الإفلاس الديموغرافي... إلى أين تقود الشيخوخة العالم؟

الإفلاس الديموغرافي... إلى أين تقود الشيخوخة العالم؟

الإفلاس الديموغرافي... إلى أين تقود الشيخوخة العالم؟


11/09/2023

هل بات العالم يعاني بالفعل ظاهرة الشيخوخة التي تكاد تأخذه في طريق الإفلاس الديموغرافي؟

الثابت أنه على رغم تزايد عدد سكان العالم خلال السنوات الأخيرة، فإن الزيادة تحدث بوتيرة أبطأ، وذلك وفقاً لتقارير أممية متعددة تشير إلى تصاعد معدلات الشيخوخة وسط تراجع نسب الخصوبة.

بحسب إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، فإن عدد سكان العالم ينمو حالياً بأقل نسبة معروفة منذ عام 1950، وقد يصل إلى نحو 8.5 مليار نسمة عام 2030، و9.7 مليار عام 2050، مع توقع أن يبلغ ذروته مع نحو 10.4 مليار نسمة في سنة 2080، على أن يبقى بهذا المستوى حتى عام 2100.

في الوقت عينه تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن انخفاض معدلات المواليد يعني تزايد شيخوخة السكان بشكل عام ووجود نسبة أكبر من الناس في سن يحتاجون فيها إلى المساعدة، وسيتأثر هذا أيضاً بزيادة متوسط العمر المتوقع من 72.8 سنة في عام 2019 إلى 77.2 سنة في عام 2050، كما سينزلق مزيد من الدول ذات الدخل المرتفع إلى توجهات نمو سكاني سلبية.

ترى ما الأسباب التي تقود العالم في طريق هذا التدهور الديموغرافي عند البعض، وما تداعيات زيادة نسب الشيخوخة على الاقتصاد العالمي من جهة، وعلى نفوذ دول العالم من جهة ثانية؟ ثم يبقى التساؤل هل باتت هناك أجيال بعينها رافضة لفكرة تكوين الأسرة والإنجاب، وتفضل عيش الحريات المطلقة عن الالتزام بقيود الحياة النمطية؟

وأخيراً وليس آخراً، هل التقدم العلمي وارتفاع معدلات الرعاية الصحية يلعبان دوراً متقدماً في ظاهرة الإفلاس الديموغرافي التي تهدد عدداً من الدول، وربما قارات بعينها، كما هو الحال في القارتين الأوروبية والآسيوية، مما يعني تغيرات سكانية مثيرة وربما خطرة فوق سطح الكرة الأرضية؟

تعداد العالم

لعل حديث العالم رقمياً يعكس قدراً مؤكداً من الحقائق، لا سيما أنها لا تكذب ولا تتجمل، حتى وإن كان طابعها جافاً، كما شأن القضايا الاقتصادية والحسابية. فما الذي نعنيه أول الأمر بلفظة "شيخوخة السكان"؟

باختصار غير مخل، التحول في توزيع سكان دولة ما باتجاه الأعمار المتقدمة، وعادة ما ينعكس هذا في زيادة متوسط أعمار السكان، وانخفاض في نسبة السكان المكونة من الأطفال، وارتفاع نسبة السكان المكونة من كبار السن وبالعودة إلى تقارير الأمم المتحدة، نجد أن شيخوخة السكان في حاضرات أيامنا في أعلى مستوياتها على مر التاريخ البشري.

وصل عدد الشيوخ والمسنين عام 2000 إلى نحو 600 مليون نسمة، وتجاوز إلى 700 مليون في العام الذي يليه، ومن المتوقع أن يصل عدد كبار السن والمسنين مجتمعين إلى 2.1 مليار نسمة بحلول عام 2050. وإذا افترضنا أن سكان الكرة الأرضية بحلول 2050 سيبلغون ثمانية مليارات نسمة، فإن معنى ذلك أن ربع العالم سيكون قد دخل حدود نسبة الشيخوخة.

بالعودة إلى البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 2019، ضمن تقرير التوقعات السكانية للعالم، نجد أنه مع حلول عام 2050 سيكون 16 في المئة من عدد سكان العالم أكبر من سن 65 سنة، أي بزيادة سبعة في المئة عن عام 2019. أما في أوروبا وأميركا الشمالية، فالمتوقع أن يكون ربع سكانها ممن هم فوق سن 65.

كان عام 2018 هو أول عام في التاريخ على الصعيد العالمي، يزيد فيه عدد المسنين فوق سن 65 عن عدد الأطفال دون الخامسة، كما أن من المتوقع أن يزيد عدد من هم فوق سن الـ80 ثلاثة أضعاف (من 143 مليوناً في 2019 إلى 426 مليوناً في عام 2050).

الزيادة السلبية

المؤكد أن آسيا وأوروبا هما المنطقتان المرشحتان لشيخوخة سكانية بالغة. ويكشف معهد أكسفورد للشيخوخة السكانية، وهو مؤسسة تبحث في شيخوخة السكان في العالم، عن عديد من أوجه هذه الزيادة المفزعة، وتبرز مديرة المعهد البروفيسورة سارة هاربر، في كتابها "جمعيات الشيخوخة" الآثار المترتبة على شيخوخة سكان العالم بالنسبة إلى العمل والأسرة والصحة والتعليم والتكنولوجيا.

أوروبا الأكثر شيخوخة عالمياً

تبدو القارة الأوروبية هي الأكثر عرضة للتهديدات الديموغرافية ولزيادة معدلات الأعمار، مما يعني مزيداً من الشيخوخة، وفي الوقت عينه تناقص معدلات المواليد وتراجع نسب الخصوبة.

من هذا المنطلق تبدو القارة الأوروبية عرضة لاختلالات تكتونية في هرمها السكاني، وتهاجمها الشيخوخة بسرعات عالية، ويعيش في أوروبا اليوم أكبر نسبة من المسنين في العالم، ففي حين يبلغ عدد سكانها مليار نسمة تقريباً، فإن نحو 191 مليون شخص منهم تتجاوز أعمارهم الـ60، أي قرابة الربع.

بالنظر تحديداً إلى أوضاع الاتحاد الأوروبي، نجد أن خمس سكان الاتحاد اليوم يتجاوز الـ65 سنة، ولهذا وجدنا نائبة رئيس المفوضية الأوروبية للديمقراطية والديموغرافيا دوبرافكا سويكا، وفي تقرير لجنة المساواة بين الجنسين الصادر عن الاتحاد تقول "أوروبا قارة شيخوخة، ويتوجب عليها أن تستعد للطلب المتزايد على الرعاية طويلة الأجل، سيكون التحدي المشترك الذي يواجه القارة هو ضمان الحصول على رعاية ميسورة الكلفة وعالية الجودة وقوة عاملة مناسبة".

بالرجوع إلى بعض الدراسات الإحصائية التي قدمت في الداخل الأوروبي، ومنها بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومجلس أوروبا، فإن هناك عديداً من المؤشرات الإحصائية التي تكشف عن الزيادة السريعة في معدلات الشيخوخة بالدول الأوروبية، ويتبين ذلك من خلال أبعاد عدة، أولها تزايد نسبة كبار السنن التي يعانيها معظم الأوروبيين، مقارنة بدول أخرى، ففي إيطاليا على سبيل المثال يعيش نحو 18 مليون شخص تجاوزوا 60 سنة، وهو ما يمثل ما يقرب من 30 في المئة من إجمالي السكان، بينما تضم ألمانيا نحو 24 مليون شخص أكبر من 60 سنة، وهو ما يعادل 28.6 في المئة من إجمالي السكان.

أما في المملكة المتحدة، فيعيش فيها أكثر من 16.5 مليون شخص تجاوزت أعمارهم 60 سنة، ويمثلون ربع السكان، وتصل النسبة في فرنسا إلى 17.5 مليون نسمة، ما يشكل 27 في المئة من إجمالي السكان، وفي إسبانيا تصل نسبة من تجاوزوا الـ60 سنة إلى 26.3 في المئة من إجمالي السكان.

لقد باتت مسألة الديموغرافيا من أكثر القضايا المزعجة للقادة الأوروبيين، ولعل تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في شهر مايو (أيار) الماضي تشي بذلك. وعندما حذر من أن "شيخوخة السكان تتزايد بالفعل فيما يتعلق بالديموغرافيا، حيث بلغ عدد المواليد في فرنسا عام 2022، 723 ألفاً، وهو الأدنى منذ عام 1946، ما بعث بطلقة تحذيرية، إن جاز التعبير.

ووفقاً لوزارة العمل الفرنسية، فإنه بحلول عام 2030، سيدخل 640 ألف شاب فقط إلى سوق العمل في المتوسط كل عام في فرنسا، بينما سيكون هناك 760 ألف وظيفة يتعين شغلها.

الشيخوخة تلاحق الصين

عرفت الصين طوال النصف الثاني من القرن الـ20، وحتى العقدين الأوليين من القرن الـ21، بأنها صاحبة أكبر معدلات في النمو السكاني، وقد اقتربت من مليار و400 مليون نسمة.

غير أن التساؤل: هل هذا المعدل سيمضي قدماً إلى الأمام، أم أن هناك متغيرات جذرية طرأت وستطرأ عليه في قادم الأيام، وبما يغير من هذا الوضع الديموغرافي بشكل مثير؟

ربما أدركت الصين أن سياسة الطفل الواحد التي طبقتها بدءاً من عام 1979 قادت شعبها إلى طريق الشيخوخة من دون أن تقصد ذلك، ومن هنا يمكن للمرء أن يتفهم إشكالية تناقص نسبة الأيدي العاملة مقابل زيادة نسب المسنين بشكل غير مسبوق.

عطفاً على ذلك فقد حدث اختلال بين نسب الجنسين بسبب حرص الأسر على أن يكون طفلها الوحيد ذكراً، لأنها لن تحصل على فرصة أخرى للإنجاب بخاصة في المدن، ولهذا تم قتل الملايين من الإناث في المهد أو إجهاضهن وهن أجنة، مما سبب أزمة لملايين الشباب الذكور في إيجاد زوجات، ولجأ البعض إلى خطف آلاف الفتيات من دول مجاورة كميانمار.

شهد عام 2022 أكبر تراجع في عدد سكان الصين، من خلال أقل نسبة مواليد عرفتها البلاد، على رغم كافة الطرق التي عادت الحكومة لتلجأ إليها، وفي مقدمتها تقديم محفزات لإنجاب الطفل الثاني.

تبدو الصين اليوم وكأنها تستشعر خطراً داهماً يحلق فوقها، فتراجع عدد سكانها يفتح الباب لتراجع نفوذها الاقتصادي في مواجهة جارتها الهند بنوع خاص، والتي قد تتجاوزها سكانياً في المدى الزمني المنظور.

في أبريل (نيسان) الماضي، كانت هيئة الإذاعة البريطانية تنقل عن فريق أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية توقعاتهم بحدوث انخفاض في متوسط عدد السكان بالصين تقدر نسبته سنوياً بـ1.1 في المئة بدءاً من وقتنا الحالي، ما سيؤدي إلى انخفاض عدد البشر بها إلى 587 مليوناً فقط، بحول عام 2100، أي أقل من نصف العدد الموجود اليوم.

وفي حين يقابل كل 20 شيخاً صينياً 100 من الشباب اليوم في أنحاء البلاد، فإن التوقعات تشير إلى تغير تلك النسبة بعد 80 عاماً، إذ سيوجد مقابل كل 100 شاب 120 مسناً، وهو ما سيشكل عبئاً هائلاً على الاقتصاد الصيني وقتها.

ما الذي جرى للصينيين؟

الثابت أنه على رغم أن السلطات الصينية قررت ومنذ عام 2021، زيادة عدد الأطفال المسموح بولادتهم إلى 3 بدلاً من 2، حين لم تجد سياسة الطفلين، إلا أن المدهش هو أن الصينيين أنفسهم بدوا وكأنهم اعتادوا على فكرة إنجاب طفل واحد، ذلك أنه بعد عامين من تطبيق سياسة الطفلين لم يزد معدل السكان بالقدر المطلوب، إذ شهد عام 2017 انخفاض المواليد بنسبة 52 في المئة عن العام السابق له، بحسب مكتب الإحصاءات الوطني الصيني، ومنذ ذلك الحين ظل الانخفاض ملازماً للبلاد.

التسونامي السكاني يلاحق اليابان

المؤكد أنه بالنظر إلى الخريطة السكانية لبعض أهم دول القارة الآسيوية، ربما يفاجأ الباحث بإشكالية اليابان، تلك التي تعرضت يوماً لتسونامي من البحر، وها هي اليوم تعيش حالة من حالات تسونامي البر. تضم اليابان اليوم ثاني أعلى نسبة في العالم من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة وأكثر، بعد ولاية موناكو، ووفقاً لبيانات البنك الدولي.

من جهة ثانية يشكل اليابانيون الذين تزيد أعمارهم على 75 سنة نسبة 15 في المئة من سكان البلاد، واللافت أن اليابانيين يفضلون اليوم العيش بلا عائلة مع ارتفاع الكلفة المعيشية، وبحسب الخبراء السكانيين، فإن استمرار الاتجاهات الحالية تعني أن عدد سكان اليابان سينخفض من 128 مليوناً في عام 2017 إلى 50 مليوناً في عام 2100.

وبمزيد من الأرقام، فقد بلغ إجمالي عدد المواليد خلال الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (أيلول) 2022 قرابة 600 ألف طفل، وهو أقل بنسبة 4.9 في المئة مقارنة بما كان عليه في عام 2021، إذ بلغ 811 ألف طفل.

كما أظهرت نتائج الاستطلاعات امتناع كثير من الشباب اليابانيين عن الزواج وتكوين الأسرة، بسبب الإحباط، وقلة آفاق العمل في ظل غلاء المعيشة، والتنقلات المرهقة، مما يفرض على كلا الوالدين العمل لملاحقة التضخم المتزايد باستمرار، وذلك غير ممكن في ظل القوانين المعقدة التي تفرضها الشركات على موظفيها.

في خطاب افتتاحه للدورة البرلمانية الجديدة في يناير من العام الحالي، تحدث رئيس وزراء اليابان فوميو كيسيداً مشيراً للخلل الرهيب في النمو السكاني لليابانيين. واعتبر أن انخفاض معدل المواليد وشيخوخة السكان في البلاد "يشكلان خطراً ملحاً على المجتمع"، ومتعهداً معالجة هذا الخلل من خلال إنشاء وكالة حكومية جديدة، تتابع هذه القضية الجوهرية في حياة الأمة اليابانية.

تصريحات كيشيدا كشفت عن أن عدد المواليد انخفض إلى أقل من 800 ألف العام الماضي، "اليابان تقف على حافة ما إذا كان بإمكاننا الاستمرار في العمل كمجتمع تركيز الانتباه على السياسات المتعلقة بالأطفال وتربية الأطفال قضية لا يمكن أن تنتظر ولا يمكن تأجيلها".

لا تبدو ظاهرة تناقص عدد سكان اليابان ظاهرة حديثة، إذ تواجه انخفاضاً في المواليد منذ عام 1973، وهو العام الذي بلغ فيه ذروته بتسجيل 2.1 مليون نسمة. هل هذا التراجع في المواليد يعني أن التجربة اليابانية التي أدهشت العالم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، آيلة إلى زوال حكماً؟

يمكن أن يكون ذلك كذلك قولاً وفعلاً، لا سيما أن اليابان تعاني بالفعل ارتفاع كلفة المعيشة، وانخفاض الأجور، على رغم اقتصادها الذي يصنف ضمن أقوى الاقتصادات العالمية، ولا تبذل الحكومة جهوداً تذكر لتشجيع مواطنيها على الزواج والإنجاب، على رغم المعونات المقدمة لتشجيع الحمل والولادة ورعاية الأطفال.

روسيا وشبح التراجع السكاني

أظهرت الحرب الروسية – الأوكرانية مخاوف عديدة قائمة في النفسية والعقلية الروسية، مخاوف ليس سببها تراجع قدرات روسيا العسكرية، ذلك أن ما لديها من أسلحة تقليدية، وأخرى نووية كفيلة بأن تردع من تسول له نفسه تجاوز مقدرات البلاد القيصرية.

مخاوف روسيا، وهذه توقف معها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل نحو شهرين، تتبدى من الناحية الديموغرافية، تلك التي باتت تنافس الطقس والموقع الجغرافي، المهددين التاريخيين لروسيا.

وتشهد روسيا بدورها تراجعاً مقلقاً في تعداد سكانها، فقد ورد في القسم الخاص بالسكان من تقرير الأمم المتحدة 2021، أن سكان روسيا حالياً يبلغ نحو 145 مليون نسمة تقريباً، وأنه سيهبط إلى 104 ملايين نسمة بحلول 2050.

يقول موراي فيشباخ العالم الديموغرافي الأميركي المتخصص في سكان الاتحاد السوفياتي سابقاً، أن عدد سكان روسيا يهبط بمعدل 750 ألف نسمة سنوياً.

وهناك متخصصون آخرون يؤكدون أن روسيا تخسر مليون نسمة سنوياً من عدد سكانها، وأن هذا الانخفاض في تزايد مستمر، ووفق هذه التقارير فإن عدد سكان روسيا سينخفض بعد 50 عاماً إلى نحو 80 مليون نسمة.

ويرجع المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف سبب تراجع عدد ال[[سكان في روسيا إلى تراجع عدد النساء الراغبات في الولادة والإنجاب، فيما يعزو المعيد في المدرسة العليا للاقتصاد أوليغ ماتفييف تناقص عدد السكان وزيادة معدلات الشيخوخة إلى حقبة التسعينيات من القرن الماضي، التي ترتبط لدى الجيل الأكبر سناً بالفقر وعدم دفع المعاشات والأجور والنقص في المواد الأساسية، حيث تجاوز معدل المواليد في تلك الحقبة بمقدار 1.5 مرة.

كما تحدث البعض خلال الأعوام القليلة الماضية عن تأثيرات فيروس كورونا، غير أن المتخصص في التاريخ الروسي مكسيم أرتيوموف يرى أن الوتيرة الحالية هي مجرد استمرار في ارتفاع الوفيات الذي ساد خلال السنوات الثلاث الأخيرة، رافضاً اعتبار فيروس كورونا مسؤولاً عن مثل هذا الفشل، لأنه لا يشكل سوى 20 في المئة من الزيادة في الوفيات، بحسب تعبيره.

والشاهد أن زيادة معدلات الشيخوخة في روسيا تعزى كذلك إلى هجرة الشباب للخارج، وتفيد تقديرات شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة بأن عدد السكان سينخفض إلى 132 مليون نسمة بحلول عام 2050.

ويتساءل مراقبون: هل ستكون للتبعات الاقتصادية للحرب على أوكرانيا، والعقوبات التي تعانيها روسيا، دور في زيادة معدلات المواليد بصورة سلبية، مما يرفع من نسب الشيخوخة بشكل يهدد مسارات الاقتصاد الروسي وبقية أوجه الحياة؟

أمريكا... خصوبة وهجرة متراجعتان

بالقطع هناك أزمة عميقة في الداخل الأميركي، ولعلها تتضح بشكل خاص في مشاهد القادة السياسيين، الطاعنين في العمر، وما يجري في معركة الرئاسة الأميركية القادمة 2024، بين الرئيس بايدن والمرشح ترمب يقطع بأن هناك قلقاً حقيقياً في هذا الاتجاه.

على أن أزمة الشيخوخة في أميركا له طابع عرقي بنوع خاص، يمكن أن يوجه طعنة قاتلة لمسيرتها الاتحادية، ويهدد بتفكيك أوصالها، ومشابهة الاتحاد السوفياتي سابقاً، فماذا نعني بذلك؟

عند المحلل السياسي ألكسندر نازاروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تمر بعدد من الأزمات في وقت واحد، إلا أن الأزمة الديموغرافية هي التي ستقضي عليها، حيث يؤدي فقدان الغالبية البيضاء، وتقدمهم في العمر، إلى خلق صراع سياسي، يمكن أن يفكك الجمهورية الأميركية في جيلنا الحالي.

تبدو تفضيلات الشباب الأميركي، والمشابهة لنظيرتها في أوروبا، حول نهج المساكنة، وعدم الزواج، والالتزام بالإنجاب في مقدمة الأسباب التي تجعل معدلات الخصوبة الأميركية متراجعة، والشيخوخة متقدمة عليها، بل وسابقة لها.

على أن أمراً آخر يفيد بأن أزمة الشيخوخة في أميركا ستتفاقم، وهو موصول بمعدلات الهجرة المتناقصة، فقد بدا أخيراً وكأن الحلم الأميركي يزوي ويضمحل في عيون كثيرين حول الكرة الأرضية، مما جعل معدلات الهجرة تتناقص، وفد يعزى ذلك لحالة الانفلات الأخلاقي التي وصلت إلى حد التشجيع على المثلية، وفتح مساقات الحرية الأقرب إلى الانحلال، مما جعل مواطني شعوب كثيرة حول العالم ترفض فكرة الهجرة لأميركا.

أخيراً تقف صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الشهيرة أمام قضية الشيخوخة والمواليد، وذهبت تبحث عن الأسباب التي أدت وتؤدي إلى تراجع المواليد واتجاه الأميركيين لإنجاب أطفال أقل، وقد تبين أن عدد المواليد في الولايات المتحدة أخذ في التراجع منذ نحو 15 عاماً، ولم يتعاف منذ ذلك الحين.

ظن البعض من الخبراء والمحللين أن الأمر ما هو سوى ركود إنجابي موقت ناتج من الصدمة التي أصابت العالم وبثت الخوف في القلوب إثر الأزمة المالية العالمية في عام 2008، إلا أن الواقع أفاد بأن الركود بات طويل الأمد.

تظهر الأرقام أن نحو 3.66 مليون طفل ولدوا في الولايات المتحدة في عام 2022، بانخفاض قدره 15 في المئة منذ عام 2007، ومن ثم انتاب كثير من العلماء والمتخصصين في الديموغرافيا حالة من القلق نظراً إلى تأثير هذا التراجع على الاقتصاد الأميركي، وكذلك العواقب الاجتماعية المتعلقة بالنقص المتزايد في العمال الذين يمكنهم شغل الوظائف والمساهمة في برامج مثل الضمان الاجتماعي التي تعنى بأصحاب الشيخوخة وتقد لهم الرعاية الطبية.

ما الذي يتبقى؟

قد تحتاج هذه القراءة المطولة لعودة ثانية لمراجعة عدد من النقاط المتبقية، من نوعية الأسباب التي تعظم من تزايد معدلات الشيخوخة، والأزمات الاقتصادية التي تولدها. ثم تتبقى هناك قضية ارتباط النفوذ السياسي بالنمو السكاني، ومتابعة حالة الدول التي ستنمو في العقود المقبلة، ومراجعة الأسباب العلمية التي تقطع بأن قضية الشيخوخة ستبقى معضلة مركبة ومعقدة، ومن ثم تظهر قضية الشيخوخة في تفاعلاتها مع عالم الذكاء الاصطناعي، والإناسة الروبوتية القادمة.

بجانب ما تقدم تظل هناك قضايا دينية تتقاطع مع مسألة الشيخوخة، ومنها، بل في مقدمتها قضية الموت الرحيم، وهل سيكون الحل هو إتاحة الفرصة لمن يرغب من الذين طال بهم العمر أن يتخلصوا من حيواتهم بأنفسهم، وهو أمر يخضع لأهواء وأنواء كثيرة.

مهما يكن من أمر فإن الشيخوخة من جهة، وتناقص معدلات الخصوبة من جهة ثانية، أمران يعنيان أن إفلاس العالم ديموغرافياً أمر وراد وبقوة.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية