الإيرانيون يراقبون السلوك الروسي حيال إسرائيل في سوريا

الإيرانيون يراقبون السلوك الروسي حيال إسرائيل في سوريا


كاتب ومترجم فلسطيني‎
29/03/2022

ترجمة: إسماعيل حسن

تراقب إسرائيل على مدار الوقت المؤشرات التي تشهد على تغيير النهج الروسي تجاه عملها في سوريا، وسلاح الطيران بات يأخذ بعين الاعتبار أية مخاطر محتملة من تعرض الطلعات الجوية لمضادات روسية، في وقت تبلّغ فيه روسيا السوريين بالمعلومات مسبقاً عن طلعات سلاح الجوّ الإسرائيلي، ومنظومة الدفاع السورية ترد في وقت مبكر؛ فمنذ نشوب الحرب في أوكرانيا وإسرائيل تحرص على ألّا تثير غضب الدبّ الروسي في سوريا.

صحيح أنّ إسرائيل لم تتخلَّ عن الهجوم على أهداف إيرانية في سوريا، ولكنّها هذه الأيام تأخذ هوامش أمنية أوسع، وكلّ هدف يفحص جيداً قبل أن يتخذ القرار بتنفيذه، فالحساسية والتأهب العسكري للروس مرتفع جداً في هذا الوقت، ومدى تسامحهم لما من شأنه أن يعدّ بالنسبة إليهم عرقلة إسرائيلية أو مساساً بالمصلحة الروسية أقلّ وضوحاً، صحيح أنّ زيارة نفتالي بينت لروسيا والوساطة التي قدمها لم تفلح بعد في وقف العدوان الروسي على أوكرانيا، لكنّها سمحت لإسرائيل بالبقاء بعض الوقت الإضافي على الحياد، كما أنّ مخاوف إسرائيل من الوجود الإيراني داخل سوريا، دفعت بينيت للقاء بوتين لتفادي أيّ صراع بين الجانبين، تزامناً مع رغبة إسرائيل مواصلة ضرب الوجود الإيراني داخل سوريا. 

استغلال الحرب

إنّ السلوك الروسي تجاه إسرائيل في سوريا لم يتغير بعد، ولكن ربما تتغير وجهات نظر الروس في أيّ وقت، خاصة أنّ إيران  تقف إلى جانب روسيا، التي تواجه قطيعة دولية واسعة لها بسبب الحرب الدائرة، وربما سيطلب الإيرانيين ثمن الوقوف بجانبهم، وبذلك يمكن أن يجد ذلك تغييراً سريعاً من قبل الروس داخل سوريا، وينبغي الافتراض بأنّ الإيرانيين سيراقبون السلوك الروسي حيال إسرائيل في سوريا، الإسرائيليون يواجهون اليوم تهديداً إيرانياً حقيقياً، وبات الخوف والقلق يزداد بعد الضربة الجوية الأخيرة التي قتل فيها ضابطان إيرانيان، بعد قصف موقع تابع للحرس الثوري الإيراني في منطقة مطار دمشق الدولي، وتوعدت إيران بردٍّ قاسٍ لإسرائيل، يبدو أنّ إسرائيل استغلت الضوء الأخضر الذي حصلت عليه من بوتين، وهاجمت، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أهدافاً إيرانية في منطقة دمشق، هذه الضربة ربما لا تمررها روسيا التي تقيم علاقات إيجابية مع طهران وستساعدها في وقف الضربات الجوية، كما أنّ التقدير في إسرائيل يفيد بأنّ الرد الإيراني سيصل في جميع الأحوال، لكنّه سيتأخر بسبب المحادثات النووية في فيينا، التي توشك على التوقيع على الاتفاق، ولا ترغب إيران في المخاطرة بالتصعيد مع إسرائيل الآن وفقدان الوضع الجديد الذي سيكتسبه الاتفاق، حيث يمكنها بيع النفط للدول الغربية دون التقليل من خطورة تهديدها بالانتقام من إسرائيل، وسيكون خطيراً وينفذ في الوقت المناسب لإيران.

إحدى الرسائل الإسرائيلية المهمة، على خلفية حرب أوكرانيا، والاتفاق النووي الذي يوشك على التوقيع، أنّ إسرائيل ستواصل العمل في هذا الوقت دون صلة بتطورات الساحة الدولية

 مراقبون إسرائيليون يرون أنّ إيران تستغل الغزو الروسي لأوكرانيا لتعميق قواعدها العسكرية في سوريا، وتصعيد نشاط ميليشياتها المسلحة على الحدود مع إسرائيل، في حين إنّ ما تشهده سوريا من هجمات إسرائيلية ضدّ مواقع إيرانية، يؤكد أنّ الأمر لم يعد في بؤرة الاهتمام الدولي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى أنّ توقيع الاتفاق النووي قد يتأخر بسبب الطلب الروسي من أمريكا بعدم فرض أيّ عقوبات على تعاونها مع إيران، لكنّ عدم التوقيع عليه في الأيام المقبلة، سيسمح للإيرانيين بالركض نحو القنبلة دون أيّ إشراف دولي، مستغلة انشغال الولايات المتحدة في محاربة الغزو الروسي لأوكرانيا.

إيران تواصل تخصيب اليورانيوم

بالنسبة إلى الإيرانيين تعدّ الحرب الدائرة في أوكرانيا فرصة لتحقيق إنجازات إستراتيجية لهم. يتعلم الإيرانيون من درس أوكرانيا كثيراً، فأية دولة ليس لها سلاح نووي تكون سائبة لمصيرها، ولا أحد يأتي لمساعدتها عندما تهاجمها قوة عظمى. الإيرانيون لم يعودوا يتحدثون عن أنّ دينهم يحظر استخدام سلاح الدمار الشامل، وهم لن يتنازلوا عن تحقيق سلاح نووي، سواء وقع اتفاق في فيينا أم لا، إيران اتخذت مؤخراً قراراً إستراتيجياً تسعى من خلاله لاستغلال حقيقة أنّ الغرب علق في مصاعب مجال الطاقة، كي يرفعوا المطالب، سواء في مجال العقوبات أو في مجال الرقابة، يأخذ الإيرانيون بالحسبان إمكانية أنّ تحرير النفط الإيراني إلى السوق العالمية سيخفض أسعار النفط، كي يفتحوا الاتفاق الذي كان يفترض أن يوقع وفقاً لكلّ الشركاء، بمن فيهم الإيرانيون، في هذه الأثناء المحادثات عالقة والمعنى من ناحية إسرائيل، أنّ إيران تواصل تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة، وليس هناك من يوقفها، هكذا أيضاً حتى قبل الأزمة في أوكرانيا، فالمسألة الإيرانية تعدّ في نظر الأمريكيين والأوروبيين مصدر إزعاج تجب إزالته عن الطاولة.

اقرأ أيضاً: هل تصبح إسرائيل مصدّرة للغاز إلى أوروبا بدلاً من روسيا؟

أما اليوم؛ ففي ظلّ الأزمة في أوكرانيا، فإنّها دحرت، أكثر فأكثر، إلى الزاوية، هناك قرار إستراتيجي مهمّ آخر للإيرانيين، كان التحيّز والتأييد للروس من ناحية إيران يحمل مزايا على المدى القريب والبعيد، في المدى القريب تتوقع إيران من روسيا تقييد حرية العمل الإسرائيلية في سوريا، حتى اليوم أتيحت حرية العمل هذه بسبب المصلحة الروسية في إضعاف الإيرانيين، أما التأييد الإيراني المتحمس لروسيا فمن شأنه أن يغيّر الوضع، وستبدأ إسرائيل بتلقي القيود على حرية عملها ضدّ إيران، أما على المدى البعيد فالإيرانيون يرغبون في التعاون الاقتصادي مع روسيا، ولا سيما في مجال المشتريات العسكرية.

فيلق القدس يهدد إسرائيل

لا يبشر الغزو الروسي لأوكرانيا بكلّ أحواله بأيّ خير للإسرائيليين، في ظلّ أنّ مصلحة إسرائيل تقوم على منع تحول إيران لدولة نووية وحرية التموضع في سوريا، فالواقع يشير إلى أنّ روسيا وإيران، الدولتين المنبوذتين، ستدعمان الواحدة الأخرى، وستتعاونان عسكرياً واقتصادياً، بينما في الخلفية يوجد اتفاق اقتصادي لثلاثين سنة بين إيران والصين.

يدرك الإيرانيون جيداً ضعف الغرب في محادثات فيينا، والتقدير في إسرائيل أنّه فور توقيع الاتفاق النووي، ستزيد إيران من عمليات فيلق القدس وأذرعها المتعددة ضدّ إسرائيل

 يدرك الإيرانيون جيداً ضعف الغرب في محادثات فيينا، والتقدير في إسرائيل أنّه فور توقيع الاتفاق النووي الجديد، ستزيد إيران من عمليات فيلق القدس وأذرعها المتعددة في المنطقة ضدّ إسرائيل، ومنذ الآن يستغل الإيرانيون الحرب في أوكرانيا لتعزيز تمركزهم العسكري في الأراضي السورية، وفي تقدير مصادر أمنية إسرائيلية وسعت إيران مؤخراً نطاق عمليات نقل السلاح إلى سوريا ولبنان، بما في ذلك مسيّرات وصواريخ دقيقة ومنظومات دفاع جوي، كما أنّ إسرائيل قلقة جداً من استخدام المسيرات الإيرانية في المنطقة، وبالاستناد إلى مصادر أمنية قبيل التوقيع المحتمل للاتفاق النووي الجديد، تنوي إسرائيل الكشف عن معلومات استخباراتية بشأن الخطر الإيراني الذي لا يشكّله الاتفاق النووي فقط، بل أيضاً أنشطة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في شتى أنحاء المنطقة، وتخطط إيران لضخّ أموال كثيرة لعمليات فيلق القدس، بعد رفع العقوبات عنها، واستئناف بيعها النفط لدول العالم، وتحاول إسرائيل زيادة الوعي العالمي بالخطر المتوقع، وأيضاً ردع إيران عن مواصلة نشاطها في موضوع المسيّرات.

الحفاظ على العلاقة مع روسيا

يعدّ نجاح عمل روسيا في أوكرانيا مقدمة وفرصة لأن يعطي إسناداً لقبضتها في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تتعلق فيه إسرائيل بقدر ما بنية طيبة لموسكو لمواصلة عملها الهجومي ضدّ أهداف إيرانية في سوريا، إسرائيل حرصت خلال السنوات الأخيرة على عدم المس بالمصالح الروسية في المنطقة، هذا لم ينجح دوماً والعلاقات بين روسيا وإسرائيل بالنسبة لنشاط الجيش الإسرائيلي في سوريا شهدت ارتفاعاً وهبوطاً في السنوات الأخيرة، فقبل بضعة أسابيع أجرت طائرات قتالية روسية جولة مشتركة مع طائرات سورية في منطقة الجولان، بعثت الطلعات الجوية تساؤلات فيما إذا كانت محاولة روسية للتضييق على خطى إسرائيل في المجال الشمالي، عملياً كما أفادت وسائل الإعلام فإنّ الجولة الروسية السورية لم تعرقل حرية العمل الإسرائيلية في سوريا، كلّ هذا سيكون في علامة استفهام الآن، خاصة بعد أن اختارت إسرائيل جانباً ووقفت إلى جانب أوكرانيا، حاولت إسرائيل مؤخراً السير بين القطرات كي لا تغضب الروس، وأن تحافظ على حرية العمل الإسرائيلية في سوريا، غير أنّ إسرائيل نشرت عشية الغزو الروسي لأوكرانيا بيان تأييد لأوكرانيا، ولم يتأخر الردّ الروسي؛ فقد أوضحت موسكو بأنّها لا تعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، كما أنّ روسيا قد تستوعب فائض اليورانيوم المخصب الذي أنتجته إيران بداية عام 2019، وهي السنة التي بدأت فيها بخرقه عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.

اقرأ أيضاً: هل تدفع إسرائيل ثمن انحيازها ضد روسيا وأين سيكون رد بوتين؟

 في المقابل، إذا قررت روسيا عدم التوقيع على الاتفاق بدون ضمانات أمريكية خطية، فيمكن للدول الأوروبية أن تلعب دورها في استيعاب فائض اليورانيوم، روسيا والصين يمكنهما أيضاً مساعدة إيران في تطوير برنامج نووي للأغراض السلمية بحسب قيود الاتفاق النووي.

مواصلة ضرب إيران

ترى القيادة العسكرية الإسرائيلية أنّ الهجوم المنسوب لإسرائيل في سوريا، الأسبوع الماضي، لا يشكّل في هذه المرحلة تعبيراً عن تغيير في السياسة الإسرائيلية، ولا وعن تصاعد درجة المواجهة في المعركة تجاه إيران في محاولة لمنع تموضعها في المنطقة، فمنذ نحو عقد من الزمان نفذ سلاح الجو مهمات ذات مزايا مشابهة.

اقرأ أيضاً: مقايضات أنقرة بعد كشف مخطط إيراني لاغتيال إسرائيلي في تركيا

إنّ إحدى الرسائل الإسرائيلية المهمة، على خلفية حرب أوكرانيا، والاتفاق النووي الذي يوشك على التوقيع، أنّ إسرائيل ستواصل العمل في هذا الوقت دون صلة بتطورات الساحة الدولية، المعلومات التي تمّ جمعها لم يكن القتيلان الإيرانيان هدفاً للهجوم، لكنّهما كانا في المكان والزمان غير الصحيحين، ويرتبط الهجوم الأخير في أغلب الظنّ بمشروع الصواريخ الدقيقة، يدور الحديث عن عملية مخطط لها وانتظرت نضج الظروف العملياتية والاستخبارية والتوقيت السليم، الجيش الإسرائيلي معني بتحقيق أهدافه دون أن يدهور المنطقة إلى حرب، بالتالي، فإنّ الجيش الإسرائيلي يدير المخاطر وأحياناً باختياره ألا ينفذ عملية معينة، فخلال السنوات الأخيرة قدّرت محافل إسرائيلية قتل عدد من نشطاء الحرس الثوري الإيراني في سوريا جراء هجمات منسوبة لإسرائيل، لكنّ إيران التزمت الصمت أما هذه المرة، فقد اتخذوا طريقاً آخر وأخرجوا أمر موت النشطاء بفارق ساعات طويلة، بعد ادعائهم أنّ القتيلين كانا مواطنين سوريين، ومن خلال هذا البلاغ يبثّ الإيرانيون رسالة بأنّ الهجوم الأخير يخرج عن قواعد اللعب غير المكتوبة في المواجهة العسكرية بين الدولتين، والجارية منذ سنين على نار هادئة، كما أنّ هذا هو السبب الذي جعل الجيش الإسرائيلي يرفع مستوى التأهب في الشمال، سواء قصدت إسرائيل المسّ برجال الحرس الثوري في سوريا أم لا، فقد يقدّر محور المقاومة بوجود محاولة إسرائيلية لتغيير قواعد اللعب في سوريا، في ظلّ حالة التوتر الدولي القائمة ومحاولة إيران استغلال ذلك في تعزيزها قدراتها العسكرية.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.facebook.com/yediotahronot/posts/pfbid0veyA7EM7uqQuLVyRCJ5CRr97i2oLFUjcTAKp5kQ3D7Z4TGZ2Jtmbz3kL9WnUfivTl?__tn__=%2CO*F



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية