الانتخابات الرئاسية ومساعي حركة النهضة لتقويض منظومة الحكم في تونس

الانتخابات الرئاسية ومساعي حركة النهضة لتقويض منظومة الحكم في تونس

الانتخابات الرئاسية ومساعي حركة النهضة لتقويض منظومة الحكم في تونس


04/07/2024

أفادت عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس نجلاء العبروقي أنّ موعد الدور الأول للانتخابات الرئاسية المقبلة، سيكون إمّا يوم السادس أو الثالث عشر أو العشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 2024، مشيرة إلى أنّ الأجل الأقصى لإصدار رئيس الجمهورية لأمر دعوة الناخبين هو يوم 20 تموز (يوليو) الجاري، وقالت إنّ الهيئة انطلقت في مناقشة مشروع تنقيح قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، رقم (20) لعام 2014 المؤرخ في 8 آب (أغسطس) 2014، والمتعلق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية، إجراءاته وطرقه، في انتظار المصادقة عليه لاحقاً.

هذا ما أكدته المسؤولة في هيئة الانتخابات نجلاء العبروقي لوكالة الأنباء التونسية الرسمية حول محددات الاستحقاق الانتخابي وضوابطه الإجرائية خلال الفترة القادمة. بيد أنّ ذلك لم يمنع حركة النهضة "الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين" في تونس، من تفعيل مكونات الارتياب والشكوك حول المشهد السياسي برمته، ونيّة الرئيس قيس سعيّد لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي، ووصفته بـ "الغموض المتعمد" من الرئيس نحو تأخير جدول أعمال الاستحقاق الرئاسي.

استراتيجية إثارة الشكوك

تدرك النهضة وجبهة الخلاص أنّ تراكم الحديث عن دلالات الغموض في الاستحقاق الرئاسي، رغم التصريحات المتتابعة من هيئة الانتخابات حول مواعيد الانتخابات والآجال المحددة لذلك، يمنحها فرصة التفاعل مع المشهد السياسي، والقفز فوق كافة القيود القانونية، سواء على مستوى إغلاق المقرات، وأخرى تتعلق بتوقيف القيادات، فضلاً عن ترقب تطورات الموقف القانوني بخصوص عدة ملفات مفتوحة، لا سيّما قضية الاغتيالات السياسية والتسفير لبؤر التوتر، وما سيترتب على حسم تلك الملفات قضائياً، الأمر الذي ترجحه مصادر عديدة بالوصول إلى قرار حلّ الحركة من جانب القضاء. 

 نجلاء العبروقي

في هذا السياق يشير الكاتب السياسي التونسي خليل الرقيق، في تصريحات خصّ بها (حفريات)، إلى أنّ الاتجاه العام في البلاد يذهب إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها خلال الفترة المتراوحة بين السادس عشر من شهر تشرين الأول (أكتوبر) والعشرين من الشهر نفسه خلال العام الجاري. وتابع خليل الرقيق تصريحاته لافتاً إلى أنّ الموعد المحدد للاستحقاق الرئاسي يوافق تاريخ نهاية العهدة الرئاسية بـ (5) أعوام، التي بدأت في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2019.

جهود الهيئة الانتخابية

منذ زمن والهيئة تقوم بالاستعدادات التقنية اللوجستية، وتبقى الأمور القانونية التي ينبغي أن تشمل الملائمة بين القانون الانتخابي القديم، قانون 2014، والقانون أو الدستور التونسي الذي يشير إلى بعض نقاط تُعتبر قوانين عليا للدولة، باعتبار أنّ الدستور فوق كل القوانين.

كان ثمّة شرط في القانون الانتخابي القديم وجوب السن للمرشح عند سن (35) عاماً، وسيصبح (40) عاماً بموجب الدستور. وهناك مسألة الحقوق المدنية والسياسية وخلو السجل العدلي للمترشح من أيّ جريمة تشوبه أو من أيّ حكم قضائي مخلّ بهذه الحقوق. ووفقاً للصحفي التونسي خليل الرقيق، هناك أيضاً مسألة الجنسية وحتمية التمتع بالجنسية التونسية حصرياً دون سواها، ممّا يعني المنع على أصحاب الجنسيات المزدوجة الترشح للانتخابات الرئاسية.

إذاً هناك قانون انتخابي يعود إلى فترة سابقة سيتلاءم مع الدستور الجديد، وسيخضع له جميع المترشحين بحسب معاييره وشروطه.

ويلفت الكاتب التونسي خليل الرقيق إلى أنّ الأمور أضحت واضحة. ثمّة صراع ومعركة بالمعنى السياسي بين المنظومة الجديدة وكافة مؤسساتها، والمنظومة القديمة التي تحافظ على مصالحها وتوظف هذه الفرصة من أجل المحاربة للعودة نحو المشهد من جديد.

ويحدد الرقيق أنّ المنظومة القديمة لا تعبّر عنها حركة النهضة فقط، بل عدد من القوى المتحالفة معها. ولذا علينا القول إنّ حركة النهضة التي لا تستطيع التحرك علانية في هذه الفترة نتيجة القيود القانونية المفروضة على مقراتها وقياداتها لن تستطيع الترشح بمرشح معلوم يعبّر عنها؛ وبالتالي ستلجأ نحو الميل لقوى وسيطة ومرشحين واجهة لتكتلات أخرى بهدف الوصول إلى مرشح يستطيع استعادة الفترة الفائتة.
لكن، والحديث للمصدر ذاته، الأمر لم يُحسم بعد، ويحتاج بعض الوقت حتى نتبين كافة التحركات في صورتها الحاسمة، مثلما هو الأمر في إعلان القيادي النهضوي السابق عبد اللطيف المكي، الذي أعلن نيته الترشح للاستحقاق الرئاسي، وكذا بعض شخصيات جبهة الخلاص. 

حل حركة النهضة

إلى ذلك ستتحرك حركة النهضة، بكل الصور، نحو التفاعل مع مشهد الانتخابات الرئاسية؛ لاستعادة زمن حكمها فضلاً عن التفاعل مع المشهد السياسي والتقاطع معه؛ تحسباً لأيّ تطور سياسي في البلاد.

ويرى خليل الرقيق أنّ الحسم الرسمي والصريح هو رهين صدور أحكام في القضايا التي تقف أمامها اليوم الحركة تقريباً بكل رموزها ووزرائها القدامى، ورئيس الحركة راشد الغنوشي، ورئيس الحركة بالنيابة أيضاً منذر الونيسي.

الكاتب التونسي خليل الرقيق

الأحكام القضائية وحدها هي التي ستحسم الموضوع، لكن الرقيق يعتقد أنّه قانونياً هذا الحزب تقريباً لا وجود له الآن، فمقراته الآن مغلقة بقرار من السلطة التنفيذية، باعتبار وجود شبهات عديدة تحوم حول وجود جهاز خاص لهذه الحركة، وهذه قضية معروفة ومنشورة لدى القضاء، فالنهضة لديها جهاز غير علني يخترق مؤسسات الدولة، ويقوم أيضاً بأعمال عنف معينة. وهذه مسائل تقريباً متروكة للبت النهائي في القضايا العدلية. وأخطر قضية يمكن أن تفضي إلى حل حركة النهضة نهائياً، ستكون البت في قضايا التسفير إلى بؤر التوتر، والتي قطع فيها القضاء مراحل طويلة ومهمة، ووقف على تورطات حقيقية لأسماء بارزة في الحركة، ثم قضية الجهاز الخاص والتي كشفت عن تورط أسماء بارزة وقيادية في الحركة نحو جرائم الاغتيالات السياسية، وذلك سيفضي بالحتمية إلى حل الحركة نهائياً من سجلات وكشوف الأحزاب التونسية.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي انتخب في 13 تشرين الأول (أكتوبر) من العام  2019، ولمدة رئاسية من (5) أعوام، قد أكد خلال استقباله رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أنّ "من دعوا إلى مقاطعة انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم يعدون العدة بكل الوسائل للموعد الانتخابي المقبل"، في حديث واضح  إلى مشهد  الانتخابات الرئاسية، وأضاف سعيّد قائلاً: "لأنّه لا همّ لهم سوى رئاسة الدولة، متناسين ماضيهم القريب والبعيد الذي لم ينسه الشعب"، في إشارة إلى سنوات العشرية السوداء.

من جانبه، يشير الأكاديمي التونسي عبد الجليل بوقره  إلى أنّ  المشهد السياسي شهد نوعاً من التزام الرئيس قيس سعيّد بخارطة الطريق التي  أعلن عنها منذ أن قام  بتولي زمام الحكم في تونس خلال  شهر تموز (يوليو) 2021، وتجميده في مرحلة أولى لدستور 2014، ثم إلغاء العمل بأحكام هذا الدستور، وضبط خارطة الطريق التي تتمثل في سن دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية للبرلمان الغرفة الأولى وانتخابات الغرفة الثانية، وهو ما يُسمّى بمجلس الجهات والأقاليم. 

ويتابع بوقره تصريحاته لـ (حفريات) بقوله: إنّ إجراء الانتخابات الرئاسية في تونس خلال موعدها المقرر خريف العام الجاري، يمثل في الجانب الإيجابي بالأمر فيما يتميز به المشهد السياسي التونسي بصفة عامة، لكن ثمّة أشياء يجب أن يتمّ تداركها والنظر إليها ومعالجتها، قبل إجراء هذه الانتخابات. وتتمثل أساساً من خلال إعادة النظر في قانون المرسوم (54) الذي تسبب في عدة إيقافات لوجوه سياسية وأخرى إعلامية في تونس، ويؤكد أستاذ  التاريخ أنّ إبداء الرأي لا يمكن أن يعاقب بالسجن. 
ويؤكد الأكاديمي التونسي عبد الجليل بوقره أنّه بالنسبة إلى حركة النهضة وبقية مكونات المعارضة، فإنني أعتقد أنّ حركة النهضة ستعمل بكل قوة على إفشال هذه الانتخابات، واستغلال الأخطاء لضرب منظومة الحكم، وذلك عبر إعلان

الأكاديمي التونسي عبد الجليل بوقره
حركة النهضة  المقاطعة للانتخابات مع حلفائها من خلال موقف علني، بينما سيكون الموقف غير المعلن عبر المناورات والدسائس والألاعيب، مثل دفع بعض الأنصار إلى الترشح للانتخابات الرئاسية بغية خلخلة هذا الاستحقاق في مصداقيته. وهذا ما حصل بالفعل منذ أيام قليلة عندما أعلن أحد القياديين السابقين لحركة النهضة الإخوانية عبد اللطيف المكي عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية نهاية العام الجاري، بدعوى أنّه تحت غطاء الزعم بكونه شخصية مستقلة. فترشحه  الهدف منه إحداث نوع من الإرباك والتشويش على الانتخابات والعمل على إفشالها. 

ويربط الأكاديمي التونسي عبد الجليل بوقره نجاح مسار الرئيس قيس سعيّد وإتمامه لمشهد الانتخابات الرئاسية، من خلال تدارك السلطة الأمر، ومعالجة بعض الأخطاء خاصة مراجعة القانون (54) في اتجاه إلغاء عقوبة السجن على عقوبات إبداء الرأي تحديداً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية