الحوثيون اختبار لأوروبا.. فهل تنهض لحماية مصالحها؟

الحوثيون اختبار لأوروبا.. فهل تنهض لحماية مصالحها؟

الحوثيون اختبار لأوروبا.. فهل تنهض لحماية مصالحها؟


15/04/2025

طارق العليان

رأى تشاد كونكل، زميل في برنامج مارسيلوس للسياسات بجمعية جون كوينسي آدمز، أن على أوروبا أن تضطلع بدور أكبر في البحر الأحمر، إلى جانب مشاركتها في الحرب بأوكرانيا، وذلك لمواجهة التهديدات المتزايدة التي تشكلها جماعة الحوثيين على التجارة الدولية. 

وقال الكاتب في مقاله بموقع مجلة "ناشونال إنترست" إن هذا الدور ضروري في ضوء التغيرات الاستراتيجية التي تنتهجها الولايات المتحدة، خاصة إدارة ترامب، والتي تسعى إلى تقليص تدخلها العسكري في مناطق لم تعد أولوية أمريكية، وعلى رأسها الشرق الأوسط.

حرب تجارية وحرب بحرية

في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعريفات جمركية شاملة ضد شركاء تجاريين دوليين، استمرت إدارته في دعم التجارة الدولية عبر عمليات عسكرية في البحر الأحمر لردع هجمات الحوثيين

هذا التناقض، بحسب كونكل، يسلط الضوء على تضارب استراتيجي داخل إدارة ترامب: كيف يمكن لحكومة تسعى للانفصال عن التجارة العالمية أن تنخرط عسكرياً في حمايتها؟

ردع الحوثيين: هدفٌ مكلف 

أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث استمرار العمليات العسكرية حتى يوقف الحوثيون هجماتهم على السفن الدولية.

لكن هذه الحملة، رغم إعلان هدفها بحماية التجارة العالمية، تتناقض مع سياسة تقليص الوجود العسكري الأمريكي، وتبدو مكلفة وغير مضمونة النجاح. فقد أثبت الحوثيون قدرتهم على الصمود أمام الحملات الجوية، ولا تزال هجماتهم مستمرة رغم الضربات التي تلقوها.

استنزاف موارد استراتيجية

وخصصت الولايات المتحدة ما يقارب 5 مليارات دولار لحماية الملاحة في البحر الأحمر، لكنها لم تنجح في استعادة الردع، خصوصاً خلال إدارة بايدن السابقة.

كما تستنزف هذه العمليات ذخائر وأسلحة ثمينة، مثل طائرات MQ-9 Reaper التي تبلغ قيمة الواحدة منها أكثر من 30 مليون دولار، وهي موارد مطلوبة في جبهات أكثر أهمية مثل المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين.

ورغم أن أوروبا تعتمد بشكل كبير على البحر الأحمر في تجارتها مع آسيا (حيث تمر 40% من تجارة أوروبا عبر هذا الممر)، فإن رد فعلها على تهديدات الحوثيين كان محدوداً. 
وأشار كونكل إلى أن أوروبا عليها أن تتحمل مسؤوليتها في تأمين طرق التجارة التي تعتمد عليها، بدلاً من الاعتماد الدائم على الولايات المتحدة.

دروس من التاريخ

ولفت الكاتب النظر إلى تجربة أزمة السويس عام 1956، حين ضغطت واشنطن على بريطانيا وفرنسا للانسحاب، مما أدى إلى تراجع نفوذهما في الشرق الأوسط.

واليوم، في إطار ما يسميه "خطة أيزنهاور المعكوسة"، يرى أن الوقت قد حان لاستعادة الدور الأوروبي، لكن هذه المرة لحماية مصالحهم الاقتصادية الحيوية، مثل تأمين قناة السويس والبحر الأحمر.

وتابع الكاتب "ليست أوروبا وحدها المعنية، بل أيضاً الدول العربية الإقليمية، وعلى رأسها مصر، التي تعتمد اقتصادياً على قناة السويس. استمرار الهجمات يهدد عائداتها من المرور الملاحي، ما يستدعي أن تشارك هذه الدول بدور عسكري أو دبلوماسي أكثر فاعلية في مواجهة الحوثيين وتأمين الاستقرار الإقليمي".

خصم مرن يهدد الردع 

رغم الجهود الأمريكية، أظهرت جماعة الحوثيين قدرتها على استيعاب الضربات الجوية واستمرار عملياتها. حتى في حال نجاح الولايات المتحدة في فرض تهدئة مؤقتة، فلا ضمان لاستمرارية الردع، إذ يمكن للجماعة أن تعود للهجمات متى سنحت لها الفرصة.

ويؤكد كونكل أن غياب حل دبلوماسي أو حملة شاملة طويلة الأمد سيجعل من ردع الحوثيين أمراً مستحيلاً دون شراكات دولية فعالة.

وأوضح الكاتب أن استمرار اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في تأمين مصالحها الاقتصادية أصبح غير مبرر، خاصة في ظل التوترات التجارية الحالية، فلا يعقل أن تتحمل واشنطن تكاليف حماية طرق تجارية للدول التي تستهدفها بسياسات جمركية عدائية، لذا يجب على الأوروبيين أن يتصرفوا كقوى مستقلة تحمي مصالحها، بدلاً من الارتكان إلى الغطاء الأمريكي.

تحرير أمريكا  من الشرق الأوسط

وقال الكاتب إن الحملة الأمريكية في البحر الأحمر تناقض هدف ترامب المعلن بخفض الانتشار الأمريكي عالمياً، خاصة في مناطق لم تعد ذات أولوية استراتيجية. 

ولهذا دعا الكاتب إلى أن يكون "يوم التحرير" الحقيقي هو اليوم الذي تتحرر فيه أمريكا من التورط في صراعات الشرق الأوسط، ويبدأ فيه الحلفاء، خصوصاً الأوروبيين، بتحمل مسؤولياتهم.

وشدد كونكل على أن تكثيف الجهود الأوروبية لردع الحوثيين لم يعد خياراً بل ضرورة، فالقارة العجوز تعتمد بشكل كبير على استقرار البحر الأحمر، ولا يمكنها أن تواصل الاعتماد على الدعم الأمريكي في ظل التوجهات الجديدة في واشنطن. 

واختتم الكاتب مقاله بالقول إن تحمُّل أوروبا لهذا الدور سيُسهم في حماية التجارة العالمية، وتقليل الأعباء عن الولايات المتحدة، وتحقيق توازن استراتيجي جديد في المنطقة.

موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية