محمود حسونة
«الاختيار» مسلسل يطل علينا عبر الشاشة هذه الأيام؛ ليعيد للفن بعض اعتباره، وليؤكد أن الفن فعلاً رسالة إذا أحسن القائمون عليه توظيفه، وأنه الأداة الأمثل لتغيير قناعات وتصحيح أخطاء وخطايا، وتكريم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وفضح خونة وتجار أوطان وديانات. الفن هو الأداة التي يمكن أن نربي من خلالها أجيالاً وأجيالاً على الحق، وندفع عنهم الباطل، ونحصنهم ضد الأفكار الشيطانية التي تحاول إغواءهم بها جماعات تتخذ من الدين ستاراً للانقضاض على الأوطان ونشر الفتنة والفوضى.
«الاختيار» هو الاسم الأنسب لهذه الملحمة الوطنية، اسم يؤكد أن الحياة اختيار، ويروج لفلسفة تعطي لكل إنسان حق الاختيار بين طريق الحق الذي سلكه ضابط الصاعقة أحمد صابر المنسي، وطريق الباطل الذي سلكه زميله هشام عشماوي، متخلياً عن شرف الجندية، ليسلك نهج الشيطان، وخالعاً رداء الشرف العسكري، ليرتدي رداء الإرهاب والعنف والقتل باسم الدين، والدين بريء من كل الجرائم التي ارتكبها هو ومعلموه وتلاميذه الذين تدربوا على يديه، في مصر وغيرها من بلاد العرب التي كانت وما تزال وستظل هدفاً للجماعات التكفيرية.
البطل أحمد صابر المنسي عرفه البعض بعد استشهاده في يوليو/تموز 2017، واليوم أصبح معروفًا لدى 100 مليون مصري، صغارهم قبل كبارهم، ومثلهم إن لم يزد من العرب الذين ينافسون المصريين تفاخراً واعتزازاً ببطولات الجيش المصري خلال حربه على الإرهاب وخلال تاريخه الحافل بالانتصارات؛ دفاعاً عن كرامة الأمة، ولعل هذا ما يدلل على قيمة الفن وسرعة انتشاره التي لا تعرف حدوداً.
ردود الفعل على مسلسل «الاختيار» سواء في الشارع المصري أو العربي أو على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكد أن الفن يمكن أن يكون وسيلة مثالية تستخدمها دولنا في حربها ضد الإرهاب وفكر الجماعات التي تتخذ من الدين ستاراً للوصول إلى السلطة، وتؤكد أن الفن الصادق لا يصلح فقط صورة الفن وصناعه؛ لكن يمكنه أن يصلح حال المجتمعات ويرتقي بالشعوب.
«الاختيار» لا يقدم فقط قصة حياة ضابط أحبط 125 عملية إرهابية، وأنقذ حياة 600 جندي خلال 4 أشهر في سيناء، وأصبح نموذجاً ومثلاً أعلى، بعد أن أضاء على بعض من ملامح حياته الاجتماعية والعسكرية، ولكنه أيضاً يستعرض من خلال حكاية البطل المنسي والإرهابي عشماوي، حقبة فاصلة في تاريخ مصر ويتناول خلال حلقاته الأولى بعضاً من حياة الناس في ظل عام حكم «الإخوان» الأسود، بظلاله المظلمة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وعلى الرغم من أنها مرحلة عشناها جميعاً، وليست بمقاييس الزمن والتاريخ بعيدة، فإن البعض يمكن أن يكون قد نسي أو فرضت عليه ظروف الحياة النسيان، وجاء المسلسل؛ ليذكرنا بما كنا عليه وما أصبحنا نعيشه من استقرار وتنمية وأمن وأمان، ولعله يذكرنا، ليصدق فينا قول الحق «إن الذكرى تنفع المؤمنين».
«الاختيار» ضربة أصابت «الإخوان» المتأسلمين وأشقاءهم وداعميهم ومموليهم والمتعاطفين معهم في مقتل، وأفقدتهم توازنهم، وكشفت أكاذيبهم وضلالهم أمام الرأي العام، وأعادت إحياء ذكرى 30 يونيو عندما زلزلت إرادة الشعب الأرض تحت أقدام حكم المرشد وزبانيته في الداخل والخارج، و3 يوليو يوم استعاد الشعب المصري دولته وإرادته وقراره، وخلّد بطلاً يستحق أن يبقى في ذاكرة الأجيال، شهيد الحق والشرف، ليتيقنوا أن الشهادة لأجل الوطن والأرض شرف، وأن الشهادة لا تكون لأجل أوهام ساعية إلى سلطة وإفساد الحياة وتفتيت الأوطان.
أحمد المنسي هو واحد من بين آلاف أبطال الجيش، الذين ملأوا تاريخنا بالبطولات، ولن يكون آخر الشهداء، كما أن عشماوي لن يكون آخر الخونة؛ ولو أن القائمين على أمر الفن قلّبوا في الملفات وصفحات التاريخ، وقدموا لنا نماذج لأبطال في العسكرية وفي العلم وفي الاقتصاد والسياسة، سترتقي قيمة الفن بهم اجتماعياً وسيكونون مصدراً للفخر لكل العاملين فيه والمنتمين إليه، وبذلك يكون الفن الوسيلة الأكثر فاعلية في تشكيل عقول النشء بشكل سليم لا يسمح للمضللين أن يتسللوا إليهم أو يجدوا لأنفسهم موطئ قدم بيننا.
أحمد صابر المنسي، لن يكون منسياً أبداً بعد «الاختيار» وسيكون خالداً بيننا حاضراً في وجداننا ووجدان أبنائنا وأحفادنا بما قدمه من بطولات يفخر بها كل عربي يعي قيمة الوطن، وستظل كلماته وآخرها «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم» على ألسنة الأجيال، ووصيته أن يدفن بزيه العسكري؛ إيماناً منه أن الشهيد لا يموت، في وجدان الناس.
التحية حق لمن اختار أن يقدم سيرة هذا البطل تليفزيونياً، ولكل من ساهم في أن يخرج بهذه الصورة.
عن "الخليج" الإماراتية