السرّاج يحجّ لأنقرة لتقديم فروض الولاء لأردوغان

السرّاج يحجّ لأنقرة لتقديم فروض الولاء لأردوغان


13/09/2020

ضجّ الشارع الليبي، منذ أواخر الشهر الماضي، بتظاهرات شعبية، احتجاجاً على الوضع المتردي الذي وصلت إليه البلاد، التي باتت تفتقد لأبسط سبل الحياة، بداية من الكهرباء والماء، إلى منافذ بيع السلع الأساسية، مروراً بنقص كبير في المواد البترولية، في موطن يملك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا.

ما زال فايز السراج منحازاً للجانب التركي، ويحاول الحصول على المزيد من الدعم والإمدادات، فضلاً عن استمرار تلقيه أسلحة، وميليشيات سورية يتمّ تصديرها إلى ليبيا وبقوة

على خلفية هذه الاحتجاجات؛ بدأ المحتل التركي يستشعر زلزالاً تحت أقدامه، فسارع بتعديلات وزارية، وإقالة بدأت بوزير الداخلية، الذي أمر بإطلاق النار على المتظاهرين، ثمّ زيارة رأس حكومة الوفاق، فايز السراج، إلى أنقرة واجتماعه بالرئيس التركي.
ولأنّ توقيت الزيارة يختلف عمّا مضى، فإنّ لها دلالات أبعد مما يحاول الثنائي (السراج / أردوغان) الحديث عنه.

تعقيد وتفتيت

التظاهرات الليبية إربكت المحتل التركي، الذي فقد السيطرة على آليات عمله، بعد أن فتح النار على عدة جبهات أخرى، كانت أهمّها شرق المتوسط وشمال العراق؛ إذ كشفت زيارة السراج الأخيرة إلى أنقرة واجتماعه بالرئيس التركي، هذا الارتباك الذي أصاب الغازي الجديد.

لكنّ الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، مصطفى أمين، ما جرى خيانة للقضية الليبية بأكملها، ومساهمة في تعقيد الملف الذي طال أمد الصراع فيه بما يكفي، وهناك عدة نقاط يجب الانتباه إليها، تخبرنا بها هذه الزيارة.

ويستكمل أمين، في تصريح لـ "حفريات": "أولاً: في الوقت الذي يتفاوض فيه مجموعة من حكومة الوفاق في المغرب، حول صياغة سياسية لحلّ الأزمة، يتوجه السراج لتركيا، حتى يتلقى تعليمات من أردوغان، وهذا يعني أنّه لا يملك اتجاهاً معيناً لحلّ الأزمة بشكل سياسي منضبط.

اقرأ أيضاً: الصراع يحتدم بين السراج والإخوان... من يقصي الآخر؟

 ثانياً: من هذه الزيارة السريعة أرى ارتباطها بالأزمة الأخيرة التي حدثت بينه وبين فتحي باش آغا، وزير الداخلية، وبين مجموعة مصراتة التي يسيطر عليها، ومجموعة الميليشيات السورية الخاصة بطرابلس، فتركيا تحاول الوصول لصيغة توافقية بين الطرفين لتوحيد الصفّ في الجانب الغربي، وتوحيد حلفائها في اتجاه واحد، كما تحمل هذه الزيارة دلالة مهمّة أخرى؛ هي أنّ الدولة التركية، برئاسة أردوغان، تحاول الحصول على صكّ مفتوح، من فايز السراج، والتأكد أنّه يقف مؤيداً له في أزمته داخل شرق المتوسط، وأنّه يرتبط حقاً بمصالح اقتصادية مع أحد أهم الدول المتوسطية، بالتالي، تنقيبه وبحثه عن الغاز في البحر المتوسط، هو أمر شرعي، وفق تحالفه مع أحد الدول المتشاطئة، التي تمتلك أهم أجزاء المتوسط".

الباحث المصري مصطفى كمال لـ"حفريات": يبدو أنّ الصراع يتعمَّق في الملف الليبي، خاصة في ظلّ الاستعدادات لعقد مؤتمر "الصخيرات 2"، والاتجاه نحو تشكيل حكومة جديدة

وبحسب أمين؛ فإنّ جزءاً من هذه الزيارة يتعلق بـتأكد أردوغان احتفاظه بالمكاسب الاقتصادية من ليبيا، وجزءاً منه يتعلق بالكهرباء، وإعادة الاستفادة من المنشآت النفطية الموجودة في الغرب الليبي، وإعادة الإعمار الخاصة بالبنية التحتية لطرابلس، ومناطق متعلقة بإنشاء الموانئ، وبيع أسلحة جديدة للسراج، وهذه كلّها تفاصيل تطرق لها الثنائي في الاجتماع، مما زاد من تعقيد الأزمة، لأنّ السراج ما يزال يُصرّ على إقحام طرف إقليمي في الأزمة.

صبّ الزيت على النار

في الوقت الذي  تتخذ فيه كافة الأطراف الإقليمية مواقف حيادية على غرار مصر، وتدعو للوصول إلى اتفاق سياسي في الأمر، معظم دول الجوار الليبي، تدعو لحلّ سياسي، ينحاز فيه السراج بشكل واضح للجانب التركي، ويحاول الحصول على المزيد من الدعم والإمدادات، ووفق تصريحات أمين: فإنّ "السراج ما يزال يتلقى أسلحة، وميليشيات سورية يتمّ تصديرها إلى ليبيا قائم وبقوة، فنحن بصدد عدد قارب العشرين ألف مرتزق، بمعدّل إرسال ألفي مقاتل شهرياً، وهي مسألة غاية في الخطورة، وهناك حركة لنقل السلاح من تركيا إلى ليبيا غير عادية، فيما الصمت يخيم على المجتمع الدولي، يلوح بعقوبات على استحياء دون التنفيذ، والمفترض أن البحر المتوسط يخضع لضوابط ومعايير، خاصة بحظر السلاح على ليبيا، وبالتالي يأخذ الأمر منحى أكثر تدهوراً".

أمّا الباحث في الشؤون الأمنية ودراسات الشرق الأوسط، بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، مصطفى كمال، فيرى أنّ المغزى من وراء زيارة السراج في هذا الوقت تحديداً لأنقرة، يدور في إطار الصراع على المرحلة القادمة، خاصة بعد أن استغل وزير الداخلية، باش آغا، المقرَّب من ميليشيات مصراتة وجماعة الإخوان المسلمين الغضب الشعبي تجاه السراج وميليشيات طرابلس، وهو الصراع الذي انطلق منذ فترة حول النفوذ بالعاصمة.

اقرأ أيضاً: ما موقف الجيش الليبي من مفاوضات المغرب؟ وماذا يفعل السراج بتركيا؟

ويتابع كمال، في حديثه لـ "حفريات": "يبدو أنّ الصراع يتعمَّق في الملف الليبي، خاصة في ظلّ الاستعدادات لعقد مؤتمر "الصخيرات 2"، والاتجاه نحو تشكيل حكومة جديدة على ضوء مخرجات مؤتمر برلين وإعلان القاهرة، ورغبة قوى مصراتة في أن يكون رئيس الحكومة القادمة من بين مرشحيها، وأبرزهم باش آغا، صاحب الحظّ الأوفر في مواجهة منافسه أحمد معيتيق".

استشراف الصراع

بحسب الباحث مصطفى كمال، فإنّ الصراع قادم لا محالة، لكن "أرى أنّ أهم مقوماته  تشتمل على من سيكون رجل المرحلة القادمة، الأمر الذي دفع بالسراج إلى استثمار وجود باش آغا في تركيا، فأقاله وأحاله للتحقيق، في خطوة تحمل دلالتين؛ إما أنّ رئيس حكومة الوفاق قد استبق انقلاباً يجري التحضير له ضدّه، أو أنّه استغل فرصة غياب منافسه للإطاحة به، على جانب آخر؛ تدعم جماعة الإخوان  باش آغا، وترى في استبعاد السراج مجالاً أوسع، لتكون صاحبة الحضور الأهم خلال الحوار السياسي المنتظر، متحالفة في ذلك مع الوزير السابق، ومع ميليشيات مصراتة، فيما لا يجد السراج من داعم غير ميليشيات طرابلس التي رحبت بقراراته، وجددت التزامها التام بتعليمات المجلس.

وعلى جانب آخر، وخلال تواجده في أنقرة؛ التقى رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السرّاج، سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى تركيا، ديفيد ساترفيلد، وتناول الاجتماع مستجدات الوضع الليبي، والعلاقات الثنائية بين البلدين، كما أكّد الطرفان، خلال اجتماعهما على ضرورة الإسراع في إعادة تشغيل المنشآت النفطية مجدداً، قبل أن تعلن الهيئة الوطنية للنفط، عن خسائرها الناتجة عن الإغلاق الكامل للمنشآت النفطية، منذ الثامن عشر من كانون الثاني (يناير) الماضي وحتى مطلع أيلول (سبتمبر) الجاري، والتي قاربت على 10 مليارات دولار.

اقرأ أيضاً: السراج إلى تركيا.. هذه دلالات الزيارة

وفي الوقت نفسه؛ تدور رحى المباحثات بين الفرقاء السياسيين في المغرب، التي تستقبل للمرة الثانية اتفاق الصخيرات الثاني، بعد إبرام الأول في كانون الأول (ديسمبر) 2015، وتأتي هذه المشاورات بعد إعلان مجلس النواب الليبي شرق البلاد، الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي جديد يتكوّن من رئيس ونائبَين، علاوة على تشكيل حكومة جديدة تكون المحاصصة فيها، بحسب التقسيم العثماني لليبيا، الأقاليم الثلاث، موضحاً أنّ الاتفاق سيُستبدل فيه قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، بعبد الرزاق الناظوري، ويستبدل فيه السراج، بعقيلة صالح.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية