الشرق الأوسط الجديد.. طريق الآلام

الشرق الأوسط الجديد.. طريق الآلام

الشرق الأوسط الجديد.. طريق الآلام


31/10/2023

سعاد فهد المعجل

طريق الآلام الذي مشاه المسيح أصبح ممتداً من القدس، ليشمل غزة وأحياءها وسكانها الآمنين، ومن خلف تلك المشاهد المؤلمة، تطل علينا المواقف الغربية الجائرة، التي اصطفت كلها مع الظالم في وجه المظلوم، حيث عادت صفة الإرهاب والارهابيين لتكون سمة التعريف للشهداء من الأطفال والنساء، وللمناضلين المطالبين بأبسط حقوقهم في فك الحصار الجائر على غزة، وتمكين أهلها من ممارسة الحياة البشرية في أدنى مقوماتها، لكن من خلف هذه الصورة المحزنة تبرز صورة أكبر وأكثر ألماً، صورة يمتد فيها طريق الآلام ليتحول الى خريطة جديدة تضع الشرق الأوسط في قبضة إسرائيل «الكبرى»، صورة الشرق الأوسط الجديد، الذي تحدّث عنه كل الرؤساء في أميركا، بدءاً من بوش الى أوباما وترامب، والآن بايدن، الذي كان صريحاً بما فيه الكفاية، في إشارته لاقتراب مثل هذه الخريطة، بينما يُلقي نتانياهو كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع مع الدول العربية في تغيير الشرق الأوسط، ويحمل خريطة تشمل مناطق مكسية باللون الأخضر الداكن للدول، التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام مع الكيان الصهيوني، وبالطبع لم تشمل خريطة نتانياهو أي ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة، بما فيها قطاع غزة.

لكن حلم نتانياهو ودولته المُغتَصِبَة لم يتحقق عبر 75 عاماً بفعل النضال الفلسطيني الشعبي المتواصل، ولم تُحقق له كل الاتفاقيات الأمنية ومحاولات التطبيع خطوة واحدة باتجاه مشروعه الغاصِب لحقوق الآخرين، ولعل أحداث غزة الأخيرة، ورفض الفلسطينيين أن يكونوا ضحية للتهجير مرة أخرى، خير دليل على ذلك، وها هي صحيفة لوموند الفرنسية تكتب، على لسان أحد كُتّابها، قائلة إن هجوم حماس والفصائل الفلسطينية المقاتِلة قد حطّم الفكرة القائلة بأن عملية التطبيع بين إسرائيل والعرب ستؤدي الى تهدئة المنطقة، أو أن القضية الفلسطينية أصبحت موضوعاً ثانوياً، وبالتالي فقد قضت على الوهم الذي عاشت عليه إدارة الرئيس ترامب، ومن بعده بايدن بحكم الأمر الواقع، ويستمر الكاتب في صحيفة لوموند في القول بأن الولايات المتحدة لم تعد تنظر الى الشرق الأوسط إلا بشكل افتراضي، راضية بدور إطفاء نار اللحظة، من دون السعي الى تغيير ملامح الصراع. ويمضي كاتب لوموند في قوله إن غزة التي تخلّى عنها العالم أجمع، هي تحت سيطرة حركة سياسية تتغذى على يأس السكان، كما يقول، وعندما يغلي هذا المرجل ويفيض لا تتوقف مقذوفاته عن إثارة الدهشة، حيث السكان المحرومون من أي أفق، تزدهر بينهم الفصائل المسلّحة، وتتقدم عسكرياً وتُنشئ أجيالاً جديدة من المقاتلين.

حلم الشرق الأوسط الجديد وفقاً للرؤية الإسرائيلية قديم، وإن كان أكثر وضوحاً بعد مؤتمر مدريد عام 1991، حيث طرح شمعون بيريز مفهوم الشرق الأوسط الجديد «الكبير»، وألّف كتاباً حمل العنوان نفسه، يدعو فيه الى اختراق العالم العربي من خلال النشاط الاقتصادي، بالتوازي مع الدعم الأميركي السياسي، بل إن جورج كانن، المخطط الاستراتيجي الأميركي، أعلنها صراحة بأن على أميركا وإسرائيل المحافظة على مصالحهما الاقتصادية في المنطقة، ولكي يفعلا ذلك يجب أن يتوقّفا أولاً عن التفكير بحقوق الإنسان، وأن عليهما الضرب بالعواطف والمشاعر عرض الحائط.

المنطقة اليوم تقف أمام تحوّلات وتغيّرات كبيرة تُصرّ فيها إسرائيل وأميركا على رسمها ضمن تصوّر يضمن لهما مصالحهما، ويأتي على قمة هرم ذلك التصوّر رسم خريطة الشرق الأوسط على هيئة دول قائمة على أسس عرقية وطائفية، حتى تكون منسجمة مع هيئة الكيان الصهيوني القائمة أساساً على الهوية القومية والدينية.

الشرق الأوسط الجديد طريق آخر من الآلام، سيجد في مواجهته ألف مسيح ومسيح يحملون رسالة النضال فوق رؤوسهم وصدورهم، ويتصدّون لهذا التقسيم الجائر والمُتخفّي وراء مشاريع تطبيع وسلام زائفة.

عن "القبس"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية