الإمارات وسقوط الإخوان على أعتاب الدولة

الإمارات وسقوط الإخوان على أعتاب الدولة

الإمارات وسقوط الإخوان على أعتاب الدولة


21/05/2025

ظل حلم السيطرة على المجتمع الخليجي يراود الرعيل الأول للإخوان المسلمين؛ في محاولة للاستفادة من قدرات وإمكانات الدول الوليدة في المنطقة العربية، ولم يكن في الحسبان أن يتحول الصدام بين الزعيم جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين، أوائل النصف الثاني من القرن العشرين، إلى بارقة أمل للجماعة، بعد أن فرّت قياداتها إلى دول الخليج العربي، ليبدؤوا في تأسيس فروعهم هناك، وكانت على رأس الدول التي تمددت فيها دعوة الإخوان بعد الخروج من مصر؛ دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تأثرت بتلك الدعوة نتيجة صعود تلك الجماعات في البلدان الخليجية المحيطة، مثل قطر والكويت.

في مقال للكاتب عبد الغفار حسين، عنوانه: "الإخوان المسلمون في الإمارات"، أشار إلى أنّ تمدد الإخوان في المنطقة بدأت معالمه من اختراق إخوان قطر للإمارات. يقول الكاتب: "ولم يكن الطريق سهل المسالك أمام التوسع الإخواني، وغيرهم من الجماعات في الخليج العربي غير المنسجمة مع التيار القومي، ولذلك لم تقم في هذه المناطق تجمعات إخوانية منظمة لها الحول والطول قبل السبعينيات من القرن الماضي، ولكنّ بارقة الأمل لمع وميضها في قطر (وقطر ما تزال مرتعاً فيه الخصوبة للإخوان حتى هذه الأيام)؛ حيث لجأ إليها أفراد من الإخوان، أُخرجوا من مصر، أو خرجوا منها، فتبنّاهم حاكم قطر السابق، الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، الذي رأى أنّ الإخوان سلفيون مسلمون اضطُهدوا في ديارهم فلجؤوا إلى بلده، وعليه نصرتهم...".

الكاتب: عبد الغفار حسين

يصف حسين المجتمع الإماراتي في تلك الفترة: "... وكانت تفاعلاته مبنية على المشاعر العاطفية المحضة تجاه القضايا والأحداث الجارية في المنطقة، وكانت وسائل الإعلام الموجهة في الدول العربية ذات الأنظمة الراديكالية هي التي توجه أحاسيس الناس وتسيطر عليها، وتسيّرها بحسب أهدافها".

وفي دراسة لـ (بوابة الحركات الإسلامية) عن تمدد الإخوان في الإمارات، بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، "ترتبط البدايات الأولى لوجود "الإخوان" في دولة الإمارات بفترة الستينيات من القرن الماضي، وكانت قطر أول مكان انطلقوا منه صوب الإمارات، وتحديداً "دُبي"، ليبدأ نشاط الإخوان في الإمارات من مقر البعثة التعليمية القطرية عام 1962، وكان الشيخ عبد البديع صقر ضلعاً رئيساً في تأسيس التنظيم هناك، وأرسل المدرسين من مقر البعثة التعليمية القطرية، واختارهم بعناية من الإخوان التنظيميين، وكان يتردد بانتظام على الإمارات ليشرف على التأسيس بنفسه؛ حيث أسس أول مدرسة تابعة لهم تحت اسم "مدرسة الإيمان"، في منطقة الراشدية في دبي، وكان مديرو المدرسة من أقرباء الشيخ عبد البديع والمتصلين به من الإخوان، وتولى شقيقه أمين صقر موقع مدير المكتبة العامة التي أسستها البلدية عام 1963 في دبي، بعد أن جاء به من قطر، وكان الشيخ عبد البديع والشيخ يوسف القرضاوي يقيمان في قطر، ويترددان باستمرار على الإمارات، وكانا من أبرز المحاضرين في قاعة المكتبة العامة، وبرز معهما الشيخ الإماراتي عبد الله بن علي المحمود، الذي كان له حضور بارز وفاعل في النشاط الإخواني، وتنظيم الأوقاف والمساجد في إمارة الشارقة منذ وقت مبكر جداً".

يُعدّ عبد البديع صقر ضلعاً رئيساً في تأسيس التنظيم في الإمارات.

عبد البديع صقر 

عن عبد البديع صقر يقول الخبير في شؤون الحركات الإسلامية طارق أبو السعد لـ (حفريات): "التحق صقر بالإخوان في غضون 1938، وهي الفترة التي كان يؤسس فيها حسن البنا أجهزة الجماعة السرّية مع المؤتمر الخامس للإخوان.  وُظّف صقر حسب دراسته داعياً وخطيباً ومربياً للإخوان، في عام 1954 سافر هرباً من مصر إلى دولة قطر بناءً على ترشيح محبّ الدين الخطيب له، حسب شهادة يوسف القرضاوي، وهناك تواصل مباشرة مع حاكم قطر". 

ويضيف أبو السعد: "كان ذلك في عهد الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني ـ رحمه الله ـ  حاكم قطر. وقد انضمَّ عبد البديع إلى مجلس الشيخ علي وأضحى قريباً منه، وكان يذهب إلى بعض البلاد ليختار المدرسين منها، وخصوصاً سوريا والأردن وفلسطين، إذ لم يكن يستطيع دخول مصر في عهد عبد الناصر. ثم انضمَّ إليه عدد من المصريين من الإخوان في أعوام 1954م - 1956م وكان منهم: كمال ناجي، وعز الدين إبراهيم، وعلي شحاتة، وعبد الحليم أبو شقة، وحسن المعايرجي، ومحمد الشافعي، وكلهم عملوا مع عبد البديع في المعارف بعد ذلك. وأنشئت "دار الكتب القطرية" وعُيّن عبد البديع أول مدير لها. وقد ظلَّ في منصبه إلى أن غادر قطر عام 1972م بعد الحركة التصحيحية التي قام بها الشيخ خليفة بن حمد، وَوَلي حكم البلاد بإقرار الأسرة الحاكمة، وتأييد الشعب القطري. وانتقل منها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث بقي فيها إلى أن انتقل إلى رحمة الله".

عبد البديع صقر 

ويرى أبو السعد أنّ توجه عبد البديع وكثير من الإخوان إلى منطقة الخليج والمملكة العربية السعودية لم يكن بحثاً عن مكان وملاذ آمن فحسب،"بل كان وفق رؤية للسيطرة على الدول الوليدة والجديدة معتمدين على ندرة المتعلمين من هذه البلاد في تلك الفترة وقدرتهم على العمل في خدمة أيّ بلاط  تحت مزاعم تمكين الدعوة".

جمعية الإصلاح والتوجيه الإجتماعي

عمل الإخوان فى الإمارات تحت مُسمّى "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"، وفي دراسة لمنصور النقيدان، نُشرت في كتاب: "الإخوان المسلمون في الخليج"، نقلاً عن الدكتور محمد الركن، أستاذ القانون الدولي السابق: "يرجع الدكتور محمد الركن، وهو من الأسماء البارزة من الإخوان الإمارتيين، فكرة إنشاء جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي إلى تأثرهم بتجارب الإخوان المسلمين في مصر والكويت؛ بعد عودة بعض الطلبة الإمارتيين في أواخر الستينيات من دراستهم في مصر والكويت، يحدوهم أمل في إنشاء جماعة تمارس أنشطتها وتنشئ مؤسساتها ومحاضنها التربوية في البلاد، لتستقطب الشباب إلى أفكار الجماعة، وتهيئهم ليكونوا كوادر مؤثرة في المجتمع الإماراتي الوليد".

ويضيف النقيدان: "وفي عام 1974 تقدمت مجموعة من رجال الأعمال والوجهاء وشيوخ الدين والدعاة، ومنهم الإخوان القدامى، مثل: سلطان بن كايد القاسمي، ومحمد بن عبد الله العجلان، وعبد الرحمن البكر، وحمد حسن رقيط آل علي، وحسن الدقي، وسعيد عبد الله حارب المهيري، تقدمت هذه المجموعة بطلب إلى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة حاكم دبي بإشهار الجمعية".

دخلت الإمارات في مواجهة مع الفكر المتطرف الذي استغل حالة الانفلات الأمني في المنطقة العربية.

ويشير النقيدان إلى أنّ إمارة الشارقة أغلقت الباب في وجه الإخوان، ولم تسمح بافتتاح فرع للجمعية، وأرجع النقيدان تمنّع الشارقة إلى غلبة المزاج القومي والعروبي على مفاصل الثقافة في الإمارة المحافظة في السبعينيات، متأثرة بأجواء الخصومة التاريخية بين الناصريين والإخوان في تلك الفترة، التي استمرت حتى نهاية الثمانينيات.

وكعادتها في جميع دول الخليج، التي سعت الجماعة لاختراقها، بدأ التمدد في مفاصل وزارة التربية والتعليم، وذكر موقع بوابة الحركات الإسلامية عن ذلك: "عام 1977 نشطت كوادر الإخوان المسلمين عبر قطاع التعليم، من خلال المساهمة في صياغة المناهج التعليمية، والسيطرة على النشاط الطلابي، وكانوا يهدفون إلى استقطاب الطلاب منذ الصغر، من خلال زرع أدبياتهم عبر المناهج الدراسية والتعليمية.

في 5 آذار (مارس) 1979 قام مجلس إدارة جمعية الإصلاح بكتابة رسالة إلى حكام الاتحاد، بمناسبة اجتماع المجلس الأعلى لحكام البلاد أعضاء المجلس الأعلى، وفيه يدعوهم إلى تولية الصالحين وتنظيف البلاد من الفساد والمفسدين، ويدعوهم إلى إنفاق أموال البترول في سبيل الله وفي طاعته، وسعوا إلى إنفاذ قرارات أخرى تدفع نحو تأييد توجهاتهم الحزبية والفكرية".

لاحقاً انتهت محاولات تمدد الإخوان داخل الإمارات بالفشل، وسقطت على أعتاب ما عُرف بالربيع العربي عام 2011؛ فقد دخلت الدولة في مواجهة مع الفكر المتطرف الذي استغل حالة الانفلات الأمني في المنطقة العربية متسلحة بالعلوم الحديثة، وكان من أبرز مؤشرات ذلك حظر الجماعة في الإمارات، ووضعها وقادتها على قوائم الإرهاب منذ العام 2015 حتى اليوم.    




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية