
يعمل الذباب الإلكتروني، وهو نوع من الحسابات الافتراضية يتم تشغيلها بوساطة روبوتات أو برامج مصممة على وسائل التواصل الاجتماعي، أي مستخدمين حقيقيين، يعمل لتفجير العلاقة بين السعودية ومصر، ومصر والإمارات، والإمارات وكلتا الدولتين، وتبادل الشتائم بين المواطنين عن طريق تزييف الحقائق، وفق استراتيجية الإلهاء وتضليل الرأي العام.
الذباب الإلكتروني البرامجي:
الذباب الإلكتروني عبارة عن حسابات وهمية تدار عن طريق برمجيات ومواقع تقوم بكتابة التعليقات والإعجاب وإعادة التغريد تلقائياً، وهو يكثر على موقع التدوينات القصيرة (X)؛ لما له من رواج كبير في الخليج، حيث يقوم ببرمجة منشورات وتعليقات تعمل بشكل آلي هدفها الأساسي الفتنة بين الدول العربية، عن طريق تكرار المحتوى حتى تدخل في لاوعي المتلقي وتصبح مؤثرة عليه.
ويعمل الذباب الإلكتروني عن طريق حسابات مزيفة أو مجهولة الهوية، تستخدم أسماء مستعارة وصورًا غير حقيقية، والنشر المكثف والسريع عن قضية محددة، وفي الأغلب تكون متوافقة مع الأهداف الاستراتيجية لجماعة الإخوان ومموليهم.
ويتم عبر هذه الطريقة الآلية نشر التعليقات بكميات كبيرة في وقت قصير، وكذا يتم نسخ ولصق العبارات أو الهاشتاجات نفسها، ثم يتمّ إلكترونيًا تكثيف الإعجابات والتعليقات لخلق وهم الدعم الشعبي.
بهذه الطريقة فالذباب الإلكتروني هو نوع من (التزييف العميق)، وهي برامج تعمل على تزوير الوثائق وتزييف الدعاية وتغيير المحتوى الصوتي، وإنشاء محتوى مرئي مضلل، وصناعة هويات مزورة، وانتحال صفة بعض الشخصيات البشرية، عن طريق الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يُستخدم لتوليد محتوى ونصوص وصور ومقاطع صوتية ومقاطع فيديو ومحاكاة متعددة الوظائف، وهو يعمل باستخدام كميات كبيرة من مجموعات البيانات والمعلومات المستوحاة من الاتصالات داخل الدماغ البشري، ومنها برامج الدردشة النصية أو البرامج المصممة لمحاكاة المحادثات مع البشر، مثل Claude من Anthropic، وBing Chat، وChat GPT، وGoogle Gemini، ومنشئ الصور أو الفيديو مثل Bing Image Creator، ومولدات الصوت مثل Microsoft VALL-E، وهذا ما تستخدمه المنظمات الإرهابية التي ترى في ذلك فرصة لتوسيع نطاق دعايتها وزيادة نفوذها عن طريق هذه البرامج.
كما أنّه إلكترونيًا يمكن نشر الدعاية بسهولة أكبر عن طريق استخدام الصور أو مقاطع الفيديو أو الصوت الاصطناعية (المزيفة) وتوليد واقع زائف، ثم الانتقال إلى التجنيد التفاعلي، فالتكنولوجيا المتقدمة مثل LLMs ومثل Chat GPT، تمكّن مصنعي الذباب الإلكتروني من توفير تجربة شبيهة بالإنسان حتى بدون تدخل أيّ بشر، وتجعل لديه القدرة على بناء علاقات شخصية، وخاصة الوصول إلى الجهات الفاعلة المنفردة التي قد تكون متعاطفة مع قضيته، أو لديها نقاط ضعف يمكن استغلالها من خلال التفاعل المكثف مع مثل هذه الروبوتات.
ويعمل الذباب الإلكتروني على صناعة الترند (Trend) عن طريق تكثيف التداول والتعليقات حول الأحداث السياسية والاجتماعية، ويمكن أن يتم ذلك بطريقة آلية تكنولوجية، أو عبر الكتائب الإلكترونية، عن طريق عدد من الحسابات التي تقوم بتكرار نشر تغريدات وإغراق مواقع التواصل بمحتوى وأفكار معارضة ليتفوق على الأصلي.
الذباب الإلكتروني ليس برامجيًا فقط:
يقول الباحث علي جبير في دراسة بحثية: إنّ الذباب الإلكتروني يمكن أن يكون مجموعة من الأشخاص الذين يتم تجنيدهم للتأثير في الرأي العام عبر عدد كبير من الحسابات الوهمية، ويتم ذلك عن طريق كتابة عدد كبير من التغريدات والمنشورات والوسوم بشكل مكثف لتصبح ذات شهرة، ويمكن لهؤلاء الأفراد أن يحولوا أيّ قضية إلى حديث الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي بتصدير الوسم والهاشتاج.
ويعمل الذباب الإلكتروني عن طريق الأشخاص، وفق الباحث، على صناعة رأي عام عن طريق إعادة نشر التغريدات في العالم الافتراضي بصورة كبيرة ومتكررة، حتى تصل إلى مرحلة أنّها تصبح رأيًا عامًا في المجتمع ثم التأثير عليه، من أجل نشر الفتن وتفكيك الوحدة العربية.
وتقوم اللجان الإلكترونية التي تعمل كذباب بتجنيد أشخاص من ذوي التأثير العالي مثل رجال الدين، وبعض الإعلاميين والأكاديميين والرياضيين، الذين لديهم الآلاف من المتابعين، وأحيانًا تستخدم تعليقًا عن طريق حساب شخصية حقيقية أو موثقة موالية حتى تعطي مصداقية للمنشور، ثم تقوم بدعمه ورفع مستوى التفاعل فيه بإبداء الإعجاب والترويج له في أكبر عدد ممكن من المواقع ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي دراسة نشرها الإعلامي فالح الذبياني، فإنّ السعودية ومصر والإمارات تصدرت قائمة الأخبار التحريضية، وإنّ أخطر ما يقوم به الذباب هو استخدامه استراتيجية الإلهاء ومحاولة توجيه الرأي العام، واللعب على مشاعر وعواطف الناس، وذلك من خلال حسابات تظنها للوهلة الأولى أنّها لمواطنين سعوديين أو مصريين، لكنّها في حقيقتها حسابات مبرمجة تستخدم معرفات سعودية أو مصرية أو إماراتية.
وبمتابعة نشاطات الذباب الإلكتروني في الفترة الأخيرة، سنجد أنّها استخدمت أحداث غزة بشكل مكثف لإثارة الفتنة، وكل الهاشتاجات المعادية تتأرجح ضمن دعم جماعة الإخوان لكن بوجه ليبرالي، أو الهجوم بشكل يبدو كأنّه معارضة داخلية في الدول العربية.
الخطورة الآن تكمن في الذكاء الاصطناعي التوليدي، وكيف أنّ لديه القدرة على توليد محتوى غير مناسب للمواطنين، والقيام بمحادثة آليّة معهم عن طريق صناعة شخصيات إلكترونية ثم (النشر الخوارزمي)، وهي برامج تعمل الروبوتات والخوارزميات من خلالها لنشر الدعاية عبر منصات مختلفة، وكذلك (التخصيص والإقناع) لجعل المحتوى المتطرف أكثر إقناعًا، ثم (تهديدات الأمن السيبراني المعززة) من خلال تحديد نقاط الضعف في الأنظمة والشبكات عبر الإنترنت بسرعة ودقة، وتطوير استراتيجيات أكثر تعقيدًا للهجوم الإلكتروني.
الخلاصة، أنّ المعادين للوحدة العربية يقومون باستخدام الذباب الإلكتروني في الدعاية والتشويه وإدارة المحتوى والتجنيد التفاعلي، والدعاية المكثفة، والتضليل، والعمليات الحربية على الإنترنت، وهو ما يستلزم الوعي بهذه المخاطر وأهدافها وتكتيكاتها التكنولوجية الحديثة.