الذكاء الاصطناعي.. هل هو تكنولوجيا فاضلة أم أداة لتعزيز التطرف والإرهاب؟

الذكاء الاصطناعي.. هل هو تكنولوجيا فاضلة أم أداة لتعزيز التطرف والإرهاب؟

الذكاء الاصطناعي.. هل هو تكنولوجيا فاضلة أم أداة لتعزيز التطرف والإرهاب؟


04/04/2024

أسهم التطور السريع في القدرات التكنولوجية، وتطور الخوارزميات، وانتشار البيانات الضخمة (Big Data)، واتساع البعد التجاري والاستثماري لهذه التقنيات، في تطور الذكاء الاصطناعي وزيادة الاهتمام العالمي به. 

لكن وبالرغم من أنّ الذكاء الاصطناعي يقدم إيجابيات كثيرة في مختلف مجالات الحياة؛ ولاسيما في مواجهة التطرف والإرهاب، فإنّ المخاوف تزداد بشأن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحفيز ظواهر التطرف والعنف في العالم. 

فالذكاء الاصطناعي بكل ما يقدمه من فرص لدعم الأمن الإنساني، نعمة لا تخلو من مخاطر وتحديات مصاحبة لها، وهو ما استوجب دراسة نشرها مركز "ترندز للبحوث والاستشارات" بعنوان " الذكاء الاصطناعي بين التكنولوجيا الفاضلة وتعزيز التطرف والإرهاب"، لفحص استخدام الذكاء الاصطناعي بوصفه أداةً قابلة للتوظيف في تعزيز التطرف والإرهاب، وكذلك في مكافحتهما. 

خصائص وإمكانيات الذكاء الاصطناعي (الإيجابيات والسلبيات)

أكدت الدراسة أنّ الذكاء الاصطناعي يقدم إيجابيات كثيرة في مختلف مجالات الحياة؛ فالذكاء الاصطناعي قد يسهم في حل المشكلات التقليدية التي تواجهها ثلاثية التنمية (التعليم والصحة والاقتصاد)؛ ولاسيما في الدول النامية.

ويمكن النظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنّه عامل مضاعف للقوة، ومن ثم للقدرات المادية للدول، خاصة في عدد من المجالات التي تعتمد على التقنيات المتطورة، بما في ذلك الفضاء السيبراني والأنظمة المستقلة والروبوتات، والصواريخ الموجهة. 

المخاوف تزداد بشأن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تحفيز ظواهر التطرف

ولا يقتصر أثر التقدم التكنولوجي في هذا الإطار على القطاع العسكري أو الأمني، بل يمتد إلى قطاعات أخرى مثل الصحة، والصناعة، والتسويق، والتعليم، والرياضة، من خلال تنويع القدرات التي يتيحها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يُترجَم إلى تنامي القدرات الاقتصادية للدول والكيانات التي تمتلك تلك التقنيات ويمكن استعراض المجالات التي يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في رفع قدرتها الفنية في المجالات العسكري والاقتصادية والاجتماعية.

وبالرغم من المزايا العديدة لاستخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي سبق استعراضها في المجالات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، فإنّها في الوقت نفسه تتضمن العديد من المخاطر والتداعيات.

 

بالرغم من المزايا العديدة لاستخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي سبق استعراضها في المجالات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية فإنّها في الوقت نفسه تتضمن العديد من المخاطر والتداعيات

 

ففي المجال العسكري، استفادت جماعات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية من التطبيقات المختلفة للذكاء الاصطناعي وتوظيفها لأغراض إجرامية. ولعل إقدام تنظيم “داعش” الإرهابي على تطوير المسيرات (الدرونز) واستخدامها في حمل متفجرات هو دليل واضح في هذا الإطار.

وبالمثل، يمكن للجماعات الإرهابية استخدام السيارات المُسيرة من أجل تنفيذ حوادث دهس للمدنيين، ومن ثم تحويل تقنية الذكاء الاصطناعي المدنية إلى قدرات عسكرية، الأمر الذي قد يهدد الأمن القومي.

أما اقتصاديًّا، فيحذر تيار قوي من العلماء على مستوى العالم من أن التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وعلى الأخص التعلم الآلي والخوارزميات، قد يشكل تهديدًا للوجود البشري في المستقبل من خلال نجاحها المحتمل في تطوير قدراتها الذاتية في تطبيقاتها المختلفة على الأنشطة الاقتصادية من دون أن يتماشى ذلك مع الأهداف الموضوعة لها من قبل البشر.

 وهذا يعني، بحسب الدراسة، أنّها سوف تعمل في بعض الأحيان بطرق غير متوقعة أو خارجة عن سيطرة البشر، ما يمثّل تحديًّا جوهريًّا لأمن وسلامة الأفراد والمؤسسات.

وعلى المستوى الاجتماعي، يدفع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى تقليص الاعتماد على العمالة البشرية؛ خاصةً أنّ الروبوتات باتت تمتلك القدرات على إنجاز الأعمال التي كان يُنظر إليها فيما سبق على أنّها مجال محجوز للبشر، الأمر الذي يؤدي إلى رفض هذه التقنيات. 

فضلاً عن ظهور اختلال واضح في توزيع الدخل، نظرًا إلى أنّ الذكاء الاصطناعي سوف يؤدي إلى ازدياد الطلب على العمالة الماهرة القادرة على التعامل مع هذه التكنولوجيا، الأمر الذي سيقلل الطلب على العمالة غير الماهرة، ما يؤدي إلى تفاوت في الدخول بين القوى العاملة في العديد من الدول، ويعمّق ظاهرة عدم المساواة بين مجموعات مختلفة من العمال.

الذكاء الاصطناعي في التطرف والإرهاب

الدراسة أكدت أنّه بدأ بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي بواسطة جماعات إرهابية، مثل استخدام تنظيم “داعش” طائرات مُسيرة ذكية، وكذلك محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس فنزويلا “نيكولاس مادورو” في 2018 باستخدام المُسيرات. 

كما طور تنظيم داعش “درونز” واستخدمها في نقل متفجرات. وبالمثل، يمكن للجماعات الإرهابية استخدام السيارات المُسيرة في تنفيذ حوادث دهس للمدنيين، ومن ثم تحويل تقنية الذكاء الاصطناعي إلى قدرة عسكرية، ما قد يهدد الأمن والاستقرار الدوليين.

 

بين مكافحة التنظيمات الإرهابية من جانب الدول باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ورد فعل هذه التنظيمات باستخدام التقنيات نفسها يحدث ما يسمى عسكرة الذكاء الاصطناعي

 

هذا ومن الممكن أن تخترق الجماعات الإرهابية الأنظمة الأمنية والدفاعية للدول عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث أنّ جميع المنظومات الإلكترونية التي تعمل على نطاق شبكي أو تتفاعل مع بيئات إلكترونية مناظرة، من الممكن أن تكون عرضة دائمًا للاختراق من خلال مخارج البيانات المتبادلة ومداخلها، إضافة إلى وجود قابلية دائمًا لزرع برمجيات خبيثة، سواءً للتجسس أو للتخريب. لذا، تستطيع الجماعات الإرهابية أن تُعدّل البرمجيات الأصلية؛ سواءً بنسخ البيانات أو التحكم في المخرجات بما يتوافق مع أغراض تلك الجماعات.

ولفت الدراسة أيضاً إلى أنّ هذه الأسلحة قد استُخدمت بالفعل، حيث استخدمت جماعات مسلحة في سوريا سربًا من عشرات الطائرات من دون طيار “درونز” على قاعدة حميميم العسكرية الروسية في محافظة اللاذقية غرب سوريا، في حين هجم سرب آخر مكون من ثلاثة “درونز” على قاعدة طرطوس البحرية الروسية في 5 يناير 2018.

 بينما تُستخدم المُسيرات بشكل مستمر بواسطة أنصار الله الحوثيين في الهجوم على مصالح حيوية وأهداف عسكرية ومدنية بالمملكة العربية السعودية، كما استُخدم زورق ذاتي القيادة لاستهداف مصفاة نفط خاصة بشركة “أرامكو” السعودية على ساحل البحر الأحمر. ويوضح هذا أن التنظيمات الإرهابية تتطلع إلى استخدام أي شكل من أشكال التكنولوجيا المتاحة لتعزيز وسائلها.

دور الذكاء الاصطناعي في مكافحة الإرهاب والتطرف

هذا ويُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا في مكافحة الدعاية الإرهابية وإغلاق المحتوى الإرهابي على منصات التواصل الاجتماعي؛ إذ يستخدم عملاق وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك) تقنيات مطابقة الصور بالذكاء الاصطناعي لتحديد الصور ومقاطع الفيديو التي نشرها إرهابيون معروفون، ومنع هذه الصور من الظهور في أي مكان آخر.

الدول تسعى إلى امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي لمضاعفة قوتها

وقد استخدم فيسبوك أيضًا خوارزميات التعلم الأولي لاكتشاف أنماط الدعاية الإرهابية، ما سمح بإزالة هذه المواد بشكل أسرع، ومن ثمّ تعطيل انتشار المعلومات والأيديولوجية الإرهابية. كما يمكن لفيسبوك استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لإنشاء قاعدة بيانات تحدد البصمات الرقمية للمنظمات الإرهابية.

ووفقاً للدراسة فإنّ الذكاء الاصطناعي يساعد، كذلك، على معرفة وتحديد نوعية الأشخاص القابلين للتأثر بأفكار متطرفة، أي المستهدفين المحتملين سواءً للجماعات المتطرفة فكريًّا، أو التنظيمات الإرهابية، وبالتالي يمكن حصر أفراد معينين يمكن تصنيفهم كمتطرفين أو إرهابيين محتملين.

كما تسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحديد الجماعة أو الطرف أو الشخص المتورط في العمل الإرهابي، سواءً بالتنفيذ أو بالتخطيط. يجري ذلك عن طريق تحليل المعطيات الخاصة بالعمليات محل التحري، مثل: نوع العملية، والمكان، ونوع السلاح، والهدف، ومطابقة المعلومات مع التاريخ السابق للجماعات أو الأفراد المشتبه بهم، وذلك باستخدام معايير محددة للتصفية والترتيب.

مستقبل الذكاء الاصطناعي 

ذكرت الدراسة أنّ الدول تسعى إلى امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي لمضاعفة قوتها، الأمر الذي يتوافق مع تركيز المدرسة الواقعية على الدول بصفتها فواعل رئيسية، وعلى محورية تحقيق الأمن وامتلاك القدرات المادية، فهذه المدرسة تعدّ التكنولوجيا من القدرات المادية للدول، وعلى وجه الخصوص استخدام التطور التكنولوجي في المجال العسكري، وأيضًا في مكافحة الإرهاب.

ومن ناحية أخرى، يسعى الفاعلون من غير الدول إلى امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضًا لكي تكافئ قوتهم قوة الدول.

وبين مكافحة التنظيمات الإرهابية من جانب الدول باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ورد فعل هذه التنظيمات باستخدام التقنيات نفسها، يحدث ما يسمى عسكرة الذكاء الاصطناعي وحصره في الاستخدامات العسكرية فحسب، بدلًا من الاستفادة من هذه التقنيات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. بجانب استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي عسكريًّا، ينبغي عدم تجاهل استخدامه في المجالات الأخرى.

إلى ذلك، تسعى المنظمات الإرهابية إلى امتلاك هذه التقنية التي تتوافق مع احتياجاتها وحوافزها ودوافعها. إن أحد أصعب الأمور التي يجب مواجهتها عندما يتعلق الأمر بالهجمات الإرهابية هو استعداد العناصر الإرهابية للتضحية بحياتهم من أجل قضيتهم.

وقد أظهرت السنوات الأخيرة أن هجمات الإرهابيين الانتحارية ناجحة إلى حدٍ كبير، ما يشعرهم بالنصر ويزيد من تأثيرهم. كما يوجد سيناريو آخر وهو أسراب الطائرات من دون طيار، التي يمكن استخدامها بواسطة أي حكومة أو جهة مجهولة من أجل قتل المدنيين




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية