الباحث عدة فلاحي لـ "حفريات": يستحيل قيام جمهورية إسلامية بالجزائر

الباحث عدة فلاحي لـ "حفريات": يستحيل قيام جمهورية إسلامية بالجزائر

الباحث عدة فلاحي لـ "حفريات": يستحيل قيام جمهورية إسلامية بالجزائر


26/07/2023

يشدّد الباحث الجزائري في الإسلاميات الأستاذ عدّة فلاحي على أنّه "من المستحيلات الـ (7) قيام جمهورية إسلامية بالجزائر"، ويحذّر من أنّ "بعض الإسلاميين خطر على المشروع الإسلامي، بل خطر على الإسلام نفسه"، كاشفاً عن تناقضات داخل الأحزاب الإسلامية الجزائرية، وبلوغ ردود فعلها في بعض الأحيان "حدّ التكفير بدل التفكير".

وفي حوار خاص بـ "حفريات"، يبرز النائب البرلماني السابق أنّ "التيار الإسلامي انحصر جغرافياً وعددياً"، مشيراً إلى "إصابة الأحزاب الإسلامية في الجزائر بنكسة مزدوجة"، ويربط تراجعات الإسلاميين بـ "إسقاطهم المراجعات"، كما يركّز على أنّ "الانشقاقات التي عاشتها الأحزاب الإسلامية تعود في الأصل إلى بنيتها الفكرية القائمة على السمع والطاعة، والتي تلغي حرية الفكر والإرادة".

وفيما يلي نصّ الحوار:

ما منظوركم لواقع الإسلاميين في الجزائر حالياً؟

ـ الإسلام السياسي بالجزائر يقاوم في ظل انهزامه وانحصاره وفشله في غالبية الدول العربية، بل حتى على مستوى جيرانه بالمغرب وتونس، حيث من تولّوا مسؤولية الحكم وتسيير بعض المؤسسات أظهروا ضعفاً وافتقاراً لثقافة الدولة، وكل هذا كانت له انعكاساته على الإسلاميين بالجزائر الذين تفرّقوا شيعاً وكلّ حزب بما لديهم فرحون، بل أضحى كلّ طرف يدّعي الغلبة على الطرف الآخر، وهو لا يملك لا نفوذاً في مؤسسات الدولة ومراكز القرار، ولا شعبية يفرض بها رؤيته ومشروعه، بل حتى هذه تجاوزها الزمن، فوقعوا في أزمة اقتراحات وأفكار.

ماذا عن خارطة انتشار إسلاميي الجزائر؟ وهل صحيح أنّ رقعة الإخوان أوسع مقارنةً بالسلفيين؟  

التيار الإسلامي انحصر جغرافياً وعددياً، وطيف كبير من أبنائه وأتباعه انفضوا من حوله، واختاروا وجهة أخرى، وهذا راجع لعدّة أسباب بينها أخلاقية، فالتيار بانغماسه في عالم السياسة فقد كثيراً من القيم والمُثل التي كان يبشر بها.

وثانياً أنّه تعرّض لعملية اختراق مخابراتية، فانقسم على نفسه، لدرجة أنّ أطرافه شرعوا في نشر غسيل إخوانهم عبر وسائل الإعلام، ناهيك عن التهم والتهم المتبادلة التي يُكيلها كل فريق للآخر، وفي ظلّ هذا المشهد غير المشرّف، تمدّد التيار السلفي الذي ما زال يمتلك نفوذاً معنوياً ومادياً، وبمقدوره إغراء الشباب ومن ضلّت بهم السبل.

مشهد لمسيرة للسلفيين في الجزائر

وسبق للتيار السلفي أن تعرّض هو الآخر لطعنة بعد إطلاق نيران صديقة شوّهت سمعته وسمعة مراجعه، والنتيجة أنّ كثيراً من الأتباع كذلك رجعوا خطوة إلى الوراء، واكتفوا بالالتزام الديني الذي لا يحمل عنواناً.

وهنا يجب ألّا نُسقط من الحسابات طبيعة العصر التي تختلف تماماً عن أعوام الألفية وعشريات التسعينات والثمانينات والسبعينات التي كانت تتميز بالبساطة والنية الزائدة على اللزوم وتغليب النزعة العاطفية على ما هو عقلاني... والخلاصة أنّ البراغماتية هي التي انتصرت، وما زالت دائرتها تتوسّع.

كيف تقاربون تجربة الإسلام السياسي في الجزائر، بعد كل الذي انتاب مسار التعددية على مدار أزيد من (3) عقود؟

تجربة الإسلام السياسي في ظلّ التعددية بالجزائر طوال (3) عقود يمكن القول إنّها دخلت في اشتباك داخلي بعد توقيف المسار الانتخابي خلال التسعينات، من خلال فصيل خط المغالبة الذي انتهى فانكسر، وفصيل ثانٍ حاول أن يطأطئ رأسه حتى لا تقتلعه العاصفة، لكن مع مرور الوقت احتوته السلطة، وبدأ في التآكل الداخلي والانشطار وخاصة خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

وهكذا بقي التيار الإسلامي أو الأحزاب الإسلامية تقوم بأدوار على الهامش في بعض مؤسسات الدولة، حتى وإن حاول تيار المغالبة أن يستعيد المبادرة بالاستثمار في الحراك عام 2019، لكنّ رهانه خسر مرة أخرى.

الإسلام السياسي بالجزائر يقاوم في ظل انهزامه وانحصاره وفشله في غالبية الدول العربية، بل حتى على مستوى جيرانه بالمغرب وتونس، حيث من تولّوا مسؤولية الحكم وتسيير بعض المؤسسات أظهروا ضعفاً وافتقاراً لثقافة الدولة

الحاصل أنّ التعددية السياسية بكل مكوناتها ضُربت في مقتل، وبقيت خيوط اللعبة كلها في يد السلطة، ويمكن القول إنّه إذا كانت تجربة التعددية السياسية عموماً انتكست، فالأحزاب الإسلامية أصيبت بنكستين، فلا هي استطاعت أن تقدّم نموذجاً بمقدوره إدارة الدولة، ولا هي أضحت قادرة على القيام بدورها الذي تأسّست من أجله، وهو الاشتغال بالدعوة.

هل تؤيدون النظرة المتضمنة أنّ ممارسة الإسلاميين للسياسة كانت على حساب انشغالهم بالدعوة، وصعوبة انتقالهم من الدعوة إلى الدولة، ممّا أطاح بالمشروع التربوي الاجتماعي الذي كان يُفترض تركيزهم عليه؟

للأسف قبل أكثر من عقد، خرجت عن واجب التحفظ والالتزام بالحزبية، بحكم أنّني كنت ناشطاً إسلامياً عضوياً، وشرعت في ممارسة النقد الذاتي للأحزاب والتيار الإسلامي، وذلك من خلال المقالات الصحفية والندوات التلفزيونية، الأمر الذي جرّ عليّ متاعب كثيرة لحدّ اتهامي بالخيانة والعمالة للسلطة، وللأسف بدل الدخول في الحوار والردّ فكرياً، أصبحت مطارداً، بل أصبحت مهدّداً في حياتي.

أشرت إلى تناقضات داخل الأحزاب الإسلامية، فهي من جهة تدّعي أنّها صاحبة مشروع رسالي وأخلاقي، لكن تجد في صفوفها بل حتى على مستوى هرم قياداتها، ممّن ركبوا التيار الإسلامي لتحقيق مصالحهم الخاصة، ويصدق عليهم المقولة الشهيرة: "الصلاة وراء عليّ أقوَم، والطعام مع معاوية أدسم"، فبعضهم لم يكن يلتزم حق الالتزام الذي يفرضه الشرع الإسلامي، وبعضهم اشتغل عيناً ينقل بها الأخبار التي تدور داخل البيت الإسلامي، لحساب جهات في السلطة، وهذا لم يعد سراً لمن يعرف المطبخ من الداخل.

لقطة لمسيرة شارك فيهتا أبرز قيادات الإسلاميين في نهاية ثمانينات القرن الماضي

فهل تقبل هكذا وضع يعطّل عقلك ويجعلك تمشي مع القطيع دون تفكير؟ طبعاً لا يمكن أن يكون الأمر كذلك مع من تربى على الصراحة والشفافية وقول كلمة الحق، وظلّ يدعو إلى الانفتاح على الغير وعلى فضاءات الحياة المدنية من فنون وآداب وغيرها، لكن يجب أن يتحمّل نتائج مواقفه لأنّها مكلّفة في ظلّ تنظيم مغلق، بل وأكثر من ذلك، كيف يمكن أن يُقبل منك أن تتحدى وتطلب من التيار الإسلامي الذي تنتمي إليه تاريخياً وتنظيمياً، إلى إعادة قراءة العلمانية من جديد ومحاولة الاستفادة منها.

هذا ما دعوت إليه، لكنّ ردود الفعل كانت عنيفة ومتطرّفة، وبلغت في بعض الأحيان حدّ التكفير، بدل التفكير الذي غاب في الغالب عن الأجندة الحزبية للتيار الإسلامي.

أشرتم منذ (14) عاماً إلى انتكاسة سياسية طالت الإسلاميين بفعل هيمنة الانتهازيين والدخلاء، هل ما تزال هذه الرؤية قائمة، وماذا عن صراع الإسلاميين والعلمانيين؟

 ما يمكن قوله إنّ كلّاً من التيارين الإسلامي والعلماني، في الجزائر بالخصوص، يمثلان أسوأ نموذجين، لهذا فصراعاتهما وخصومتهما غلب عليها طابع الاستفزاز والضرب تحت الحزام، ولقد تعجبت، قبل الحراك، حينما عُقد أكبر تجمع للمعارضة بقاعة حرشة وسط العاصمة الجزائر في عهد الرئيس الراحل بوتفليقة، فحينما تصافح علي بن حاج الرقم الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وسعيد سعدي رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حزب علماني)، ساد القاعة تكبير وتهليل، وعلّق بعض السُذّج وخاصة من الإعلاميين (الإيديولوجية ماتت)، فقلت حينها في مقال صحفي: إنّه من الغباء أن تموت الإيديولوجيا لمجرد المصافحة، ولا يمكن للإيديولوجيا أن تموت، لأنّ الحياة قائمة على تدافع الإيديولوجيات.

وهذا الذي حدث، فبعد مرور وقت قصير أخرج كل طرف سيوفه لاحتلال المواقع سواء بالحق أو بالباطل، لكن مع تراجع دور الإيديولوجيا في حياة الناس في الألفية الثالثة، ومع غياب الأوزان الثقيلة من هذه الجهة أو تلك، رغم ضحالتها وسلبيتها، إلّا أنّه يمكن القول إنّ صراع الإسلاميين والعلمانيين يكاد يختفي، ولا يطفو على السطح إلّا في المناسبات التي لا أثر لها على مستوى المجتمع في المنظورين البعيد والعميق.

سبق لكم أن اقترحتم مراجعات سياسية تشمل الأفكار والبرامج لإصلاح الخط العام للإسلاميين عموماً في الجزائر، إلى أيّ حدٍّ جرى تجسيد هذه المراجعات؟

 الإسلاميون يعانون في الفترة الأخيرة من "تراجعات"، لأنّهم أسقطوا من برنامجهم "المراجعات"، حتى وإن باشروها، فعلى استحياء وتردّد وخوف، لأنّهم لم يتعوّدوا على الحرية الفكرية، اللهمّ إلّا على المستويين النظري والتبشيري لتجميل الصورة والمشهد أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.

وما زال الاعتقاد لدى الإسلاميين بأنّهم مكلّفون من الله بتسيير وتدبير شؤون الناس، ولقد قالها صراحة أحد زعمائهم بأنّه يمارس السياسة لإرضاء الله، وهذه ورقة أحرقت صاحبها ومن معه.

ذهب فريق من إسلاميي الجزائر إلى أنّ لديهم البديل القائم على اقتصاد المشاركة وليس الاقتصاد الربوي الذي تسبب بالعديد من المآسي ـ بحسبهم ـ، ما نظرتك للمسألة؟

ـ اقتصاد المشاركة كبديل للاقتصاد الربوي ليس قناعة لدى الإسلاميين، بل هي قناعة التيار المحافظ غير المرتبط بإيديولوجيا الإسلاميين، بدليل أنّ المجلس الإسلامي الأعلى، وهو مؤسسة من مؤسسات الدولة الجزائرية، ذهب إلى هذا الخيار من خلال مساهمته في هذا المشروع الذي تكوّن وتوسّع مع مرور الوقت، وأضحى يلقى قبولاً واسعاً من المجتمع.

لكن ما يجب الانتباه إليه أنّ ما أطلق عليها مُسمّى "البنوك الربوية" من طرف الإعلاميين، مسألة في حاجة إلى النظر والتدقيق، فقد اختلف العلماء والفقهاء في تفكيرهم، لذا يجب ألّا نطلق على البنوك التقليدية أو الكلاسيكية مُسمّى "ربوية" هكذا بالمطلق دون ضوابط، لأنّ ما تأخذه البنوك من فوائد هو نتيجة الخدمات التي يقدّمونها للزبائن، وليس كما يعتقد البعض.

وحتى الاقتصاد الربحي شكّك فيه البعض، وقالوا إنّه الوجه الآخر للاقتصاد الربوي وتحايل على المبادئ، وهكذا دخلنا في دوّامة من الجدال الذي لا يمكن أن يحقّق لنا مكانة في عالم الكبار للأسف.

عاشت عدّة أحزاب إسلامية في الجزائر على وقع الانشقاقات، هل ترجعون ذلك إلى عامل المشيخة المسيطر، أم إلى طبيعة الممارسات ونمط التسيير؟

الانشقاقات التي عاشتها الأحزاب الإسلامية تعود في الأصل إلى بنيتها الفكرية القائمة على السمع والطاعة، والتي تلغي حرية الفكر والإرادة، فيتراكم المرض إلى أن يصل إلى حدّ الانفجار... فالتسلّط إمّا أن يكون عبر شخص يهيمن على الجماعة، وإمّا على فكرة تُفرض على الجماعة على أساس أنّها من الدين، وما دامت هي من الشريعة فهي من الله الذي لا معقّب لأمره، ومع مرور الوقت ظهر التململ داخل الجماعة، وراح كل واحد يراجع حساباته، والمقصود حسابات الربح والخسارة، فبعض المناضلين قدّموا النفس والنفيس طوال حياتهم، ولم يتقلدوا أيّ مسؤولية في الدولة، ولو كانت بسيطة، وخاصة على مستوى المجالس المنتخبة، في وقت عمّر فيه البعض، وأقاموا لأنفسهم إمبراطورية بعضها من حلال وبعضها من حرام.

الانشقاقات التي عاشتها الأحزاب الإسلامية تعود في الأصل إلى بنيتها الفكرية القائمة على السمع والطاعة، والتي تلغي حرية الفكر والإرادة، فيتراكم المرض إلى أن يصل إلى حدّ الانفجار

وهنا كان من السهل أن يخترق طرف في السلطة الإسلاميين ويغويهم، فوجد عند البعض الاستعداد للتضحية بالمشروع الإسلامي الذي آمنوا به يوماً، واكتشف البعض أنّهم انخدعوا بحكم أنّ ذاك المشروع كان نعمة بالنسبة إلى البعض، ونقمة على البعض الآخر، ومن هنا وقعت شرارة الانفجار.

يتحدث مراقبون عن خطر "فريق من الإسلاميين" على "المشروع الإسلامي" في الجزائر، هل تؤيدون هذا الطرح؟

هناك دعاء شهير يقول: "اللّهم احمِني من أصدقائي، أمّا أعدائي، فأنا كفيل بهم"، وهذا يصدق على التنظيمات التي تحمل مشروع مجتمع، وبالتالي يمكن القول فعلاً إنّ بعض الإسلاميين خطر على "المشروع الإسلامي"، بل خطر على الإسلام نفسه؛ بسبب غياب العقلانية وقيم احترام ثقافة الاختلاف والتسامح مع الآخر بالمفهوم الواسع، أي حتى مع الملل والنحل التي لا تدين بالإسلام، لكن للوصول إلى هذه الدرجة لا بدّ من إصلاحات واجتهادات شجاعة مع ضرورة توفّر الإمكانيات البشرية والمادية.

كيف تتوقعون أفق الإسلاميين في المرحلة القادمة بالجزائر؟

حالياً الطرق مسدودة أمام الإسلاميين الذين خسروا مواقع في مؤسسات الدولة رغم محدوديتها، وفي الوقت نفسه خسروا الشارع الذي ارتبط بشكل أكثر بالتكنولوجيا الحديثة، وبالتالي فقدوا ذلك البريق الذي كان يستهوي الناس، ودخلوا في حالة جمود (ستاتيكو)، لدرجة أضحوا معها ينتظرون المعجزة أو "المهدي المنتظر" الذي ينقذهم من التيه الذي توقعته قبل عقدين من الزمن، لكن للأسف وبسبب الغرور القاتل، استقبلت تنبيهاتي وتحذيراتي بكثير من الاستخفاف والاستهجان، واليوم الصورة أكثر سوداوية، ولا تبشّر بخير.

هل تؤمنون بإمكانية قيام جمهورية إسلامية في الجزائر؟

من المستحيلات الـ (7) قيام جمهورية إسلامية بالجزائر...، فحتى الذين يؤمنون بالمشروع الإسلامي لا يريدون ذلك، ما دامت وثيقة (الفاتح من نوفمبر) التي قامت عليها الثورة التحريرية (1954ـ 1962) تنصّ على أن الجزائر دولة جمهورية ديمقراطية شعبية وفق الشريعة الإسلامية.

وحتى عموم الجزائريين لا يفكّرون في ذلك، إنّما يريدون إقامة دولة العدل والقانون بعيداً عن المحسوبية والفساد والظلم، وحتى طبيعة العصر لم تعد تتحمّل ذلك؛ بسبب التجارب المأساوية التي شهدتها بعض الدول العربية والإسلامية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية