علي بن سالم الكعبي
قبل عشرينيات القرن الماضي لم يعرف العالم عنفاً فردياً كان أم منظماً باسم الإسلام، إلا مع تأسيس الجناح المسلح لـ«الإخوان المسلمين» في مصر ومنها بدأ بتسطير سلسلة من أعمال العنف تجاه الدولة ذاتها، ثم انتقل هذا الفكر إلى دول أخرى. وعلى الرغم من أن كتباً ودراسات غربية كثيرة تناولت الإسلام وعلاقته بالغرب منذ ما قبل ذلك بعقود طويلة، فإن معظمها لم يخرج كثيراً عن إطار محاولة تشخيص ما أُطلق عليه «أزمة الإسلام»، والتي أرجعها البعض للدين بحد ذاته ولمعتنقيه أنفسهم، فيما اتجهت كتابات لتتبع أسباب نشوء «الإسلام السياسي».
ونظراً لأن التشخيص لا يكفي لفهم الإسلام كدين، وللمسلمين كتابعين له كونهم ينتمون إلى أعراق وبيئات مختلفة ومتباينة، فلا بد للمنظرين والباحثين الغربيين من أن يبحثوا في عمق المشهد، بحيث لا تفوتهم كل التقاطعات مع الإسلام والمؤثرات على المسلمين، قبل إصدار «أحكامهم الأخلاقية» على مجتمعات بأكملها، وبالتالي تقديم مقترحات لكيفية استئصال «ورم العنف» من جذره.
يوجد أكثر من مليار مسلم في العالم، ولكل مجموعة منهم انتماء ولغة وثقافة وإرث وميول، ومعظم المتدينين من هؤلاء أخذوا النصوص بحرفيتها، وخصوصاً التفسيرية منها، وهم لا يعلمون أن ما وصل إليه المتطرفون منهم، إنما يعود أصلاً إلى الأخذ بالنص بحذافيره، أو الأخذ بالتفاسير التي وجّهت الأغلبية منهم أولئك الذين يعتبرون أن كل من لا ينتمي إليهم هو خارج عن «الصراط المستقيم»، مع العلم أن النص القرآني وفي أكثر من موضع حرّم القتل، ونبذ التطرف، ودعا المسلمين إلى كف أيديهم عن الأذى بأي شكل كان.
في ظل التغيرات السياسية الجذرية التي شهدها العالم بعد انحسار سيطرة الإمبراطورية العثمانية، تأسست في مصر جماعة «الإخوان المسلمون» التي أنشأت جناحاً عسكرياً مسلحاً، وخلال عقود قليلة استطاعت تلك الجماعة نشر أدبياتها في دول أخرى، مبررة لذاتها استخدام الدين والعنف من أجل الوصول إلى الحكم، في المقابل دافعت الأنظمة عن وجودها بشتى الوسائل والسبل، ولم يخلق عنف هذه الجماعة إلا عنفاً مضاداً أعظم، والضحايا غالباً هم من المدنيين.
وإزاء النكسات والانهزامات التي حدثت لاحقاً في المشهد العربي، والتطورات الدراماتيكية الخطيرة التي حدثت في عدد من دول أوروبا الشرقية ضد مسلميها والمسلمين في دول مجاورة، وتغذية خطاب الكراهية بين الطرفين، أصبح صوت الموت أعلى، ونتج عن ذلك تصاعد في تعصب الطرفين كلٌّ حسب رؤيته، واتساع الهوة حتى بين أبناء الطوائف الإسلامية، وارتفاع في عدد الجماعات المتطرفة «الجهادية» التي تبنت خطاب «المظلومية» مستثمرة ما يتوافر لها من دعم لوجستي وسياسي ومالي.
وفي خضم المشهد السوداوي حمل أبناء الجيل الجديد من المسلمين ومن مختلف انتماءاتهم الطائفية إرث من سبقوهم، وتغذوا على أفكار متطرفة، وتمثلت ذروة التطرف في بلاد غير إسلامية بهجمات 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أسهم كثيراً في تغيير نظرة العالم للمسلمين، وفي عدد من الدول الأوروبية، ممثلةً بعمليات زعزعت الأمن فيها، وصولاً إلى تنظيم «داعش»، الذي بوجوده وبخطابه الدامي جذّر خطاب «الإسلاموفوبيا»، ولا شك أن الإعلام الغربي يتحمل مسؤولية كبرى في تخويف العالم من المسلمين الذين وضعهم جميعاً في «سلة الإرهاب».
إن الإنصاف الحق يقتضي الإشارة إلى «المتورطين» ومسؤوليتهم تجاه ما حدث ويحدث، ممن ساعدوا التنظيمات الأكثر خطورة في العالم وآووا أفرادها، ذلك أن لوم الغرب ونقده ليس هو الحل، إنما الحل قراءة وفهم العقلية التي تحكم منفذي الهجمات باسم الدين، سواء كانوا أفراداً أم جماعات، ومن ثم وضع استراتيجيات وآليات لمحاصرة الإرهاب بجميع أشكاله.
نقطة الضوء في نهاية النفق المظلم موجودة، والأمل معقود على الحكماء الذين سيضعون أيديهم تماماً على الجرح، ويقترحون الحلول التي ستؤدي إلى تفكيك الخطابين: الديني المتطرف، والإسلاموفوبيا المتعاظمة. وغير ذلك سيستمر التطرف في التوالد وإنجاب المتمسكين بمظلوميات من سبقوهم والممسكين بسكاكين الكراهية.
عن "الاتحاد" الإماراتية