الحرب في أوكرانيا: الدبابات تهزم المفاوضات

الحرب في أوكرانيا: الدبابات تهزم المفاوضات


17/04/2022

رغم تأكيد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مؤخراً، أنّ بلاده "ما تزال مستعدة" لإجراء مفاوضات مع روسيا، والتي توقفت على خلفية أحداث بوتشا، شمال كييف، واكتشاف جثث لمدنيين، الأمر الذي وصفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأنّه يرقى إلى كونه "جريمة حرب"، واعتباره أنّ القوات الروسية تقوم بعمليات "إبادة جماعية"، فإنّ احتمالات نجاح المسار التفاوضي تتراجع، بحسب مراقبين تحدثوا لـ "حفريات"، خاصة في ظلّ القضايا الأخرى العالقة والمأزومة، منها وضع شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، فضلاً عن تنامي الأوضاع الميدانية العسكرية.

المفاوضات ونهاية الحرب

ويرى الدكتور مايكل مورغان، الباحث السياسي في مركز لندن للدراسات السياسية، أنّ الأمل بشأن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار والتوصل للتسوية السياسية "يضعف اليوم تلو الآخر"، لا سيما بعد زيادة الهجمات الروسية على المنشآت الحيوية والطبية في كييف، مما يصعب المهمة على المفاوضين.

وفي ظلّ المقاومة الأوكرانية العنيفة، فإنّ مهام بوتين الإستراتيجية تتضاءل، وفق مورغان الذي عبّر لـ "حفريات"، عن مخاوفه من أن يعطل ذلك المفاوضات ويعيقها؛ حيث إنّ الرئيس الروسي سوف يسعى إلى إطالة أمد العمليات العسكرية، حتى يصبح بمقدوره تعويض ما خسره ميدانياً، وبالتبعية، الحصول على طلباته كاملة التي عرضها قبل الحرب.

زياد سنكري: مسار المفاوضات "المعقد جداً" لم يصل إلى نتيجة إيجابية تذكر، حتى الآن

ويرجح الباحث السياسي في مركز لندن للدراسات السياسية؛ أن يرتفع سقف طلبات موسكو، وذلك نظراً لما تكبدته القوات العسكرية الروسية من خسائر جمّة، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية من الغرب، مع الوضع في الاعتبار الدعم الصيني لروسيا باتفاقيات تبادل اقتصادي ضخمة.

ولا يتفاءل المحلل السياسي زياد سنكري، المقيم في واشنطن، بأن تسفر المفاوضات عن "تقدم إيجابي"، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الروسي الذي اتهم كييف بالتراجع عما قدمته في مفاوضات إسطنبول.

الرهان على الوقت

وأبلغ سنكري، "حفريات"؛ بأنّ مسار المفاوضات "المعقد جداً" لم يصل إلى نتيجة إيجابية تذكر، حتى الآن، رغم عقد الوفد الروسي والأوكراني عدة جولات، واقعية وافتراضية، كما أنّ الجانبين لم يتمكنا، بعد مرور أكثر من شهر على انطلاق المفاوضات، من الخروج بأيّ اتفاق لوقف إطلاق النار، أو حتى هدنة مؤقتة.

و"المشكل الأساسي"، في تقدير سنكري، هو أنّ هذه المفاوضات تجري بينما يستمر القصف الروسي على المدن الأوكرانية، إذ "من الواضح أنّ موسكو تراهن على تقدّم وحسم عسكريَّين يتيحان لها إرغام أوكرانيا على قبول الجزء الأكبر من المطالب. أما أوكرانيا فتراهن على زعزعة الأوضاع الداخلية في روسيا، وعجز القوات الروسية عن تحقيق أهدافها وعدول موسكو عن مطالبها الأصلية".

رغم الأجواء التشاؤمية التي تخيم على مسار الأحداث بين موسكو وكييف؛ فإنّ نائب مندوبة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة أكّد وجود "تطور إيجابي" بشأن المحادثات الروسية الأوكرانية

وبحسب المتحدث ذاته؛ فإنّ ما يفاقم مخاوف المفاوض الأوكراني "مطلب روسيا بتقليص عدد الجيش الأوكراني، وعدم حصوله على أنظمة ضاربة بعيدة المدى، ومن ثم، يبقى السؤال؛ هل ستكون المفاوضات المخرج الوحيد الذي يمكن أن يحفظ ماء وجه الرئيس بوتين وينقذه من المستنقع الأوكراني؟"

واتفق المصدران، في لقاءات منفصلة، على أنّ وجود القوات الروسية في إقليم دونباس، شرق أوكرانيا، بعد انسحابها من كييف وتشرنيهيف، يعدّ بمثابة إعادة انتشار للقوات لتنظيم صفوفها، وربما استعادة جاهزيتها، وهو ما يعني أنّ موسكو تراهن مثل أوكرانيا على عامل الوقت لتقوية موقفها على الطاولة.

الحوار رغم الأجواء التشاؤمية

ورغم الأجواء التشاؤمية التي تخيم على مسار الأحداث بين موسكو وكييف، فإنّ السفير محمد بوشهاب، نائب مندوبة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، أكّد وجود "تطور إيجابي" بشأن المحادثات الروسية الأوكرانية، كما قال الرئيس الأوكراني، خلال مؤتمر صحفي مع المستشار النمساوي كارل نهامر، والذي زار كييف ومدينة بوتشا: "نحن مستعدون للقتال. وفي الوقت نفسه نبحث عن طرق دبلوماسية لوقف هذه الحرب. في الوقت الحالي، نحن نبحث بالتوازي إجراء حوار".

المفاوضات تجري بينما يستمر القصف الروسي على المدن الأوكرانية

وتابع: "لطالما قالت أوكرانيا إنّها مستعدة للمفاوضات وستبحث عن أيّ احتمال يفضي إلى وقف الحرب في الوقت نفسه، نشهد، للأسف، تحضيرات لمعارك ضخمة، يقول البعض إنّها حاسمة، في الشرق".

كما أكّد المستشار النمساوي؛ أنّه ما تزال هناك إمكانية، وإن كانت ضئيلة، لنجاح المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، بعد أن التقى بقادة البلدين خلال الأيام الماضية، وقد أشار إلى أنّ "ذهنية الحرب تسيطر على الطرفين... لكنّهما يعرفان أنّها لا بدّ من أن تنتهي في مرحلة ما".

الباحث السياسي بمركز لندن للدراسات السياسية مايكل مورغان لـ "حفريات": الأمل بشأن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار يضعف، خاصة بعد زيادة الهجمات الروسية على المنشآت الحيوية والطبية

وغرّد ميخايلو بودولياك، مستشار رئيس أوكرانيا، والمشارك في الوفد الأوكراني بالمفاوضات، على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "إذا أرادت موسكو أن تظهر أنّها مستعدة للحوار، فعليها خفض مستوى عدوانيتها".

وبدورها، اتهمت موسكو أوكرانيا بتعقيد المفاوضات؛ حيث قال وزير الخارجية الروسي، إنّ كييف قدمت مسودة اتفاق جديدة لموسكو بمناقشة وضع القرم ودونباس في اجتماع بين الرئيسَين الروسي والأوكراني، الأمر الذي رأى أنّه "غير مقبول"، وقال لافروف إنّ بلاده "ستواصل المحادثات مع أوكرانيا، بناءً على مسودة اتفاق روسية".

وفي حديثه لـ "حفريات"، قال المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، الدكتور كمال الزغول، إنّ ما يجري من مفاوضات بين الطرفين هو "هروب مما يجري على الأرض"، لافتاً في حديثه لـ "حفريات" إلى وجود مسار إقليمي بين روسيا وأوكرانيا لا يتلاءم ومسار الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

اتهمت موسكو أوكرانيا بتعقيد المفاوضات

ويتابع الزغول: "تجد واشنطن في عدم قدرة القوات الروسية على تحقيق أهدافها بمثابة تقهقر، ومن ثم، يجب اغتنام هذا التقهقر باستمرار لفرض عقوبات إضافية على واردات الفحم، ومنع السفن الروسية من الإرساء في الموانئ الأوروبية، ناهيك عن فرصة بناء قواعد عسكرية أمريكية وقواعد لحلف الناتو في أوروبا الشرقية، والتي لن تتخلّى عنها الدول الغربية بسهولة، وهذا يمهّد لاحتواء المدّ الصيني الاقتصادي في الموانئ الدولية".

على الجانب الروسي، أصبح واضحاً أنّ روسيا عادت إلى سياستها التقليدية؛ إذ ستخلق أجواء مفاوضات تنشأ من خلالها مفاوضات طويلة الأمد، لجهة تحقيق اختراق إقليمي واقتصادي بواسطة تركيا ورعايتها للمفاوضات، وفق المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، وذلك في الوقت التي تحافظ فيه موسكو على استمرارية الصراع في إقليم دونباس لعقد أو عقدين من الزمان كما فعلت في شبه جزيرة القرم.

ويختتم: "لذلك؛ نجد الدول الغربية اعترفت بالحوار قبل الغزو. وحوار ما بعد الغزو يخطف الإنجازات الغربية الشاملة بشأن تحييد روسيا والصين معاً، بالتالي، نستطيع القول إنّ عنوان المرحلة هو مفاوضات لتحقيق أكثر من اختراق للهروب نحو الأهداف نفسها من الأطراف كافة. وبالنسبة إلى أوكرانيا، فهي لن تستفيد من أيّة مفاوضات لحين جلوس الولايات المتحدة وروسيا على طاولة الحوار، وهو، في تقديري، مستبعد على المدى القريب".

مواضيع ذات صلة:

حرب أوكرانيا: معارك المعلومات والدعاية المضللة

مع تصاعد التوتر في أوكرانيا.. ما احتمالية حدوث حرب نووية؟ وما تداعياتها؟

قبل الردع النووي: هل استخدمت روسيا أسلحة "محرّمة" في أوكرانيا؟

 

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية