البلدة القديمة في غزة: تاريخ عريق دمرته إسرائيل بالكامل بهدف طمس المعالم الأثرية

البلدة القديمة في غزة: تاريخ عريق دمرته إسرائيل بالكامل بهدف طمس المعالم الأثرية

البلدة القديمة في غزة: تاريخ عريق دمرته إسرائيل بالكامل بهدف طمس المعالم الأثرية


كاتب ومترجم فلسطيني‎
11/07/2024

 تتعمد إسرائيل إلحاق الأذى والضرر بالمعالم الأثرية التاريخية في قطاع غزة، فلم تكتفِ خلال حربها المستعرة بتدمير البنى التحتية والأحياء السكنية والمنشآت التجارية والاقتصادية فقط، بل إنّ المواقع الأثرية والثقافية العريقة في محافظات عدة من قطاع غزة كانت هدفاً للتدمير من قبل الطائرات الحربية والمدفعية والعمليات البرية، الأمر الذي يهدد بقطع صلة الشعب بالموروث التاريخي القديم لغزة.

ويُعتبر قطاع غزة مركزاً مهماً للثقافة والتجارة على مدى قرون طويلة، مروراً بالحقبة الكنعانية والرومانية والبيزنطية، انتهاءً بالعديد من الحضارات القديمة التي تركت آثاراً تدل على عمق وعراقة المكان تاريخياً، لكنّ الحرب الإسرائيلية دمرت العديد من هذه المواقع التاريخية والثقافية المدنية، وكشف الانسحاب الإسرائيلي من حي الزيتون الملاصق للبلدة القديمة عن حجم الدمار الهائل الذي أصاب المواقع الأثرية والثقافية التاريخية.

🎞

وقد تعرّض أكثر من (100) موقع أثري من  متاحف ومساجد تاريخية، بالإضافة إلى حمامات وكنائس وأديرة في البلدة القديمة وسط مدينة غزة، لدمار كامل، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بعدد من الكنائس والأديرة والمقابر القديمة في مختلف مناطق قطاع غزة خلال العمليات البرية والقصف الجوي لتلك المناطق، والهدف من وراء التدمير هو طمس تاريخ غزة العريق، وقد أدانت وزارة السياحة والآثار في حكومة غزة تدمير الجيش الإسرائيلي مواقع أثرية وتاريخية بعد قصفها المتعمد، وجاء التنديد بعد الدمار الكبير الذي لحق بأقدم المساجد والكنائس والحمامات التاريخية، كما دعت الوزارة منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم والتراث إلى العمل والحفاظ على ما تبقى من كنوز تاريخية في قطاع غزة، والتي بدورها أعربت عن قلقها الكبير إزاء التأثير السلبي للقتال على التراث الثقافي في قطاع غزة، في حين لم تستطع المنظمة بسبب القتال الدائر مسح مدى الضرر الذي لحق بالمزيد من المواقع التراثية والثقافية، مؤكدةً على أنّ سكان غزة لديهم الحق في الحفاظ على التراث، إلى جانب دعوة إسرائيل إلى ضرورة الالتزام بالقانون الدولي، وعدم استهداف الممتلكات الثقافية أو استخدامها لأغراض عسكرية. 

🎞

من جهته استنكر وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف، خلال تصريحات صحافية، إقدام الاحتلال الإسرائيلي على تدمير المواقع والمراكز التاريخية والثقافية في مناطق عدة من قطاع غزة بشكل متعمد، وقال: إنّ الاحتلال تعمّد تدمير مبنى بلدية غزة في البلدة القديمة، الذي يضم الأرشيف التاريخي، والذي يحتوي على آلاف الوثائق التي يزيد عمر بعضها عن (200) عام، وتم حرقها وإعدامها، ويُعتبر هذا الدمار خسارة كبيرة لمدينة غزة وتاريخ فلسطين بشكل عام، بعد أن أدى التدمير إلى فقدان العديد من الوثائق والخرائط القديمة التي توثق مباني المدينة ومراحل تطورها العمراني، بالإضافة إلى تدمير المكتبة العامة التابعة للبلدية، وحرق الوثائق التاريخية والعديد من الكتب المتخصصة في العلوم الإنسانية والطبيعية وغيرها من الكتب.

🎞

وإلى جانب الدمار الهائل الذي لحق بالمعالم الأثرية في البلدة القديمة، تعرضت معالم ورموز تاريخية وثقافية للتدمير الجزئي والكلي في مناطق عدة من القطاع، حيث تعرض متحف (خان يونس) لدمار كبير من جراء قصف الطائرات منازل سكنية مجاورة له، وقد أنشئ المتحف الذي يضم قطعاً أثرية تعود إلى عصور ما قبل العصر الحديث بجهود ذاتية، ومنها قطع تعود إلى الحقبة الرومانية واليونانية والبيزنطية والأيوبية والعثمانية، إضافة إلى نقود أثرية تعود إلى الحقب المذكورة، وتحطم بداخل المتحف العديد من القطع الفخارية الأثرية، بالإضافة إلى تدمير وتجريف قلعة برقوق الواقعة في قلب مدينة (خان يونس) جنوب قطاع غزة، والتي تُعتبر حصناً يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وقد تم تشييدها في عهد السلطان المملوكي برقوق، واستخدم هذا الحصن من قبل التجار المتنقلين بين مصر ودمشق، ولكن مع التوغل البري لمدينة (خان يونس)، تم تدمير القلعة التي تعتبر من أبرز الرموز التاريخية العريقة لمدينة (خان يونس).

🎞

كما دمرت الطائرات الحربية مقبرة دير البلح الواقعة إلى الشرق من المدينة، وتعتبر من المقابر التاريخية الأثرية التي تعرضت لدمار كامل من جراء قصفها من قبل الطائرات الحربية والمدفعية، وتضم المقبرة التي يعود تاريخها إلى العهد البرونزي توابيت فخارية ذات شكل بشري، وتُعتبر المقبرة مزاراً للوافدين من الخارج، وبالتحديد الفرق العربية والدولية المختصة بالتنقيب عن الآثار، إلى جانب ذلك تعرّض موقع تل رفح الأثري، الذي يعود تاريخه إلى العصر الكنعاني ويضم العديد من الكنوز الأثرية، عدا عن وجود العديد من القطع والعملات النادرة داخل الموقع، تعرّض للتدمير الكلي من قبل الطائرات الحربية، ويُعتبر هذا التدمير خسارة كبيرة لأهم موقع يضم كنوزاً أثرية عريقة وقديمة، تعمد الاحتلال تدميره بهدف إخفاء المعالم التاريخية التي يحتويها الموقع. 

وفي تعقيب له على حجم الدمار والتغول الإسرائيلي بحق المعالم والكنوز التاريخية في قطاع غزة، يقول أستاذ التاريخ المعاصر يوسف أبو عمر: إنّ "الاحتلال يستغل الحرب في تدمير الموروث الثقافي داخل قطاع غزة، خاصة أنّ القطاع يضم كنزاً كبيراً وثميناً من المواقع التاريخية العريقة الممتدة لمئات الأعوام، ويحاول من خلال ما يفعله طمس تاريخ غزة القديم، وهذا ما بات واضحاً من القصف المتواصل والمتعمد للمراكز والمكتبات والمواقع التاريخية المنتشرة في مختلف مناطق القطاع".

🎞

وأشار، في حديثه لـ (حفريات)، إلى أنّ "إسرائيل حاولت بكافة الطرق سرقة تاريخ غزة والعمل على طمسه سابقاً، لكن لم تُجدِ مساعيها نفعاً على مدار الأعوام الماضية، فاتجهت إلى سياسة طمس الوعي الثقافي للشعب، وقطع صلة السكان في غزة بتلك المواقع، من خلال تدميرها وحرق مقتنياتها العريقة؛ لكي لا تكون شاهدة على تاريخ غزة وفلسطين بشكل عام".

ولفت إلى أنّ" الشعب الفلسطيني ما زال يحتفظ بتاريخه رغم كل محاولات السرقة والطمس التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي، فرغم الدمار الذي تعرض له العديد من المواقع التاريخية، إلا أنّ التاريخ سيبقى حاضراً، وسيحتفظ الكبار بتاريخ غزة وينقلونه إلى الأجيال القادمة كي يبقى راسخاً في عقولهم".

🎞

ويتخوف أستاذ التاريخ من "استمرار أمد الحرب واستغلال إسرائيل ذلك في تدمير وسرقة ما تبقى من معالم تاريخية أخرى، في ظل اشتداد ضراوة القتال في مختلف مناطق قطاع غزة، واستمرار المدفعية في إطلاق القذائف العشوائية بشكل مكثف على مناطق واسعة من القطاع، وهذا ما حدث من تساقط وابل من القذائف على البلدة القديمة في مدينة غزة، التي تضم العشرات من المعالم الأثرية والتاريخية العريقة وتدمير عدد كبير منها.     

وتواصل إسرائيل للشهر العاشر على التوالي شن حرب إبادة بحق المدنيين العزّل والممتلكات العامة والبنى التحتية، متجاهلةً كافة القرارات الأممية والدولية الرامية إلى إنهاء حرب الإبادة على قطاع غزة، بعد أن بات القطاع كومة من الركام ومنطقة منكوبة غير صالحة للعيش.    




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية