الجزائر: هل تكتب الانتخابات التشريعية نهاية الحراك الشعبي؟

الجزائر: هل تكتب الانتخابات التشريعية نهاية الحراك الشعبي؟


24/05/2021

تمرّ الجزائر بمرحلة سبق وشهدتها الدول المجاورة عقب التحوّلات السياسية الكبرى التي تتالت منذ تحوّلات العام 2011، حيث الانقسام داخل الحراك والمجتمع حول مستقبل البلاد، بين المطالبين بمسار ثوري يؤسس لدولة جديدة، وبين المنحازين لمسار إصلاحي تدريجي، يدرك أنّ هناك فارقاً بين الشعارات الكبرى والواقع ومحدداته.

اقرأ أيضاً: الجزائر تفكك خلية إرهابية موالية لداعش... وهذه خطتهم

وتأتي الانتخابات التشريعية المرتقبة في 12 من شهر حزيران (يونيو) المقبل لتضع الفريقين في اختبار حقيقي؛ فمن ناحية الحراك الثوري إذا ارتفعت المشاركة الشعبية في التصويت فهي رسالة بالانحياز لمعسكر الإصلاح، وإذا لم ترتفع المشاركة عن سابقاتها في الانتخابات الرئاسية والتعديلات الدستورية فهي رسالة بعدم الرضا عن المسار الإصلاحي، وبالنسبة للمشاركين في الانتخابات أمامهم تحدٍ كبير لإقناع الناخبين بالمسار الإصلاحي، وإلا تعرضوا لانكشاف كبير يضعف وزنهم السياسي.

ثوب انتخابي جديد

تعقد انتخابات الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري، المعروف باسم المجلس الشعبي الوطني، في ظروف نيابية وسياسية مختلفة، في وقت تشهد البلاد خلافات واسعة، ونفور شعبي كبير من المسار الذي حددته السلطة، والذي لاقى معارضة واسعة من المنتمين إلى الحراك الشعبي، الذي أطاح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في مطلع العام 2019.

رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي

ومن الطبيعي أنّ تشهد البلاد هذه الانقسامات بين النهج الثوري الذي يرفع شعار "دولة مدنية، ماشي عسكرية"، والذي يريد مساراً انتقالياً من السلطة القديمة إلى دولة مدنية كاملة، تسبق الانتخابات التي يرونها تكريساً للسلطة القديمة، لكن بوجه جديد، بينما أقبلت معظم القوى السياسية التقليدية، وكثير من المحسوبين على الحراك على الترشح للانتخابات كأمر واقع، وفي نفس الوقت يبقون على صلات بالحراك الشعبي، في ازدواجية تكشف عن تخبط عامّ يطبع المشهد السياسي.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: ارتباك في الجزائر والمغرب والدفع تجاه الفوضى في ليبيا

وتأتي هذه الانتخابات بعد التعديل الدستوري في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والذي كانت أبرز بنوده توسيع صلاحيات المجلس المجلس الشعبي الوطني، والتي لم ترقَ إلى تطلعات القوى السياسية، التي أرادت أنّ تتولى الأغلبية البرلمانية تشكيل الحكومة، بدلاً من الإبقاء على التشكيل بتعيين من رئيس الجمهورية، ثم نيل الثقة من المجلس.

شهد قانون الانتخابات الجزائري تعديلات واسعة، هدفت إلى استيعاب الحراك الشعبي، وخصوصاً فئة الشباب، عبر تخصيص نصف مقاعد المجلس لمن تقل أعمارهم عن 40 عاماً

وإلى جانب ذلك شهد القانون العضوي للانتخابات تعديلات واسعة، هدفت السلطة منها إلى استيعاب الحراك الشعبي، وخصوصاً فئة الشباب، عبر تخصيص نصف مقاعد المجلس لمن تقل أعمارهم عن 40 عاماً، والتكفل بنفقات الحملات الانتخابية لهذه الفئة، بالإضافة إلى التعديلات الواسعة لمكافحة المال السياسي والفساد عبر المادة 200 من القانون، والتي تنظم عملية الترشح للانتخابات، والتي بموجبها جرى استبعاد عدد واسع من القوائم الحزبية والمستقلة التي تقدمت إلى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.

اقرأ أيضاً: قرار جزائري جديد.. ما علاقة منظمة ماك الانفصالية وحركة رشاد الإخوانية؟

وأثارت هذه المادة جدلاً كبيراً بسبب إقصاء عدد كبير من القوائم الانتخابية، وطعن السلطة الوطنية بقرارات القضاء الإداري الذي أعاد الحق في الترشح لعدد من المترشحين المقصيين، وبررت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات قراراتها بعدم استيفاء الأوراق، أو وجود شبهات المال السياسي، وردّ بعض المترشحين بأنّ السلطة عاقبتهم لمشاركتهم في الحراك الشعبي.

وبدأت الحملة الانتخابية في 20 من الشهر الجاري، وسبق ذلك استكمال القوائم لمن جرى إقصاؤهم، وتتشكل القوائم الانتخابية مناصفةً بين الرجال والنساء، على أنّ يكون نصف القائمة لمن تحت سن الأربعين، ويكون ثلثهم من مستوى جامعي عالي. ويبلغ عدد القوائم المقبولة 1483 قائمة، منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة لمترشحين أحرار.

المقاطعة والمشاركة

وأعلن كل من حزب جبهة القوى الاشتراكية، وهو أقدم أحزاب المعارضة، وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب العمال، وأحزاب أخرى صغيرة تدور في فلك هذا التيار، مقاطعة الاستحقاق التشريعي المقبل، بحجة عدم توفر شروط نجاح هذه الانتخابات، وتحسب هذه الأحزاب على اليسار.

بدأت الحملة الدعائية للانتخابات

وقال بيان لجبهة القوى الاشتراكية حول قرار المقاطعة، إنّ الجبهة "تُجدّد التأكيد على أنّ شروط إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في 12 حزيران (يونيو) غير متوافرة، وأنّ الانتخابات لا تشكل حلاً للأزمة المتعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد. لذلك، لا يمكن لجبهة القوى الاشتراكية المشاركة في هذه الانتخابات".

وانتقد الكاتب والصحفي الجزائري، محمد مسلم تبريرات مقاطعة الانتخابات، وأشار في مقال نشره موقع "الشروق" إلى أنّ هناك ثلاث عائلات تشارك في الانتخابات، وهي الوطنية والديمقراطية والإسلامية، وتخلفت الديمقراطية عن الاستحقاق الانتخابي، مبررة ذلك بأنّ السلطة رفضت "البدائل والمقترحات والمبادرات التي قدمت لها وعدم تقديم أي تنازل، والانخراط في تنفيذ أجندتها بشكل أحادي".

اقرأ أيضاً: هل وقّعت الحكومة الجزائرية شهادة وفاة الحراك الشعبي؟

ويرى مسلم أنّ المقاطعة ليست بسبب ما أعلنته هذه الأحزاب، التي شاركت في انتخابات عامي؛ 1997، 2002، مع وجود نفس الأسباب التي يرفعونها، بل بشكل أكثر حدّة، ما يكشف أنّهم "يبحثون عن تحقيق مطالب أكبر من حجمهم، مقارنة بمحدودية تمثيلهم في المجتمع".

وأشار الكاتب إلى أنّ هذه الانتخابات تعقد في ظروف مختلفة، نتجت عن الحراك الشعبي، ومنها "تراجع نفوذ الأحزاب التي كانت مهيمنة على العملية الانتخابية (حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي خاصة)".

هل يطلب الحراك المستحيل؟

ولا يمكن الحديث عن الحراك الشعبي ككتلة واحدة، فليس هناك تنظيم يعبر عنه، بل تخرج دعوات للتظاهر من كيانات وشخصيات متعددة ومختلفة في رؤاها السياسية، ولا يمكن تحديد قوة هذا الحراك، سوى بعدد الاستجابة للدعوات الاحتجاجية التي تخرج عادةً يوم الجمعة، والتي باتت السلطة تتصدى لها، وتلزمها بالحصول على تصريحات أمنية مسبقاً، ورغم ذلك يبقى للحراك أهمية كبيرة، يمكن رصدها من خلال العالم الافتراضي، الذي يعج بالكثيرين من الرافضين للانتخابات، كما أنّ الحراك يعوّل على العزوف الانتخابي كمقياس لمدى قوته في الشارع، أو لإخفاق المسار السياسي الذي اختارته السلطة.

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أنور السليماني

وكصوت معبر عن الحراك، ذكر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أنور السليماني، أنّ الشارع يطالب بالتغيير الجذري للنظام السياسي الحاكم، وأحسن من عبر هذا المطلب هو الحراك الشعبي الذي حاولت السلطة بصراع أجنحتها توظيفه لصالحها.

وشدد السليماني على أنّه لا يمكن "الحديث عن إصلاح سياسي بادرت به السلطة الحاكمة كَونَ هذه الخطوات ليست مطلباً شعبياً أو اهتماماً شارعياً".

وأضاف في حديثه لـ"حفريات"، عن المسار البديل، بأنّه "تسليم السلطة للشعب بعيداً عن الوصاية السلطوية الحاكمة، وهذا لن يكون إلا بمرحلة انتقالية حقيقية وليس كما يريدها الحاكم الفعلي في الجزائر الذي يسيِّر مرحلة تبون كمرحلة انتقالية".

الباحث الجزائري أنور السليماني لـ"حفريات": السلطة توظف قانون الانتخابات الجديد لمراقبة الحياة السياسية، بعد إقصاء بعض المترشحين بسبب مشاركتهم في الحراك في أيامه الأولى

ويرى السليماني أنّ الكتلة الحراكية واضحة في تصورها منذ البداية وهي أنّ "الانتخابات وتغيير الأشخاص والواجهة لن تحل أبداً المشاكل المتراكمة بل ستزيد من تعقيدها، لهذا فالحراك يسعى لهندسة عقد اجتماعي حقيقي قوامه احترام الإرادة الشعبية، والذهاب نحو انتخابات حرة وعدالة مستقلة وعدم تدخل العسكر في الحياة السياسية، وهذه المطالب هي لب الصراع بين السلطة الفاقدة للشرعية وبين الحراك كتوجه عام يريد الذهاب نحو دولة المؤسسات بمفهومها الصحيح".

إلى جانب ذلك أشار أنور السليماني إلى أنّ السلطة توظف قانون الانتخابات الجديد لمراقبة الحياة السياسية، بعد إقصاء بعض المترشحين بسبب مشاركتهم في الحراك في أيامه الأولى، رغم أنّ السلطة دسترت الحراك ونعتته بالحراك المبارك في التعديل الدستوري الجديد.

وبالعودة إلى التعديلات الدستورية، يرى السليماني أنّ مشاركة 23% من الناخبين في الاستفتاء تعبر عن أنّ الدستور ليس جامعاً ولا يمكن بناء عقد اجتماعي وفق ذلك، ويؤكد على "وجود شرخ حقيقي تعيشه المنظومة الحاكمة، التي تعمل على تفكيك وتقسيم الوطن غير آبهة بمآلات هذا الصنيع السياسوي الخطير، لاستمرار انتفاعها من ثروات الشعب".

تظاهرة احتجاجية معارضة للانتخابات

لكن من وجهة نظر أخرى، لا يعني ضعف المشاركة الانتخابية أنّها استجابة لمطالب الحراك الشعبي، فلو كانت استجابة حقيقية لكان الحراك ضمن هذه الكتلة الكبيرة في الاستحقاقات الانتخابية، وأصبح ممثلاً في المجلس الوطني الشعبي بالأغلبية، وشرع في نضال سياسي لفرض تصوراته من داخل مؤسسات الدولة.

ومن خلال قراءة تجارب الحراك والنشاط السياسي غير المنظم الذي كان دافعاً نحو التظاهرات والاحتجاجات في عدد من الدول العربية عقب أحداث عام 2011، يمكن القول أنّ هناك إخفاقاً عامّاً داخل الحراك الجزائري يجعله عاجزاً عن قراءة الواقع واقتناص الفرص المتاحة بدلاً من التمسك برؤية مثالية يريد تنزيلها على الواقع، بتجاهل وجود القوى السياسية التقليدية والفاعلة والتي لها مصالح لن تتخلى عنها بأي شكل، حتى لو وسعت من دوائر المشاركة في اقتسام السلطة.

يضاف إبى ذلك أنّ عامل الوقت ليس في صالح الحراك، الذي ترشح الكثير من رموزه على القوائم الانتخابية، إلى جانب فتور الاستجابة الشعبية لدعوات الاحتجاج، خاصة مع دخول التيار الإسلامي للمعترك الانتخابي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية