السودان: ماذا تعني عودة آخر رئيس حكومة قبل الثورة؟

السودان: ماذا تعني عودة آخر رئيس حكومة قبل الثورة؟

السودان: ماذا تعني عودة آخر رئيس حكومة قبل الثورة؟


08/10/2022

أحدثت عودة آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المعزول عمر البشير ضجة في الساحة السياسية السودانية، وأثارت العديد من التكهنات حول علاقة ذلك بالمشهد السياسي المعقد، والعودة الملحوظة للقوى الإسلامية التي كانت على صلة بنظام الإنقاذ السابق.

وصاحبت عودة محمد طاهر أيلا مظاهر ترحاب كبيرة في مدينته بورتسودان، في ولاية البحر الأحمر، التي كان أيلا والياً عليها بين (2005 - 2015)، واكتسب خلال عهده في الولاية ثم وجوده لمدة أربعة أعوام والياً على ولاية الجزيرة (2015 - 2019)، تقديراً كبيراً بسبب النهضة التنموية التي شهدتها الولايتان.

لكنّ المعارضة ترى في عودته تمكيناً للنظام السابق، الذي بات متحالفاً مع الانقلابيين على حد وصفهم، وترى في الاستقبال الشعبي الكبير عودة إلى أساليب حزب المؤتمر الوطني المنحل.

جدل العودة

وبحسب صفحته الرسمية على منصة "فيسبوك" كانت عودة طاهر أيلا مخططاً لها منذ عدة أشهر، وجرى تأجيلها لتزامنها مع موسم الحج الماضي، استجابةً لرغبة الكثير من سكان الشرق في التواجد لاستقباله. وعاد مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، من العاصمة المصرية، القاهرة، التي كان يقيم بها عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق، عمر البشير، وكان وقتها رئيساً للوزراء، منذ عينه البشير في خطوة تهدف إلى احتواء الاحتجاجات ضده، في شهر شباط (فبراير) 2019، حتى الإطاحة بنظام البشير في نيسان (أبريل) من العام نفسه.

عبد الماجد عبد الحميد: الذين تنادوا لاستقبال أيلا اليوم حالة خاصة في المشهد السياسي السوداني الحديث

ومنذ عودته إلى مدينة بورتسودان حظي أيلا بترحاب شديد من المكونات القبلية والسياسية في الولاية، ورموز من الولايات الأخرى التي جاءت للترحيب بعودته. ويبدو أنّ برنامج عودته حافل بنشاط سياسي واسع، خصوصاً في مسقط رأسه في شرق السودان، الذي شهد العديد من الأحداث السياسية على خلفية أزمة المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة مع الخرطوم، منذ توقيع اتفاق جوبا للسلام في 2020، بما تضمنه من مسار الشرق الذي يرفضه المجلس.

ويرى عضو المجلس عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، نور الدين صلاح الدين، أنّ الاستقبال الذي حظي به طاهر أيلا لم يكن عفوياً "الشكل الذي خرج به الاستقبال يُظهر أنّه كان مُعداً بعناية، ويبدو أنّ وراءه العديد من الجهات التي تريد إظهار استناد طاهر أيلا إلى قاعدة شعبية، لكن هذا غير صحيح، وحتى المؤتمر الوطني وقياداته قبل أو بعد سقوطه لم يكن يمتلك الشعبية التي يمكن أنّ يُشار إليها".

تدور تساؤلات حول قانونية عودة الرجل، الذي أصدرت نيابة المال العام في ولاية البحر الأحمر أمر قبض بحقه عقب الثورة، باتهامات فساد لا تزال سارية

ولا يتفق رئيس تحرير صحيفة مصادر مع الطرح السابق، عبد الماجد عبد الحميد، وقال لـ"حفريات": "بعيداً عن نقاط الخلاف أو الاتفاق مع أيلا، لا يمكن لعاقل ومنصف سياسي أن يقول بأنّ الجموع التي خرجت لاستقباله اليوم هي جماهير حزب الدولة العميقة، لأنّ الذين تنادوا لاستقبال أيلا اليوم حالة خاصة في المشهد السياسي السوداني الحديث؛ حالة ولاء خاصة برجل اسمه محمد طاهر أيلا، جمع ألوان طيف سياسي عريض بطول السودان وعرضه، طيف جمعته محبة خاصة للرجل وقناعة غير مدفوعة الثمن، أنه يملك عصا سحرية لتغيير الواقع وله من التجارب والنجاحات ما يعزز هذه الفرضية".

وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي والخبير الإستراتيجي، عماد الدين حسين بحر الدين: "الترحيب الشعبي له علاقة بإثنية الرجل. وبغض النظر عن ذلك، كان والياً ناجحاً على مستوى الشرق، وربما هذا الترحيب لأنه قدم للشرق نموذجا مثالياً، حتى كانت مدينة بورتسودان أنظف من الخرطوم في عهده، فضلاً عن أنّ الاحتفاء به يعود في بعضه إلى الحال الذي وصل اليه الشعب جراء الفترة الانتقالية، خصوصاً من حيث الأزمة المعيشية التي جعلت الكثيرين يحنّون لأيام النظام السابق، أو بعض قادته المشهود لهم بالكفاءة مثل أيلا، وهو أمر ربما يكون متعمداً".

الاستقطاب السياسي

وأذكت عودة طاهر أيلا نار الاستقطاب السياسي في البلاد، حيث يرى تيار المعارضة المحسوب على الثورة فيه امتداداً للنظام السابق، بينما يرى المحسوبون على المؤتمر الوطني المنحل وقطاع عريض لم يكن محسوباً على المؤتمر أو الحرية والتغيير في الرجل شخصية مناسبة للمشاركة في عملية الانتقال السياسي.

وتدور تساؤلات حول قانونية عودة الرجل، الذي أصدرت نيابة المال العام في ولاية البحر الأحمر أمر قبض بحقه عقب الثورة، باتهامات فساد لا تزال سارية، لكن من المحتمل أنّ يكون الأمر غير صحيح قانونياً، ولهذا لم تتابعه النيابة.

نور الدين صلاح الدين: الرجل تقلد العديد من المناصب العليا أثناء فترة الإخوان

ومن جانبه، أفاد عضو المجلس المركزي بحزب المؤتمر السوداني لـ"حفريات" بأنّ "كل من استوزر أو توفرت له وظيفة في درجة عالية في الحكومة في عهد الإنقاذ فهو في موضع اتهام إلى أن يثبت العكس". وحول وجود شبهات تتعلق بطاهر أيلا، قال نور الدين صلاح الدين: "الرجل تقلد العديد من المناصب العليا أثناء فترة الإخوان، وكان مقرباً من البشير".

وذكر أنّ هناك أحاديث كثيرة عن "ثروة طائلة كونها خلال عمله الطويل في وظائف رسمية قيادية، وخصوصاً في البحر الأحمر والجزيرة، وهو أمر كان صعب إثباته في العهد السابق، ولهذا أعتقد أنه يجب عندما يتم استئناف مسار التحول المدني الديمقراطي، إجراء تحقيقات من قبل نيابة الثراء الفاحش حول الكيفية التي أحرز بها أيلا هذه الثروة الهائلة".

الأكاديمي عماد الدين حسين لـ"حفريات": عودة محمد طاهر أيلا لها ارتباط بشرق السودان الذي يشهد حالة من التشظي والانقسام، ومناداة من قيادات مثل الناظر ترك بالانفصال

في مقابل ذلك، يرى مراقبون أنّ ثروة طاهر أيلا تعود إلى ثراء عائلته، فضلاً عن أنّ علاقته بقيادات حزب المؤتمر المنحل إبان الإنقاذ لم تكن على وفاق، وإذا كان لدى هذه القيادات ما يدين الرجل بشأن استغلال منصبه للتربح لم تكن للتأخر عن استغلال ذلك، خصوصاً لضرب مكانته القوية عند الرئيس السابق، عمر البشير، الذي كثيراً ما دعم طاهر أيلا في وجه خصومه من حزب المؤتمر.

وفي سياق الربط بين عودة أيلا وما تعيشه السودان من أحداث وتحولات بعد الثورة، قال رئيس تحرير جريدة مصادر: "أثبت أيلا أنّ خلفه آلاف السيوف والخناجر على أهبة الدفاع عنه ومساندته في أي معركة يخوضها بغض النظر عن سلامة أو خطأ موقفه؛ إنها كيمياء المشهد السياسي السوداني الذي أخذ طريقاً ومنهجاً جديداً في التشكل، منهج لا طائفي ولا قبلي، ولكنه يأخذ من الإثنية لونها ومن القبيلة عمقها، ومن تشابك وتداخل مصالح الإقليم الأنثربولوجي والجيوسياسي قوته الدافعة".

وفي خطابه في مدينة سنكات، التي شهدت المؤتمر الأول للبجا بعد الثورة، في آذار (مارس) 2021، الذي وضع مطالب إقليم شرق السودان، تبنى طاهر أيلا منطلقات المؤتمر، وأعلن عن الكفاح في سبيل تحقيقها، ملمحاً في الوقت ذاته إلى انتهاج خيارات خاصة بالإقليم، مثل المطالبة بالانفصال، إذا استمر تجاهل وتهميش الإقليم.

أي دور سياسي لأيلا؟

ويبدو أنّ الدور السياسي المنتظر لأيلا لن يأتي لكوّنه محسوباً على النظام السابق، وتمتعه بتأييد شعبي واسع، بل ربما يأتي انطلاقاً من انتمائه إلى مكوّن البجا القوي في شرق البلاد، وهو أمر أشار إليه القيادي البجاوي الشهير، الناظر ترك، الذي قاد احتجاجات الشرق وإغلاق الموانئ.

ولا يتوقع الأكاديمي السوداني، عماد الدين حسين بحر الدين في حديثه لـ"حفريات" أنّ يُرشح أيلا لمنصب رئاسة الوزراء، "لن يستطيع البرهان ترشيحه في هذا الفترة مطلقاً؛ لأنّ الجيش أعلن الانسحاب من إدارة المرحلة الانتقالية، وينتظر توافق القوى السياسية لتسليمهم السلطة، ولهذا فعودة أيلا للحكم ربما تكون بعد المرحلة الانتقالية، وبعد تنظيم الانتخابات، والتي تبدو بعيدة المنال نتيجة خلافات القوى السياسية، واستمرار إمساك الجيش بالسلطة".

وربط السياسي نور الدين صلاح الدين عودة أيلا بحراك المحسوبين على المؤتمر الوطني والإخوان المسلمين، وقال: "لم يستطع الانقلاب إنجاز أي من المسوغات التي قال بها، مع اقتراب مرور عام عليه، حين قام بجريمة تقويض السلطة الشرعية في 25 أكتوبر 2021".

وتابع: "هذا النظام فاقد للشعبية والظهير السياسي، وبالتالي أعتقد أنّ المنظومة السياسية التي يمكن أن تخاطر بدعمه هي المجموعة الإخوانية المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني، التي لها مصلحة أن تقود البلاد في هذا الوضع المضطرب".

د. عماد الدين حسين: عودة أيلا للحكم ربما تكون بعد المرحلة الانتقالية

وبسؤاله عن علاقة أيلا بطموح الإسلاميين، قال: "لا أستبعد أن يكون له ارتباط؛ لأنّ الرجل ليس رقماً عابراً في التنظيم الإخواني (المؤتمر الوطني)، بل كان منتسباً في الجماعة من بواكير شبابه، وترقى حتى بات من قيادات الصف الأول، وربما تكون له ارتباطات ببعض المبادرات السياسية، خصوصاً تلك المدعومة من قبل السلطة الانقلابية وفلول الإخوان".

ومن زاوية أخرى، ربط الأكاديمي، عماد الدين حسين بحر الدين، عودة أيلا بالوضع في شرق السودان: "عودته لها ارتباط بشرق السودان الذي يشهد حالة من التشظي والانقسام، ومناداة من قيادات مثل الناظر ترك بالانفصال، وربما عودته تحث من وحدة السودان بتحالفهم".

ويشهد المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة خلافات داخلية حادة، منذ عدة أشهر، وكان المجلس قاد الحراك الشعبي الكبير في شرق البلاد، للمطالبة بإلغاء مسار الشرق في اتفاقية جوبا للسلام، ومطالب أخرى تتعلق بالتنمية والحكم المحلي. وهو الأمر الذي تطرق إليه طاهر أيلا في حديثه في استقبال المرحبين بعودته في بورتسودان، حين تحدث عن الحكم الفيدرالي كنظام مناسب للسودان.

وولد محمد طاهر أيلا عام 1951 في مدينة جبيت، بولاية البحر الأحمر في شرق السودان، من أسرة ثريّة تنتمي إلى قبيلة الهدندوة، التي تعد واحدة من أكبر مكوّنات قومية البجا المنتشرة في عموم شرق السودان وعلى الحدود المشتركة مع دولة إريتريا. ودرس الاقتصاد في جامعة الخرطوم، وبعد تخرجه مباشرة عمل في هيئة الموانئ البحرية، ثم ابتعث إلى بريطانيا، حيث التحق بجامعة كارديف للحصول على درجة الماجستير، وشغل العديد من المناصب القيادية قبيل حكم البشير وإبان عهده، كان آخرها رئاسة الوزراء لمدة أقل من شهرين حتى الإطاحة بالبشير.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية