله في تنفيذ كثير من الوعود التي قطعها في وقت ترشّحه؛ آخرها تلك التي شهدتها المدينة، أوائل الشهر الماضي؛ حيث جابت احتجاجات شعبية غاضبة بعض الشوارع الرئيسة في العاصمة، إثر مقتل سائق عربة "توك توك"، وخاله المرافق له، على يد شرطي، لدى محاولتهما عبور نقطة تفتيش، وبدأت تلك الاحتجاجات، التي قام بها سائقو عربات "توك توك" بشكل عفوي، وانضمت إليهم لاحقاً جموع من الشعب الغاضب من تصرفات قوات الشرطة، التي قتلت، بحسب بعض المصادر، في غضون ثلاثة أشهر مضت، ما يقارب 60 سائقاً.
اقرأ أيضاً: ما دوافع الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وكينيا؟
ومع أنّ تلك الاحتجاجات لم ترقَ إلى مستوى يستدعي القلق، أو حصول انفلات أمني في العاصمة، بحسب شهود عيان، استخدمت الشرطة الذخائر الحية ضدّ المتظاهرين العزّل، ما أدّى إلى مقتل مدنيين في بعض الأماكن، لتتحول بعدها إلى مظاهرات تطالب باستقالة الحكومة.
وسارع فرماجو، المعروف بالتزام الصمت عند وقوع أحداث أمنية يذهب ضحيتها العشرات، إلى الردّ على المتظاهرين، وكَيل الاتهامات لهم، بعد أن استشعر أنّ المظاهرات التي شهدتها العاصمة تعكس للعالم الواقع الذي يعيشه سكان المدينة خاصة، وأنّ المتظاهرين طالبوا بإزالة حواجز الطرق التي عكرت صفو حياتهم، وجعلت التنقل بين أحياء العاصمة في غاية الصعوبة، رغم أنّها لم تساهم في الحدّ من الهجمات التي تشنّها حركة الشباب بين الحين والآخر.
اقرأ أيضاً: حركة الشباب الصومالية تتخذ من إيران نقطة عبور لتهريب العاج
ولم يتردّد الرئيس في وصف التظاهرات بأنها أعمال غير قانونية الهدف منها إشاعة الفوضى والإرهاب وبثّ الرعب في نفوس المواطنين، وأنّ عناصر من حركة الشباب اندسّوا في صفوف المحتجين، واصفاً الاحتجاجات بأنّها "دعم للإرهابيين"، وقد حاول الرئيس في خطاب ألقاه وسط حشود من أنصاره نفي الدكتارتورية عن حكومته، التي عُرف عنها الإفراط باستخدام القوة ضدّ السياسيين المعارضين لها، كما وصف الحكومة بأنّها حريصة على "العدل"، وأنّها لا تعرف "القبليّة".
وانتهى المؤتمر التشاوري الذي شارك فيه فرماجو، ورئيس الوزراء حسن علي خيري، ورؤساء ولايات بونتلاند وغلمدغ وهيرشبيلي وجنوب غرب الصومال وجوبالاند، بالفشل، بعد 5 أيام من المناقشات حول القضايا المصيرية كالانتخابات وتعديل الدستور وتوزيع الثروات.
احتقان المشهد السياسي
وتشهد الساحة السياسية الصومالية، في الأشهر الأخيرة، احتقاناً غير مسبوق، إثر إعلان الحكومة تمرير قانون البترول المثير للجدل، والخلاف القائم على لائحة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، المزمع إجراؤها في البلاد، في 2020/2021، وملف مراجعة الدّستور، وقانون الأحزاب السياسية، والوضع الأمني، إضافة إلى الخلاف القائم في المشهد السياسي في ولايتي غلمدغ وجوبالاند، وكلّها ملفات زادت تعقيداً؛ بسبب رغبة حكومة الرئيس محمد عبد الله فرماجو التفرّد بشأن مصيرها.
انتهى مؤتمر "غروي" الذي شارك فيه الرئيس مع رؤساء الولايات بالفشل بعد مناقشات حول الانتخابات وتعديل الدستور وتوزيع الثروات
وشهد الاحتقان تصاعداً خطيراً، بعد تقديم مجلس الوزراء مسودة قانون انتخابات، كان من ضمن بنوده المثيرة للجدل؛ أنّه يخوّل الحكومة الحالية مسؤولية إعلان تأجيل الانتخابات في حال تعذَّر إجراؤها في موعدها، حيث رأى رؤساء الولايات الإقليمية في هذه الخطوة تجاوزاً للدستور، وسداً للباب أمام أيّة حلول لإنهاء الخلافات السياسية.
ودافعت الحكومة الفيدرالية، من جانبها، عن نظام الانتخابات للولايات الإقليمية الذي أصدرته، وقوبل بالرفض من معظم الولايات الإقليمية في البلاد، وأشار عبدي محمد صبرية، وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية والمصالحة في الحكومة الصومالية، في مقابلة مع القسم الصومالي في إذاعة صوت أمريكا، إلى أنّ النظام المكوَّن من 27 بنداً هو أصلاً النظام المعمول به في السابق، وأوضح أنّ كلّ ما في الأمر أنّهم عرّضوه على الشعب الصومالي.
توتر العلاقات مع الولايات الفيدرالية
وفي صدد تعليقه على مؤتمر غروي الذي انتهى بالفشل، قال رئيس ولاية غلمدغ الصومالية، أحمد دعالي حاف، لوسائل الإعلام: إنّ "الولايات الإقليمية هي التي بادرت إلى عقد المؤتمر؛ لكسر الجمود السياسي في البلاد، وإنهاء القطيعة بين الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية".
وأعلنت ولايته، إلى جانب ولاية بونتلاند، إيقاف تعاونهما مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، لسعيها إلى تدمير الحكومات المحلية في تلك الولايات، وخلق مشاكل بين سكانها. وأشارت الولايتان في بيان لهما؛ أنّ من أسباب إيقاف التعاون مع الحكومة الفيدرالية تلاعبها بالقضايا المصيرية، مثل: قوانين الانتخابات، والبترول، والضرائب، والأمن، وكذلك عرقلة تنفيذ المشاريع التنموية فيهما ومحاولة تأجيج الصراعات بين مجتمعيهما.
اقرأ أيضاً: الجيش الأمريكي يعود إلى الصومال مصحوباً بكوابيس "سقوط الصقر الأسود"
ومن جانبه، اتهم أحمد محمد إسلام "مدوبي"، رئيس ولاية جوبالاند، في خطاب ألقاه بمناسبة عيد الفطر، الحكومة الصومالية بشنّ حملة ضدّه في الانتخابات المقبلة في ولايته، وعارض مدوبي نظام الانتخابات للولايات الإقليمية، الذي كشفت عنه الحكومة الفيدرالية مؤخراً، وأشار إلى أنّ "المفروض كان وضع ذلك النظام قبل إنشاء الولايات الإقليمية، وليس الآن"، مؤكداً أنّ الانتخابات ستعقد وفق دستور جوبالاند.
قانون البترول المثير للجدل
ويعزو كثيرون سبب قطع الولايات العلاقات مع الحكومة الفيدرالية، إضافة إلى ما تسميه الولايات بالتدخل بالشؤون الداخلية لهم، إلى قانون البترول الجديد، الذي يثير المخاوف من أن يشرعن تفاهمات سرية بين جهات متنفذة داخل الحكومة الاتحادية وشركات أجنبية، وتمرير صفقات فساد بملايين الدولارات، وخصوصاً بعد الكشف عن دعم مالي قدمته بعض الشركات النفطية للحكومة الاتحادية، وهناك معلومات صحفية تتحدث عن أنّه بين عامي 2015 و2017، دفعت سبكتروم 450،000 دولار كلّ ستة أشهر لوزارة البترول.
اقرأ أيضاً: تجنيد الأطفال في الصومال ظاهرة مقلقة.. أي مصير ينتظرهم؟
وقال مسؤول كبير، كان يعمل سابقاً في وزارة البترول، لـ "VOA" إنّ "سبيكتروم دفعت 1.35 مليون دولار إجمالاً"، وقال أيضاً إنّ "الدفع ثابت، وبمشورة من لجنة الحكومة المالية (8)، المؤلفة من الحكومة الصومالية، والبنك الإفريقي للتنمية، والبنك الدولي، والصندوق الدولي، والمانحين، والمؤسسات المالية الدولية (IFIs)، التي أنشئت عام 2014، وتقدم المشورة المالية للحكومة الصومالية، وهناك مخاوف من أن تحدث فضيحة فساد في ظلّ توقعات بأن تبدأ الشركات النفطية، ومن بينها شركة "بريتش بتروليوم" (BP)، باستخراج البترول الصومالي بحلول مطلع العام المقبل؛ حيث إنّه من المقرر أن تكون جلّ أعمال بدء عمليات التنقيب عن البترول الصومال، في تموز (يوليو) الجاري، وهو التاريخ الذي تستطيع فيه الشركات المهتمة بشراء المجموعات النفطية المكتشفة، على أن يكون تاريخ 29 آب (أغسطس) المقبل موعداً لعرض خبرات الشركات المهتمة بتنقيب البترول الصومالي حول حفر آبار النفط.
حزب "ودجر" عن مصادقة قانون البترول
ومن ناحية أخرى؛ عارض حزب "ودجر" السياسي قانون البترول، الذي صادق عليه مجلس الشعب الصومالي في بداية الشهر الماضي، وأشار في بيان إلى أنّ الهدف من ذلك استحلال بيع الثروة النفطية للبلاد في مزاد علني.
وأوضح الحزب؛ أنّ الحكومة الفيدرالية، بدعم من شركة "إسبكترام"، عرضت في الثامن من شباط (فبراير) الماضي (في مؤتمر لندن) 50 حقلاً، من الحقول النفطية التي تقع في مساحة تصل إلى 173 كم للبيع، وأضاف البيان أنّ عرض تلك الحقول للبيع في مزاد علني تمّ دون تنفيذ بند واحد من الاتفاقية التي توصلت إليها الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية في مدينة بيدوا، في 5 حزيران (يونيو) 2018.
اقرأ أيضاً: الإمارات تواصل عطاءها في اليمن والصومال.. هذا ما قدمته
وأعرب الحزب في بيانه عن استيائه من مصادقة مجلس الشعب الصومالي على قانون هدفه نهب ثروات البلاد، مشيراً إلى أنّه يعارض استغلال مجموعة صغيرة ثروات كان المفروض أن ينتفع بها الشعب الصومالي.
وذكر البيان أنّ المادة 44 من الدستور الصومالي الانتقالي، تؤكد أنّه يجب على الحكومة والولايات التفاوض فيما يخص استغلال ثروات البلاد بشكل موافق للدستور، موضحاً أنّ الحكومة الفيدرالية لم تتشاور مع الولايات في القانون الذي صادق عليه مجلس الشعب، وأضاف أنّ هناك مؤسسات كان يجب تشكيلها أولاً، مثل: مجلس ثروات البلاد، والهيئة الوطنية للبترول، وشركة النفط الحكومية، إضافة إلى القوانين الضرورية الأخرى، مثل: قانون الضرائب للثروات، وقانون مكافحة الفساد، وقانون البيئة.
وذكّر البيان أنّ من حقّ الشعب الصومالي أن يعرف الأسباب وراء إسراع الحكومة بتمرير قانون البترول، رغم غياب البيئة السياسية والأمنية والشرعية، التي تسمح لها بمنح عقود استخراج البترول للشركات، مشيراً إلى أنّ الهدف هو الحصول على العربون من الشركات الأجنبية مقابل احتفاظها بالعقود.
الأحزاب السياسية تحذّر
وفي بيان مشترك لقادة كلّ من "الحزب الوطني الديمقراطي"، و"هيميلو قرن"، و"إليس"، و"ودجدر"، و"الاتحاد من أجل السلام والتنمية" بشأن قضايا الأمن القومي، وإتمام الدستور، وانتخابات 2020/2021، ونظام التعددية الحزبية، والحفاظ على الحريات الدستورية، دعوا إلى ضرورة توصل الحكومة الصومالية والحكومات الإقليمية إلى إستراتيجية وخطط أمن وطنية لاستعادة الاستقرار إلى البلاد، وبناء قوات وطنية قادرة على النهوض بالمسؤوليات الأمنية، ومساعدة الحكومة الفيدرالية الحكومات الإقليمية في تحرير الأراضي الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين، ومدّ الولايات بالمعدات والسلاح اللذين تحصل عليهما الحكومة الفيدرالية من المجتمع الدولي.
اقرأ أيضاً: هل تصلح تركيا لرعاية المفاوضات بين الصومال وصومالي لاند؟
كما حذّر البيان الحكومة الفيدرالية من التشبث بالسلطة ومحاولة التمديد لنفسها، ممّا قد يسبب التأخير في مسيرة الديمقراطية في البلاد، مطالباً بإجراء الانتخابات في موعدها وإشراك الأحزاب السياسية في خوضها، مما سيشجع التنافس على أساس الأفكار والبرامج السياسية، وكذلك السماح للأحزاب بفتح مكاتب في جميع مناطق البلاد التي ستجري فيها الانتخابات، وإكمال القوانين المتعلقة بالانتخابات من أجل ضمان انتخابات حرة ونزيهة، وطلبت الأحزاب في بيانها تحديد نوع الانتخابات التي ستشهدها البلاد في 2020/2021، وشدّدت على أن تكون اللجنة المستقلة للانتخابات محايدة، ومتمتعة بالكفاءة والشفافية في إدارة انتخابات تشارك فيها الأحزاب السياسية.
اقرأ أيضاً: "الشباب" و"داعش"... حرب المواجهة المفتوحة في الصومال
ويرى مراقبون أنّه بعد أكثر من عامين من وصول الرئيس فرماجو إلى سدة الحكم، زادت الأوضاع الأمنية سوءاً، كما زاد الاحتقان في المشهد السياسي الصومالي، في حين لم يتحقق شيء من الوعود التي قطعها الرئيس في خطاب انتخابه أمام حَشْدٍ من البرلمانيين ووكالات الأنباء، المحلية والعالمية، ورؤساء الدول الإقليمية، والتي تضمّنت: محاربة الفساد، وإرساء قيم "الديمقراطية" والعدالة، ومعالجة المشكلات الأمنية.
ويبدو أنّ حكومة فرماجو ماضية قُدماً في نهجها، الذي يصفه البعض بـ "السلطوي"، غير آبهة بتدهور الأوضاع الأمنية، مقارنة بما كان عليه قبل وصول فرماجو إلى سدة الحكم قبل عامين، وهو ما يشير إلى الوضع المقلق الذي وصلته البلاد.