
برزت إلى السطح خلال الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة تستهدف شباب اليمن، وتستغل الظروف الاقتصادية التي يمرون بها من خلال تجنيدهم للقتال خارج حدودها، في حروب لا تعنيهم، وعبر صفقات أقرب إلى عملية الاتجار بالبشر.
ونشرت عدة وسائل إعلامية يمنية تقارير تكشف عن شركة في سلطنة عُمان تجند شباباً يمنيين للقتال في حرب روسيا وأوكرانيا.
وحسب التقرير الذي نقلته قناة (سهيل)، فإنّ عملية التجنيد تقدم إغراءات للشباب في محافظة تعز الخاضعة لإدارة حزب (الإصلاح) "ذراع الإخوان المسلمين في اليمن"، وتصل الرواتب المقترحة إلى (3) آلاف دولار، وتحصل أسرة من يُقتل على (50) ألف دولار.
وسائل إعلامية يمنية تنشر تقارير تكشف عن شركة في سلطنة عُمان تجند شباباً يمنيين للقتال في حرب روسيا وأوكرانيا.
واستنكر التقرير عملية التجنيد التي تستغل بطالة الشباب، وتدفع بهم إلى جحيم الحرب، في عقود غير رسمية وبطرق استقطاب خبيثة.
وعرض التقرير تسجيلات صوتية توضح عملية التجنيد والمغريات المستخدمة، إضافة إلى الآليات المتبعة، بداية من أماكن وجودهم في تعز وغيرها وصولاً إلى مواقع محددة، وتلقيهم تدريبات في الغابات الأوكرانية والروسية ثم إقحامهم في الحرب.
تقارير وتسجيلات صوتية توضح عملية التجنيد والمغريات المستخدمة، إضافة إلى الآليات المتبعة بداية من أماكن وجودهم في تعز، وصولاً إلى الغابات الأوكرانية والروسية.
وفي السياق نقل موقع (المجهر) اليمني عن مصادر محلية أنّ العشرات من الشباب في المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها غادروا منذ مطلع آب (أغسطس) الجاري على دفعات، بعد تجنيدهم للقتال في روسيا من قبل وسطاء محليين في اليمن وسلطنة عُمان.
وبحسب (المجهر)، فإنّ وسطاء محليين، أو ما يُطلق عليهم "سماسرة"، يقومون باستقطاب مئات الشباب في المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها، بعد إقناعهم بالحصول على مبلغ (3) آلاف دولار شهرياً مقابل تجنيدهم لصالح روسيا، ويتلقى المجندون وعوداً بمنحهم الجنسية حال وصولهم إلى هناك".
ويضيف مصدر، فضل عدم الكشف عن اسمه، أنّ العملية تتم من خلال تسجيل أسماء الشباب في كشوفات، وعند وصول الموافقة من الوسطاء في سلطنة عُ/node/8695مان يدفع كل شخص يرغب بالذهاب للتجنيد في روسيا مبلغ (200) دولار للسمسار.
وسطاء محليون، أو ما يُطلق عليهم "سماسرة"، يقومون باستقطاب مئات الشباب في المحافظات الواقعة ضمن نفوذ الحكومة بإغرائهم برواتب تتجاوز الـ (3) آلاف دولار.
ويشير إلى أنّ من غادروا تم إيهامهم بأنّهم سيعملون ضمن الأمن الروسي الداخلي، على أن يتلقى كل مجند منهم (10) آلاف دولار لحظة وصوله، منها (3) آلاف للشركة الوسيطة في سلطنة عُمان، ويحتفظ المجند بالمبلغ المتبقي.
ويعبّر المصدر عن خيبة أمله من توسع هذا النشاط قائلاً: "السماسرة يستغلون الظروف المعيشية للشباب، ويسوقونهم إلى المحرقة في أوكرانيا من خلال بيعهم الوهم، هذه جريمة اتجار بالبشر، ولا بدّ من إيقافها قبل استنزاف شبابنا".
ويؤكد أنّه "لا بدّ من قرار صارم تتخذه السلطات الحكومية، يرافقه اتخاذ ما يلزم من الإجراءات القانونية بحق كافة المتورطين بهذا النشاط المشبوه، لكي لا يصبح ظاهرة يتحمل الجميع تبعاتها الخطيرة".
من غادروا تم إيهامهم بأنّهم سيعملون ضمن الأمن الروسي الداخلي، على أن يتلقى كل مجند منهم (10) آلاف دولار.
ونشر الموقع أدلة دامغة تثبت وصول شباب يمنيين إلى معسكرات في روسيا، بالإضافة إلى صور لتأشيرة السفر والعقد الموقع بين الشركة الوسيطة في سلطنة عُمان والمجند، الأمر الذي يكشف خطورة هذا النشاط المثير للشكوك والتساؤلات.
ويتضمن العقد الموقع من قبل المجند توكيلاً كاملاً للشركة للقيام مقامه أمام كل الجهات الرسمية وغير الرسمية، وما يخصه من معاملات التوظيف في الدولة الروسية، سواء في المجال العسكري أو الأمني أو المدني.
كما تلتزم الشركة الوسيطة بـ "متابعة كافة الحقوق والامتيازات للطرف الثاني وفقاً لما يتمتع به أيّ مواطن وفق القانون الروسي"، دون أن يتضمن بنوداً أخرى حول ما إذا تعرّض المجند للقتل أو المهام التي سيكلف بها.
موقع (المجهر) نشر صورة التُقطت داخل أحد مخيمات التجنيد التابعة للجيش الروسي، يظهر (5) شبّان يمنيين يرتدون زياً عسكرياً ويحملون السلاح.
وتُظهر الصورة التي التُقطت في 16 آب (أغسطس) الماضي داخل أحد مخيمات التجنيد التابعة للجيش الروسي (5) شبان يمنيين يرتدون زيّاً عسكريّاً ويحملون السلاح، (2) منهم لا يضعان أقنعة الوجه.
ومن خلال التعرف على شابين منهم تبين أنّهما من مدينة تعز، وآخر تواجد لهما كان في العاصمة العُمانية مسقط في صورة جمعتهما وتمّ نشرها على منصة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) في التاسع من الشهر الماضي، وبفارق زمني مدّته أسبوع بين الصورتين.
مصادر مقربة من الشابين أفادت أنّ أسرتيهما تعتقدان أنّهما في سلطنة عُمان لغرض العمل، وقد استبعدت المصادر أن تكون الأسرتان على دراية بذهابهما إلى روسيا لغرض التجنيد.
مصدر أمني في وزارة الداخلية بالحكومة المعترف بها أفاد بأنّه من خلال تتبع الأجهزة الأمنية في المناطق والمحافظات المحررة لقضية استقطاب الشباب وتجنيدهم في روسيا، تبين من خلال البحث والتحري وقوف جماعة الحوثي الإرهابية خلف هذا "النشاط المشبوه"، بالتعاون مع شخصيات في مناطق هيمنة الإخوان المسلمين.
وأكد المصدر أنّ الأجهزة الأمنية الحكومية تستشعر خطورة نشاط استقطاب وتجنيد الشباب خارج حدود البلاد، ووجهت الوحدات التابعة لها بالتحرك العاجل في الأماكن التي تنشط فيها مثل هذه الأعمال، لافتاً إلى ضبط عدد من المتورطين في محافظة تعز.
وأضاف: "رغم هذه الجهود والتحركات الأمنية للحد من هذه الظاهرة، إلا أنّ هناك كثافة في الإقبال، وهذا يعود إلى الوضع المعيشي والاقتصادي والإغراءات التي يقدمها السماسرة للشباب".
وأشار المصدر إلى أنّ المعلومات الواردة من مناطق سيطرة الحوثيين تفيد بأنّ هناك شباباً غادروا أيضاً إلى الوجهة نفسها وللغرض نفسه، وهو ما يكشف تورط الحوثيين في هذه العملية التي أقلّ ما توصف به أنّها "اتجار بالبشر".
وأكد المصدر أنّ الأجهزة الأمنية تواصل تتبع المتورطين في استقطاب الشباب لضبطهم وإحالتهم إلى الجهات القانونية.
هذا، ووصف أحد الشباب اليمنيين الواصلين إلى أوكرانيا ما يحدث هناك بـ "المحرقة"، موضحاً أنّه تمّ نقلهم إلى صحراء في أوكرانيا، إلى داخل مخيمات التدريب التابعة للجيش الروسي، وبعد فترة بسيطة تمّت مصادرة وثائق وهواتف البعض، ولم يتسلموا أيّ مبالغ، وقد فُرضت عليهم مراقبة مشددة.
وقال الشاب في رسالة أرسلها قبل مصادرة هاتفه الذي تمكن من إخفائه بعض الوقت: "والله إننا في محرقة، ولا نستطيع أن نعمل أيّ شي، ولا نتواصل، ولم يعطونا حتى ريال واحد، وإنّ الكلام الذي وعدونا به في بداية الأمر كذب في كذب، لا رواتب ولا أيّ شيء".
وصف أحد الشباب اليمنيين الواصلين إلى أوكرانيا ما يحدث هناك بـ "المحرقة"، موضحاً أنّهم تم نقلهم إلى صحراء في أوكرانيا، إلى داخل مخيمات التدريب التابعة للجيش الروسي.
ويؤكد الشاب تعرضهم للاحتيال والخداع، قائلاً: "نحن ضحايا سماسرة لا يخافون الله، احتالوا علينا، صدقنا كلامهم، وأخذونا إلى المحرقة، فلا ندري أين نحن، ولا يُسمح لنا بالتواصل أو النقاش أو المطالبة بأيّ شيء".
وفي الإطار ذاته أبدت السلطات الحكومية مخاوف من استغلال جماعة الحوثيين لهذا النشاط بنقل بعض المجندين إلى إيران لغرض إلحاقهم بدورات طائفية، ومن ثم إعادتهم لتنفيذ أجندة طهران في اليمن.
وأكدت مصادر مطلعة لـ (المجهر) قيام جماعة الحوثيين بالفعل بنقل مجندين إلى إيران على هامش التجنيد في روسيا، وهو ما رجحت المصادر أنّه قد يكون بمثابة غطاء لحشد مقاتلين موالين لها لتلقي تدريبات طائفية في طهران.
عبد السلام محمد: يجب أن تبادر الحكومة اليمنية إلى فتح تحقيق واسع حول عمليات التجنيد غير المشروعة لليمنيين للقتال في حرب كلٍّ من روسيا والسودان.
وكان رئيس مركز (أبعاد للدراسات الاستراتيجية) عبد السلام محمد قد قال في تصريح سابق: "يجب أن تبادر الحكومة اليمنية إلى فتح تحقيق واسع حول عمليات التجنيد غير المشروعة من قبل ميليشيات ولوبيات وشركات لتجنيد يمنيين للقتال في الخارج، وخاصة استقطاب الشباب للقتال في حرب كلٍّ من روسيا والسودان"، وفق ما نقل موقع (المشهد اليمني).
يُذكر أنّ الشباب اليمني يمثل الشريحة الكبرى في التركيبة السكانية لليمن، البلد الذي يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وتدخل فيه الحرب عامها العاشر، وهي الفئة الأكثر عرضة للمخاطر والاستغلال في ظل ارتفاع نسبة البطالة والفقر والعوز بفعل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.