التهديد العثماني الجديد: ما الذي يسعى إليه أردوغان في شرق المتوسط؟

التهديد العثماني الجديد: ما الذي يسعى إليه أردوغان في شرق المتوسط؟


كاتب ومترجم جزائري
11/03/2020

ترجمة: مدني قصري


منذ أن أظهر أردوغان وجهه "القومي الإسلاموي"، صارت الأتركة العثمانية الجديدة، التي تُخفي شهوة احتياطيات الغاز والنفط في البحر المتوسط، تُشكل تهديداً رئيسياً، ليس لقبرص واليونان (بحر إيجة) فقط، بل لليبيا ومصر وسوريا أيضاً؛ حيث تدعم أنقرة الجماعات الإسلامية الجهادية هناك.

اقرأ أيضاً: هل تعكس هدنة إدلب ضعف أردوغان داخلياً وخارجياً؟
ويتم التعبير عن الإسلاموية التركية "العثمانية الجديدة" أي الأتركة الغازية، تارة بطريقة سلمية أو بـ "ما وراء السياسة"، سيما من خلال القوة الناعمة الطموحة للغاية والقائمة على الإنتاج السينمائي والتعليم الديني (التعاون التعليمي، وإرسال الدعاة، وتطوير التعليم التركي من خلال المدارس الثانوية وشبكات المساجد التركية)، وتارة أخرى من خلال المشاريع الاقتصادية، أو من خلال النشاط العسكري؛ مثل قبرص واليونان والدعم للإسلاموية الجهادية في سوريا وليبيا.


هذا النشاط التركي الموجّه إلى العالم العربي؛ عبر دعم الإخوان المسلمين وليس حركة حماس في غزة فقط، وإلى آسيا الوسطى والقوقاز، يزداد حدّة في البلقان وبين الأقليات التركية المسلمة في أوروبا الشرقية، وستندم دول حلف شمال الأطلسي الأوروبية على تشجيعها تفكيك يوغوسلافيا السابقة في الأعوام 1990 - 2000، والذي أدى إلى إهدائها دول البلقان المسلمة للتبشير الإسلامي التركي، خاصة عندما تنضم البوسنة وألبانيا ومقدونيا، ولا سيما كوسوفو، وهي دولة مافيا أنشأها الناتو بشكل غير قانوني بانتهاك السيادة الصربية اليوغسلافية، إلى الاتحاد الأوروبي.
الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي
منذ عام 1974، كانت قبرص ضحية التقسيم واحتلال الجيش التركي المباشر لـ 37 بالمئة من شمال أراضيها، في تحدٍ للقانون الدولي واتفاقيات الأمم المتحدة، ثم جاء اكتشاف حقول الغاز العملاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط في السنوات الأخيرة، ليؤجج شهية المفترس العثماني الجديد أردوغان؛ الذي أرسل سفن الحفر قبالة ساحل قبرص، هذا الصراع مع قبرص هو جزء من الصراع الأوسع مع اليونان؛ مهد الحضارة الغربية ومركز العصب الجديد للإسلاميين الجهاديين الدوليين المدعومين من تركيا، والذي يُذكّرُ بالاعتداءات العثمانية السابقة والقرصنة الهمجية.


وكان السلطان الجديد قد هدّد عام 2018، بغزو جزر إيجه اليونانية، دون رد فعل من الغرب، كما أرسل باخرة عسكرية تركية، قبل ذلك ببضعة أشهر، لتهديد منشآت التنقيب عن النفط والغاز التابعة لشركة إيني الإيطالية (وبصورة غير مباشرة لتهديد شركة توتال الفرنسية) في قبرص.
مناورات تركيا
للتستر على فعل القرصنة بغطاء "شرعي"، سارع الأوتوقراطي التركي، في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، إلى التوقيع مع ما يسمى بحكومة الاتحاد الوطني الليبي التي يرأسها فايز السراج، على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المثيرة للجدل، بهدف تأكيد "حقوق" تركيا في مناطق واسعة شرق البحر المتوسط، من خلال جعل البرلمان التركي يصوّت على اقتراح يسمح له بإرسال جنود إلى ليبيا.

يتم التعبير عن الأتركة الغازية من خلال القوة الناعمة تارة والمشاريع الاقتصادية تارة أخرى، بالإضافة إلى النشاط العسكري

وفي أوائل كانون الثاني (يناير) 2020، اتخذ أردوغان خطوة أكبر نحو التصعيد المُسلح الذي يُهدّد بإشعال المنطقة بأسرها بدءاً من البلدان الحدودية؛ مصر، الجزائر، تونس، السودان، تشاد، النيجر، كما نقل في بداية الأزمة السورية، بدعم مالي ولوجستي من قطر، جيوشه التي كانت تعمل في سوريا والعراق إلى الأراضي الليبية، إلى جانب الآلاف من المتمردين "الإسلاميين" وحتى الإرهابيين؛ من القاعدة والنصرة وغيرها من الفيالق التركمانية العثمانية، مثل كتائب السلطان مراد، وقد وصل بالفعل عدة آلاف من الجهاديين السوريين إلى ليبيا.
تدمير سوريا
بالإضافة إلى قطر، تعتبر تركيا الدولة التي ساهمت بأكبر قدر من النشاط في تدمير سوريا، من خلال 4 طرق؛ الأولى بكونها راعية لجماعة الإخوان المسلمين والتي أرادت الاستيلاء على السلطة في سوريا، والثانية بتسليمها الأسلحة إلى الفصائل الإسلامية المختلفة، والثالثة بالتدخل المباشر والعسكري في الصراع السوري، والأخيرة بتنظيم وتجنيد ونقل آلاف الإرهابيين الجهاديين الأجانب انطلاقاً من حدودها مع سوريا، وقد خرجت الدولة السورية منتصرة من هذه الحرب، فلم يبق أمام أردوغان سوى احتلال جزء من شمال شرق سوريا.


إنّ الهدف الإستراتيجي لأنقرة هو إنشاء منطقة أمنية؛ وهي نوع من المنطقة العازلة بعمق 30 كم تمتد لمسافة 480 كم من الفرات إلى الحدود العراقية، بغرض إيواء نحو 3.6 مليون سوري ممّن لجأوا إلى تركيا (بما في ذلك العديد من رجال الميليشيات الإسلامية)، وفصل الحدود التركية عن الأراضي التي استعادها المقاتلون الأكراد الذين قاوموا داعش.
زعزعة استقرار مصر
إنّ علاقات تركيا مع مصر سيئة؛ إذ تقوم أنقرة الآن بإيواء جميع المعارضة الإسلاموية المصرية، وتواصل أعمالها التخريبية لزعزعة استقرار الدولة المصرية، كما تدعم الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال سيناء، في الواقع، لا يقبل أردوغان أن لا يكن لبلاده الحق في احتياطيات الغاز الضخمة المكتشفة في المياه الإقليمية القبرصية، التي تصل إلى المياه الإقليمية لليونان ومصر، اللتان أبرمتا اتفاقاً ثلاثياً مع قبرص في شباط (فبراير) 2018.

اقرأ أيضاً: متى يكف أردوغان عن المتاجرة بشهداء ثورة التحرير الجزائرية؟
وقامت أنقرة بضرب زورق سريع تابع لخفر السواحل اليوناني، ومطاردة سفينة حفر تابعة للناقلة الإيطالية (ENI)، التي كانت في طريقها إلى حقل الغاز المصري "ظهر"، وفور هذا الاعتداء؛ استنفرت حاملةُ طائرات الهليكوبتر ميسترال "أنور السادات" وعدة سفن أخرى، بما في ذلك الغواصات، في مرساة الإسكندرية، للدفاع عن حقل غاز ظهر، واليوم تتحدّى أقوى قوتين بحريّتين في شرق البحر المتوسط (مصر وتركيا) كل منهما الأخرى، في عرض مياه قبرص وليبيا، مع كل المخاطر التي يمكن للمرء تخيلها.
نقاط ضعف أوروبا والغرب أمام تركيا
أولاً؛ هناك مسألة الخطر الإرهابي الإسلاموي التي تثقل كاهل أوروبا، فحتى لو استغرق الأمر وقتاً طويلاً ليفهموا هذا، فإنّ القادة الأوروبيين يدركون الآن أنّ النظام التركي أقام علاقات وثيقة مع المنظمات الإرهابية الكبرى المنتشرة في العالم، بما في ذلك داعش، وخلال مؤتمره المشترك في لندن مع دونالد ترامب يوم 3 كانون الأول (ديسمبر) 2019؛ صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح؛ "عندما أنظر إلى تركيا، أراها تحارب الآن أولئك الذين قاتلوا معنا (الأكراد) وإلى جانبنا ضد "الدولة الإسلامية"، وأحياناً يعمل الأتراك مع وسطاء من داعش، وهذه مشكلة، مشكلة إستراتيجية؛ العدو المشترك اليوم هو الجماعات الإرهابية ويؤسفني أن ألاحظ أنّنا لا نملك نفس التعريف للإرهاب".


ونقطة الضعف الثانية التي تعاني منها أوروبا تجاه تركيا؛ هي الهجرة غير الشرعية، فرغم الإعانات الضخمة التي تتلقاها تركيا من الاتحاد الأوروبي لمراقبة حدودها، إلّا أنّ النظام التركي يُهدّد بانتظام بفتح البوابات المائية للهجرة، وإغراق أوروبا، إذ يحتفظ أردوغان بحوالي 4 ملايين لاجئ سوري يمكنه إطلاقهم نحو أوروبا في أي وقت.

تعاني أوروبا من الهجرة غير الشرعية على الرغم من الإعانات الضخمة التي تتلقاها تركيا من الاتحاد الأوروبي لمراقبة حدودها

أمّا نقطة الضعف الثالثة؛ فهي ملايين المسلمين والأتراك الذين يفتقرون إلى الاندماج ويعيشون في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا واليونان والدنمارك وهولندا، والذين تريد أنقرة وحلفاؤها استخدامهم كمحركات للأتركة في الغرب، وفي هذا السياق؛ يتم التحكم بشكل متزايد في الجمعيات الإسلامية الأوروبية من قبل مؤسسات الدولة التركية "ديانت / ديتيب Diyanet / DITIB" والمؤسسات شبه الحكومية والمساندة لأردوغان "الإخوانيات، ميلي غوروس، وحزب العدالة والتنمية"، هذا بالتوازي مع الأحزاب السياسية الطائفية التركية؛ فضمن المجلس الفرنسي للإيمان الإسلامي (CFCM)، تظل الاتحادات الإسلامية التركية هي الأكثر تمثيلاً، حيث أصبح استخدام المسلمين الأوروبيين أداة دبلوماسية قوية بين يدي أنقرة.

اقرأ أيضاً: هكذا غرّر أردوغان باللاجئين وألقى بهم في وجه أوروبا
ونقطة الضعف الرابعة التي يعاني منها الغرب؛ هي عضوية تركيا في الناتو، حيث يوجد في أنقرة 50 رأساً نووياً تكتيكياً أمريكياً في القاعدة العسكرية انجرليك Incirlik، وهي أمريكية نظرياً، لكنّ أردوغان يعتزم استخدامها كورقة أمنية إستراتيجية، باستعمالها كرهينة.
وتؤوي قاعدة انغرليك، الواقعة على بعد 110 كم من سوريا، القنابل النووية الحرارية B61، التي تستخدم بالتأكيد كوسيلة رادعة تجاه روسيا، ولإثبات التزام الولايات المتحدة تجاه الناتو (28 دولة بما في ذلك تركيا)، إلّا أنّ التقارب التكتيكي الروسي التركي الأخير سيؤدي إلى تدمير مهمة القاعدة الإستراتيجية الأصلية، ما يمثل كابوساً إستراتيجياً حقيقياً للتحالف الأطلسي وواشنطن.


مصدر الترجمة الفرنسية :
valeursactuelles.com
https://www.valeursactuelles.com/monde/menace-neo-ottomane-en-mediterranee-les-appetits-de-puissance-du-neo-sultan-erdogan-116384



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية