السويد تتحرك لكبح الإسلاموية السياسية: تحقيق رسمي في التمويل الأجنبي لجماعة الإخوان

السويد تتحرك لكبح الإسلاموية السياسية: تحقيق رسمي في التمويل الأجنبي لجماعة الإخوان

السويد تتحرك لكبح الإسلاموية السياسية: تحقيق رسمي في التمويل الأجنبي لجماعة الإخوان


09/06/2025

في خطوة جديدة تعكس تصاعد القلق الأوروبي من تغلغل الجماعات الإسلاموية في المجتمعات الغربية، أعلنت الحكومة السويدية، بالتعاون مع حزب "ديمقراطيي السويد" (SD) اليميني، عن إطلاق تحقيق رسمي يهدف إلى دراسة إمكانية حظر أو تقييد التمويل الأجنبي للجمعيات الدينية، وخاصة تلك التي يُشتبه بارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين أو بأيّ أنشطة توصف بالتطرف أو بمعاداة الديمقراطية.

التحقيق، الذي كشف عنه وزير العدل السويدي غونار سترومر خلال مؤتمر صحفي عقد مطلع الأسبوع الماضي، يمثل أول خطوة تشريعية من نوعها في السويد لضبط مسارات التمويل المشبوه القادم من الخارج، خصوصاً عندما يُستخدم كأداة لنشر أفكار متطرفة أو الترويج للعنف والتخريب تحت غطاء الدين. وأوضح سترومر أنّ الهدف من هذا التحرك هو تقديم مقترحات قانونية واضحة تُمكّن السلطات من التعامل مع ظاهرة التمويلات الخارجية التي تهدد التماسك المجتمعي والنظام الديمقراطي في البلاد.

جماعة الإخوان في مرمى الأنظار

على الرغم من حرص وزير العدل على التأكيد أنّ التحقيق "لا يستهدف ديانة محددة"، إلا أنّ التصريحات الرسمية التي رافقت الإعلان تشير بوضوح إلى جماعة الإخوان المسلمين كأحد الدوافع المباشرة للقرار. فقد أشار رئيس الوزراء أولف كريسترشون إلى تقرير فرنسي صدر مؤخراً كشف عن تزايد نفوذ الجماعة داخل السويد، مؤكداً أنّ بلاده "لا يمكنها السماح للإسلامويين أو القوى الأجنبية بإلحاق الضرر بالديمقراطية".

كشف عنه وزير العدل السويدي غونار سترومر خلال مؤتمر صحفي عقد مطلع الأسبوع الماضي، يمثل أول خطوة تشريعية من نوعها في السويد لضبط مسارات التمويل المشبوه القادم من الخارج.

كريسترشون لفت كذلك إلى وجود أمثلة حية تؤكد خطورة التمويل الأجنبي غير المضبوط، منها دعم إيراني لمركز ديني شيعي في إحدى ضواحي العاصمة، إضافة إلى الدعم الروسي للكنيسة الأرثوذكسية التابعة لبطريركية موسكو، وهو ما يكشف عن أنّ التحرك لا يقتصر فقط على الإسلام السياسي، بل يشمل أيّ نفوذ أجنبي يُستغل لتقويض القيم الديمقراطية.

السياق الأوروبي: عدوى فرنسية؟

التحقيق السويدي يأتي بعد أسابيع قليلة من نشر تقارير فرنسية مفصلة تُحذّر من تمدد نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في عدد من الدول الأوروبية، من بينها السويد. وقد دأبت السلطات الفرنسية على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعة خلال الأعوام الأخيرة، بما في ذلك إغلاق جمعيات ومساجد مرتبطة بها، وتشديد الرقابة على التمويلات الأجنبية الموجهة للمؤسسات الدينية.

ويبدو أنّ الحكومة السويدية باتت تنظر إلى الظاهرة من زاوية أمنية أكثر منها اجتماعية، خصوصاً بعد تصاعد الانتقادات الداخلية التي تتهم الحكومات السابقة بالتساهل مع تمدد جماعات الإسلام السياسي تحت شعارات التعددية الثقافية وحرية العبادة.

توسيع المعركة: من المساجد إلى العصابات

بموازاة هذا التوجه ضد الإسلاموية السياسية، تتحرك الحكومة السويدية في مسار أمني أوسع، يتضمن التعاون مع دول مثل العراق، والإمارات، والمغرب، وتركيا، لتسهيل تسليم مشتبه بهم سويديين يقيمون خارج البلاد. وتشير بيانات الشرطة إلى وجود نحو (700) شخص يُعتقد أنّهم ينتمون إلى شبكات الجريمة المنظمة، بعضهم مرتبط ببيئات دينية مغلقة ذات طبيعة متطرفة.

هذا الربط بين التطرف الديني والجريمة المنظمة لم يعد غريباً في السياق السويدي، إذ باتت بعض الأحياء التي توصف بـ "الموازية" بيئات حاضنة للخطاب المتشدد والأنشطة الإجرامية في آنٍ واحد، وهو ما يفسّر التشدد المتزايد في سياسات الدولة تجاه كل ما يمسّ الأمن القومي أو الهوية الديمقراطية للمجتمع.

هل تمضي السويد في طريق الحظر؟

الإجراءات الحالية لا تصل حتى الآن إلى مستوى الحظر المباشر لأنشطة جماعة الإخوان المسلمين، لكنّ بدء تحقيق رسمي حول التمويل الأجنبي يُعدّ خطوة تمهيدية نحو تشريعات أشد صرامة. ومن المرجح أن توصي اللجنة المكلفة بالتحقيق في نهاية عملها بإقرار قوانين تسمح للدولة بوقف أو تقييد تدفقات الأموال من الخارج إلى المؤسسات التي يُشتبه في علاقتها بالإخوان أو الجهات المتطرفة، سواء كانت دينية أو ذات طابع "مدني".

 التطرف الديني والجريمة المنظمة لم يعد غريباً في السياق السويدي، إذ باتت بعض الأحياء التي توصف بـ "الموازية" بيئات حاضنة للخطاب المتشدد والأنشطة الإجرامية في آنٍ واحد.

كما أنّ مجرد الإعلان عن التحقيق يمثّل بحد ذاته إشارة سياسية قوية إلى أنّ السويد بدأت تعيد النظر في تعاطيها السابق مع الجماعات الإسلاموية، وتحديداً جماعة الإخوان التي لطالما استفادت من مناخ الحريات ونجحت في التغلغل داخل مؤسسات المجتمع المدني السويدي، خصوصاً في قطاعات التعليم والخطاب الديني.

في انتظار النتائج: ماذا بعد؟

من المتوقع أن تُقدّم اللجنة المختصة مقترحاتها خلال الأشهر المقبلة، وهو ما سيفتح الباب على الأرجح أمام نقاشات برلمانية حامية، خصوصاً في ظل انقسام الشارع السياسي بين تيارات ليبرالية ترفض التضييق على الجمعيات الدينية، وأخرى ترى أنّ هذا التضييق ضروري لحماية القيم الديمقراطية من الانتهاك باسم الدين.

لكنّ الثابت أنّ السويد، شأنها شأن دول أوروبية أخرى، بدأت تضع جماعة الإخوان المسلمين ضمن دوائر الشك والتقنين، بعد أن ظلت لعقود تنشط بحرّية نسبية داخل المجتمعات الغربية. ويبدو أنّ المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الخطوات المتسارعة لضبط الفضاء الديني والسياسي من تغلغل القوى الإسلاموية التي تحاول إعادة إنتاج مشاريعها الإيديولوجية على أرضٍ غير أرضها.

انعكاسات محتملة على الجاليات المسلمة وردود الإخوان

في خضم هذه التحركات الرسمية يُتوقع أن تثير الإجراءات الجديدة نقاشاً واسعاً داخل أوساط الجاليات المسلمة في السويد، خصوصاً من حيث التخوف من أن تنعكس القيود المفروضة على تمويل الجمعيات الدينية على النشاط الإسلامي السلمي والشرعي، لا سيّما في ظل المزج بين مكافحة التطرف ومراقبة المؤسسات الدينية بشكل عام. ومن المرجح أن تسعى بعض التيارات المحسوبة على جماعة الإخوان إلى تصوير الخطوة كاستهداف مباشر للإسلام، في محاولة لتأليب الرأي العام ضد الحكومة، واستدرار دعم المنظمات الحقوقية الدولية.

إلا أنّ الحكومة السويدية أكدت مراراً أنّ الإجراءات لا تستهدف ديانة بعينها، بل تسعى لحماية النظام الديمقراطي من التغلغل الإيديولوجي والتأثيرات الأجنبية. وفي هذا السياق قد تجد الجاليات المسلمة المعتدلة فرصة للتعبير عن رفضها لاختطاف تمثيلها من قبل جماعات مثل الإخوان، وتأكيد التمايز بين الإسلام كدين، وبين الإسلاموية كإيديولوجيا سياسية.

أمّا جماعة الإخوان، فغالباً ما تتبع تكتيكاً دفاعياً في مثل هذه المواقف، من خلال التنديد بما تصفه بـ "الإسلاموفوبيا المؤسسية"، مع إطلاق حملات دعائية إعلامية وقانونية، وتفعيل شبكات الدعم من منظمات دولية تدور في فلكها. لكنّ المتغير الأهم أنّ الدول الأوروبية لم تعد تنظر إلى خطاب الجماعة كجزء من التنوع الديني، بل بات يُقرأ ضمن استراتيجية أوسع تستهدف اختراق المؤسسات وتحقيق مكاسب سياسية باسم الدين.

وفي ظل هذا التحول تبدو السويد على أعتاب مرحلة جديدة من إعادة صياغة علاقتها مع الجماعات الدينية العابرة للحدود، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، وفق قواعد صارمة تحصّن الدولة والمجتمع من أيّ نفوذ خارجي يمسّ تماسكهما أو يهدد نظامهما الديمقراطي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية