التصعيد بين إسرائيل وحماس وسياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط

التصعيد بين إسرائيل وحماس وسياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط

التصعيد بين إسرائيل وحماس وسياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط


08/11/2023

ماريا معلوف

لايتردد في الإعلام كثيرا المصطلح الذي أطلقته إسرائيل على عملياتها في غزة ذلك أنه ورداً على عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر أطلقت القوات الإسرائيلية عملية اسمتها "السيوف الحديدية" شنت خلالها آلاف الغارات المكثفة على قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني، وما زالت تلك الغارات تخلف حتى الساعة دماراً واسعاً لا نظير له فيما سبق من صراع بين إسرائيل وحماس.

منذ اللحظة الأولى للأحداث

وباعتبار أن إسرائيل هي الحليف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط فقد أعلنت أميركا الموقف الداعم بقوة لإسرائيل دون أي قيد أو شرط، ممَّا منح إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بهجمات غير مسبوقة ضد سكان غزة حيث رأينا التدمير الشامل للبنى التحتية والمباني السكنية والمساجد والمرافق الصحية ناهيك عن السياسة الإسرائيلية المعلنة بضرورة التهجير القسري لأهالي قطاع غزة إلى سيناء المصرية.

خلال الأيام الماضية ولساعات عديدة استضفت بعض المحللين الإسرائيليين في برنامجي وكذلك التقيت هنا في واشنطن بجوار الكابيتول بعض النواب الأميركيين لمعرفة قراءتهم لما اعتمدته الخارجية الأميركية من سياسات تجاه الأحداث الراهنة بين حماس وإسرائيل وقد خرجت بخلاصات في هذا الشأن أزعم أن الرئيس بايده وفريقه ينطلقون منها في هذه الحرب وهي على النحو التالي:

أولا- الدعم المطلق لإسرائيل: ذلك أنه وفي خطابه عقب هجمات حماس أعرب الرئيس بايدن عن إدانته الشديدة لتلك لهجمات، واصفاً اياها بـ"المروعة" ومؤكداً أن الدعم الأميركي لإسرائيل راسخ ولا يتزعزع، وأن واشنطن على أهبة الاستعداد لتقديم كافة وسائل الدعم المناسبة لحكومة إسرائيل وشعبها وأيضا حذَّر بايدن أي طرف آخر معادٍ لإسرائيل من أن يحاول الاستفادة من هذا الوضع.

ثانيا- الزيارات بهدف اظهار الدعم الأميركي لإسرائيل: ذلك أنه وفي أعقاب بداية الأحداث زار العديد من مسؤولي الإدارة الأميركية وفي مقدمتهم جو بايدن، ووزيرا الخارجية والدفاع تل أبيب لتأكيد الدعم الأميركي لإسرائيل والدعم للحق في الدفاع عن النفس بل أن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أجرى أكثر من زيارة للمنطقة في إطار مساعٍ تستهدف الوفاء بتعهدات واشنطن بالدعم المطلق لإسرائيل كما بحث جهود منع انتشار الصراع وتأمين الإفراج الفوري والآمن عن الرهائن وكذلك تحديد آليات حماية المدنيين.. وكذلك أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن زيارة إلى إسرائيل تهدف إلى إظهار تضامن الولايات المتحدة الكامل مع حليفتها الأولى في الشرق الأوسط وكل هذا يظهر مدى الاهتمام الرسمي من قبل إدارة بايدن بما حدث والاهتمام بالتركيز على تأكيد الموقف الأميركي الداعم بقوة لإسرائيل.

ثالثا- الدعم العسكري: فقد عزَّزت الولايات المتحدة وضع القوات الأميركية في الشرق الأوسط، وقامت بإرسال مجموعة حاملة الطائرات الأكبر في الأسطول الأميركي "جيرالد فورد"، ووضعت 2000 من قوات المارينز في حالة تأهب للانتشار بالمنطقة، كجزء من الجهود الأميركية لردع الأعمال العدائية ضد إسرائيل أو أي جهود تهدف إلى توسيع نطاق الحرب القائمة كما قدَّمت الولايات المتحدة حزمة من المساعدات الأمنية والعسكرية العاجلة التي تحتاجها إسرائيل للدفاع كان من ضمنها: الذخائر، والصواريخ الاعتراضية لتحديث القبة الحديدية وبعض المعدات والموارد الإضافية دون توضيح ماهية تلك المعدات وكذلك أعلنت واشنطن أنها سترسل حاملة الطائرات آيزنهاور لمياه البحر الأبيض المتوسط وسط حالة من انعدام اليقين حيال ما تعتزم الولايات المتحدة فعله بهذه الحاملات والمعدات العسكرية الهائلة في المنطقة. وبالإضافة إلى ما سبق، أعلنت واشنطن أنها وضعت عدداً إضافياً لم يُعلن عنه من القوات في وضع الاستعداد للانتشار لتعزيز مساعي الردع الإقليمي بعد أن تعرضت قاعدتان عسكريتان تستضيفان القوات الأميركية في العراق لهجوم.

رابعا- تعيين مبعوث أميركي للقضايا الإنسانية: حيث أعلن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان تعيين الدبلوماسي الخبير في شؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد، مبعوثاً أميركياً للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط وذلك لضمان وصول المساعدات الإنسانية وخاصة للشعب الفلسطيني في غزة، وكذلك التأكيد على التشاور مع مصر وإسرائيل والأمم المتحدة لإيصال تلك المساعدات لغزة.

خلال نقاش هنا بجوار الكابيتول قال لي سيناتور أميركي إن هناك شبه إجماع على الوقوف بجانب إسرائيل في هذه الحرب والموقف الأميركي تجاه التصعيد بين حماس وإسرائيل اتسم في رأيه بعدد من الملامح منها التأكيد على ثبات الدعم الأميركي لإسرائيل وإدانة هجمات حماس ضد إسرائيل دون إدانة ما تقوم به تل أبيب بحق الشعب الفلسطيني وأن عدم إعلان الولايات المتحدة أي مقترح للتهدئة ووقف إطلاق النار حتى الآن على الرغم من قيام إسرائيل بالرد على هجمات حماس بشكل مضاعف سببه الرغبة في منح دفعه معنوية للجيش الإسرائيلي بعد فشله الاستراتيجي الواضح في بداية التعامل مع عملية "طوفان الأقصى".. وعندما سألته عن اقتراب الموسم الانتخابي وعدم رغبة بايدن في تأثير ما يحدث على فرصه في الانتخابات القادمة قال لي إنه ولاشك ستتعزز حظوظ بايدن الانتخابية وهو الذي استقطب دعم اللوبي اليهودي له داخل الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق.. وأضاف أن تعزيز الردع الإقليمي لردع أي جهة معادية لإسرائيل من استغلال الوضع لتحقيق مكاسب لها، أو توسيع نطاق الصراع ظهر بوضوح في السياسة الخارجية لأميركا في هذا الملف حيث تخشى الولايات المتحدة-حسب كلامه- من احتمالات تدخل إيران أو حزب الله كوكيل لإيران في الصراع الدائر حالياً مع تصاعد الاشتباكات على الحدود اللبنانية مع إسرائيل وانه لا أحد يمكنه ضمان السيطرة على الوضع واحتمال توسع النزاع إذا شنت إسرائيل هجوماً برياً كبيراعلى قطاع غزة.

اخيرا كان لافتا بالنسبة لي عدم تبرئة هذا السيناتور للولايات المتحدة من ازدواجية المعايير في الأحداث الراهنة، والتي تجلَّت -حسب زعمه- في تشديد واشنطن على ضرورة إدانة الدول الأخرى لهجمات حماس دون إدانة ما تقوم به إسرائيل من دمار وتخريب واسع النطاق ضد قطاع غزة وأن محاولات الولايات المتحدة خلال الأشهر السابقة لإصلاح صورتها في الشرق الأوسط والمتدهورة منذ حربي أفغانستان والعراق و عدم التفات واشنطن للانتهاكات الإسرائيلية الحالية سيؤدي حتما إلى زيادة تدهور سمعتها في المنطقة.

خلال الساعات القليلة الماضية تغيرت "النبرة الأميركية" إلى حد كبير وعلى الرغم من أن واشنطن لم تحث إسرائيل على التهدئة ووقف العمليات العسكرية، إلا أن الأيام المقبلة ربما تشهد تغييراً في الموقف الأميركي بسبب الوضع الراهن في الشرق الأوسط، وقد تكون هناك مبادرات دبلوماسية أميركية تهدف إلى الانتقال من الحل العسكري مع قطاع غزة إلى الحل الدبلوماسي، والذهاب مباشرة نحو صفقة تبادل أسرى وصفقة سياسية تُنهي حالة الحرب.

وفي تقديري سيتم ذلك في ضوء عدد من الأمور، يتمثل أولها في التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن إسرائيل، والانشغال الأميركي بإدارة الصراع غير المباشر مع روسيا من خلال الحرب في أوكرانيا، حيث تسعى واشنطن عبر إدارة الصراع إلى محاولة توجيه النتائج التي سوف تنتهي إليها هذه الحرب في مسار يحفظ للولايات المتحدة الأميركية مكانتها في المنطقة ضد القوى المنافسة، كالصين وروسيا وأما ثاني تلك الأمور فهو التمسك بسياسة عدم الانخراط الأميركي في المنطقة وضمان استقرارها وهنا وعلى الرغم من الدعم العسكري الأميركي القوي لإسرائيل فإن الإدارة الأميركية أعلنت في أكثر من مناسبة عدم وجود نية لديها لنشر جنود أميركيين في الشرق الأوسط مجددا.

عن "سكاي نيوز عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية