الصراع العرقي يتحالف مع التطرف الديني: مالي على مشارف هجمات دامية

الصراع العرقي يتحالف مع التطرف الديني: مالي على مشارف هجمات دامية


26/06/2022

خلال يومين قُتل أكثر من 130 شخصاً في دولة مالي، على يد إحدى الجماعات المتطرفة في وسط البلاد، والقريبة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وهو الهجوم الأعنف من نوعه في وسط البلاد، ما طرح العديد من الأسئلة حول أسباب انتقال العنف من الشمال إلى الوسط.

وتُتهم جماعة "كتيبة ماسينا"، التي يتزعمها الداعية أمادو كوفا، بالمسؤولية عن المجزرة التي وقعت على مدار يومين، وفق أسلوب أقرب إلى الصراعات القبلية والعرقية المنتشرة في دول أفريقية عنه إلى أفعال الجماعات المنضوية تحت راية داعش والقاعدة؛ حيث لا تتورع الأخيرة عن استهداف المدنيين بأعداد كبيرة، ولكن من غير المسلمين، بينما تركز في مالي على استهداف الجيش والجماعات الانفصالية في مناطق أزواد في شمال البلاد.

134 قتيلاً

وخلال الهجمات التي وقعت في عدة قرى في منطقة باندياجارا، في موبتي وسط مالي، في 18 و19 حزيران (يونيو) الجاري، قتل المتطرفون ما يقرب من 134 شخصاً، واختطفوا العشرات، بحسب صحف مالية، كما أدّت الهجمات إلى فرار مئات من المدنيين، ونهب المتاجر ومخازن الحبوب والماشية.

وأشارت وثيقة أصدرتها الأمم المتحدة إلى أنّ ما يقرب من 600 مدني قتلوا في مالي عام 2021، في أعمال عنف نُسبت إلى الجماعات الجهادية وميليشيات الدفاع عن النفس والقوات المالية.

آثار الدمار في المناطق التي شهدت الهجمات الدامية

واتهمت السلطات في مالي كتيبة ماسينا بالمسؤولية، وهي جماعة انفصالية في الأساس كانت تطالب بحكم ذاتي في منطقة ماسينا، لكن بعد هجوم نمبالا الكبير، في 2016، تمّ الإعلان عن السياسة العامة للجماعة باعتبارها جزءاً من جماعة أنصار الدين، بحسب تقرير نشره "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات".

يعدّ التهميش في مناطق شمال ووسط مالي من أسباب اندلاع العنف، ويعيش ثلثا السكان في جنوب البلاد، ويعاني سكان الوسط والشمال من غياب الدولة والفقر وانعدام الأمن

وظهر اسم الكتيبة مع الجماعات الإرهابية، في آذار (مارس) 2017، بإعلانها جزءاً من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تضمّ جماعة أنصار الدين، المرابطون، وإمارة تمبكتو، بالاضافة إلى كتيبة ماسينا، ليكون الإعلان الصريح الأول بتوجه الجماعة إلى التطرف. وينتمي زعيمها الداعية المتطرف أمادو كوفا إلى عرقية الفولاني التي تستوطن عدداً من دول الساحل وغرب أفريقيا، وتعيش في مناطق وسط وجنوب مالي، ولها ارتباط بالمجموعات الفولانية في الدول المجاورة.

وعام 2020، أدرجت الأمم المتحدة أمادو كوفا على قائمة العقوبات الخاصة بتنظيم داعش والقاعدة، وأدرجته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، وأشارت تقارير عديدة إلى انتقال الكتيبة إلى وسط البلاد لتجميع صفوفها بعد هزيمة المجموعات الجهادية، التي سيطرت على شمال البلاد عام 2012 مع تدخل القوات الفرنسية لدعم الجيش المالي.

التطرف والتهميش

ويقول الأستاذ المالي في الدراسات القرآنية، محمد مايغا: "من الصعب تحديد الجماعات التي تقف وراء هذه العمليات؛ نظراً إلى أنّ الأمور شائكة، بوجود نواة صراع قبلي تتزايد هذه الأيام، إلى جانب عمليات التصفيات والانتقام بين الجماعات الإرهابية، فضلاً عن أحزاب سياسية تريد إظهار إخفاق الحكومة، التي مدّدت عمر الفترة الانتقالية، ولهذا ربما يكون لبعضهم يد بدعم ميليشيات وتوظيفهم كأدوات في الصراع السياسي".

وذكر الأكاديمي مايغا، لـ "حفريات"، أنّ المجزرة في وسط مالي تتشابه مع أخرى وقعت في بوركينا فاسو في منطقة قريبة من مالي تتنازعها قبيلتا الفولاني من الجانب البوركيني والدوغون من الجانب المالي.

ومن جانبه، أرجع الناشط السياسي من مالي، عبد الله سيدبي، العمليات الإرهابية الأخيرة إلى "انتقام كتيبة ماسينا ضدّ المدنيين، ردّاً على العمليات العسكرية التي يشنّها الجيش ضدّهم، وهم بهذا ينشرون الخوف بين المدنيين حتى لا يساعدوا الجيش بالمعلومات".

عبد الله سيدبي: المتطرفون مختلطون مع المدنيين

ويرى الناشط المالي؛ أنّ المجموعة المسؤولة عن العمليات الأخيرة تتبع كتيبة ماسينا، وأشار، في حديثه لـ "حفريات"، إلى اختلاف الإرهاب في وسط البلاد عن شمالها: "المتطرفون مختلطون بالمدنيين، إما عن رضا أو بالإكراه، والبعض يتعامل معهم كسباً للمال أو خوفاً، وبعضهم ينضم إليهم رداً على مظالم الجيش بحقهم، ولهذا في مثل هذه الحرب يصعب تشخيص من هو إرهابي ومن ليس إرهابياً، خاصة أنّه تتعالى في الوسط نبرة الاختلافات بين المواطنين على أساس قبلي وعرقي".

ويعدّ التهميش في مناطق شمال ووسط مالي من أسباب اندلاع العنف، ويعيش ثلثا السكان في جنوب البلاد، ويعاني سكان الوسط والشمال من غياب الدولة والفقر وانعدام الأمن، فضلاً عن إخفاق الحكومة المركزية في تجذير مفهوم المواطنة في هذه المناطق التي لم يجمعها حتى الاستقلال عيش مشترك مع جنوب البلاد.

ولدى عرقية الفولاني تاريخ ممتدّ من تأسيس الإمارات والسيادة على مناطق واسعة في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، بعد اعتناقهم الإسلام، وهو الأمر الذي يوظّفه زعيم كتيبة ماسينا، الداعية المتطرف أمادو كوفا، حتى إنّ الكتيبة في بدايتها حملت اسم جبهة تحرير ماسينا، وهو اسم يحمل في طابعه دلالة التمرد من منطلق عرقي، كما هو الحال في أفريقيا.

وجاء في تقرير المركز الأوروبي السابق: "تستحضر خطب كوفا صور الجهاد الذي خاضه الفولانيون ضدّ جماعة بامبارا العرقية المنافسة، في سبيل إقامة إمبراطورية ماسينا الشاسعة، التي شملت مالي والسنغال ونيجيريا"، وكانت عاصمة إمبراطورية الفولاني قريبة من منطقة موبتي اليوم، والتي تقع قرب المناطق التي شهدت الهجمات الأخيرة.

مخاوف تنامي العنف

وهناك مخاوف من تكرار هذه الهجمات الدامية، بسبب اختلاط العوامل العرقية مع التطرف الديني، حيث يتيح العامل العرقي لكتيبة ماسينا الأعضاء الجدد والدعم المحلي، فقد حصلت الكتيبة في بدايتها على أسلحتها من فرق الرعاة المسلحة التي تكونت في المنطقة لحماية المراعي.

وحول تأثير انسحاب القوات الفرنسية بعد الخلاف مع حكومة مالي على الأمن في وسط البلاد، نفى الناشط عبد الله سيدبي وجود تأثير، معللاً بأنّ "القوات الفرنسية لم تكن لها قواعد في وسط البلاد، بل في مناطق الشمال". ومن جانب آخر يتَّهم العديد من الماليين فرنسا بدعم العنف في البلاد، انتقاماً من الحكومة، وهو الأمر الذي لا دليل عليه.

هناك تحدٍّ آخر ذكره سيدبي، يتعلق بضعف كفاءة وعدد وعتاد الجيش المالي، "10 آلاف جندي هم قوام الجيش في بلد مساحتها 1.2 مليون كم مربع، وبها تنوع ثقافي وعرقي واجتماعي معقد، فضلاً عن أنّ الجيش يحتل مرتبة متأخرة من حيث القدرة العسكرية".

يحتل جيش مالي مرتبة متدنية في الترتيب العسكري

وفي ظلّ استمرار الحديث الغربي عن تواجد قوات فاجنر في مالي، أكد الأكاديمي محمد مايغا والناشط سيدبي وجودها، واختلفا حول الدور الذي تقوم به؛ ويرى مايغا أنّ عملها يقتصر على التدريب والدعم اللوجستي، بينما ذكر سيدبي أنّها تقاتل إلى جانب الجيش المالي في العديد من المناطق، وأنّها "مسؤولة عن تزايد انتهاكات حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي أدّى إلى انضمام العديدين إلى جماعات إرهابية انتقاماً من الحكومة".

الحلّ العسكري مستحيل

وشنّ الجيش هجمات بمروحيات على مجموعات إرهابية في وسط البلاد، بينما أعلنت قرى كثيرة العصيان المدني الجزئي احتجاجاً على عدم وجود الأمن، ويرى كلّ من مايغا وسيدبي استحالة نجاح الحلّ العسكري وسط البلاد، استناداً إلى المعطيات السابقة، فضلاً عن تاريخ من الإخفاق لازم العمليات العسكرية جميعها التي هدفت للقضاء على هذه الجماعات.

لهذا؛ يرى الأكاديمي محمد مايغا ضرورة الحوار: "نحتاج الجلوس على طاولة المفاوضات مع هؤلاء؛ لأنّ المعركة أسوأ من المتوقع وأكبر من دائرة مالي، بسبب التدخلات الخارجية، ولهذا نحتاج إلى خلق تماسك داخلي، عبر حوار برعاية من هم أهل الثقة بين الحكومة وهذه الجماعات، وهم رجال الدين والزعماء القبليين".

الناشط المالي عبد الله سيدبي لـ "حفريات": على عكس داعش، الذي يضمّ في صفوفه غالبية أجنبية، كلّ أعضاء ماسينا من مالي، ما يتطلب التفاوض لفهم أسباب انضمامهم للتطرف

وأكّد الناشط عبد الله سيدبي؛ أنّ الحكّام العسكريين للبلاد يضعون مسألة الأمن على رأس الأولويات، ومع ذلك "المقاربة العسكرية لن تنجح". وشدّد على ضرورة الحوار مع كتيبة ماسينا "على عكس داعش، الذي يضمّ في صفوفه غالبية أجنبية، كلّ أعضاء ماسينا من مالي، وهو الأمر الذي يتطلب التفاوض لفهم أسباب انضمامهم للتطرف، خصوصاً في ظلّ توصيات الخبراء ببحث العوامل الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية وراء تنامي العنف في وسط البلاد".

واتهم سيدبي فرنسا بالمسؤولية عن إخفاق جولات الحوار السابقة "كلما تقدم الحوار كانت فرنسا تضغط على الحكومة للتراجع، ولهذا لم ينجح أيّ حوار، وأرى ضرورة إيكال المهمة لرجال الدين المرموقين مثل الإمام محمود ديكو".

وعلى الرغم من وجود هيئة وطنية للمصالحة في البلاد، إلا أنّ إيكال رئاستها إلى عسكريين حال دون فاعليتها، فضلاً عن إخفاق الحكومة في ترتيب الوضع في الشمال بتعطيل تطبيق اتفاق الجزائر مع الحركات الأزوادية.

د. محمد مايغا: المعركة أسوأ من المتوقع وأكبر من دائرة مالي

وكان الجيش استولى على السلطة في انقلاب عسكري أطاح بالرئيس أبو بكر كيتا في آب (أغسطس) 2020، وتبعه انقلاب آخر في أيار (مايو) 2021، تولى على إثره العقيد عاصمي غوتيا رئاسة البلاد، الذي مدّد الفترة الانتقالية لمدة عامين بدلاً من ستة أشهر، ما أدخل البلاد في صدام مع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "سيدياو"، والتي تفرض عقوبات اقتصادية على البلاد التي تعاني من أوضاع اقتصادية هشّة.

مواضيع ذات صلة:

حضور روسي وغضب فرنسي وتوغل إرهابي... ماذا يحدث في مالي وغرب أفريقيا؟

لماذا قطع الحكام العسكريون في مالي العلاقات مع فرنسا؟

هل يؤجج الانقلاب في مالي الصراع بين فرنسا وروسيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية