"الإسلاميون" واحتكار التعليم الديني في ألمانيا

"الإسلاميون" واحتكار التعليم الديني في ألمانيا


04/03/2021

أحمد نظيف

ما إن أعلن مجلس وزراء حكومة ولاية بافاريا الألمانية، عن قراره في 23 شباط (فبراير) الماضي تطبيق مادة للتعريف بالدين الإسلامي في نحو 350 مدرسة في الولاية كمقرر اختياري من بين مجموعة من المواد الدراسية الإلزامية، حتى تعالت أصوات الجماعات الإسلامية في البلاد احتجاجاً ضد القرار. للوهلة الأولى، يبدو خبر الاحتجاج غريباً، لغير المقيمين في أوروبا، حيث يبدو من الغريب أن يعترض بعض المسلمين على تدريس ديانتهم في المدارس النظامية. ولكن الطبيعة الاحتكارية لتيار الإسلام السياسي، بمختلف تنظيماته – "الإخوانية" و"السلفية" والتركية – تبرز بشراسة كلما أرادت أي جهة من خارج هذا التيار أن تقدم المعرفة الدينية وفقاً لمناهج مخالفة لمنهج الإسلاموية.

التعليم الديني هو المادة الدراسية الوحيدة في ألمانيا التي ينص عليها الدستور الاتحادي صراحة، حيث ينص في مادته السابعة ضمن قسم الحقوق الأساسية على أنه "يحق لأولياء الأمور والأوصياء اتخاذ القرار في ما يختص بتلقي أطفالهم التعليم الديني. يُشكل التعليم الديني جزءاً من المنهج الدراسي العادي في المدارس الحكومية، باستثناء المدارس التي لا تتبع طائفة دينية معينة. من دون المساس بحق الدولة الإشرافي، يُقدم التعليم الديني في شكلٍ يتوافق مع العقائد الأساسية للطائفة الدينية المعنية. لا يجوز إلزام أي مدرس بإعطاء تعليم ديني ضد إرادته". وسعياً منها لاحتكار تمثيل الجاليات المسلمة في البلاد والمسلمين الألمان، تحاول الجماعات الإسلامية خصوصاً جماعة "مللي غوروش" الإسلامية التركية، الجناح الأوروبي لـ" الإخوان المسلمين" الأتراك، وكذلك "الاتحاد الإسلامي للشؤون الدينية" Ditib التابع إدارياً ومالياً للحكومة التركية، حيث تسعى هذه الجماعات لتمكين مناهجها الإسلامية ضمن المنهج الرسمي الذي يدرس للتلامذة حول الإسلام في المدارس الحكومية.

وقالت صحيفة ''دياسبورا ديلي'' – لسان الشتات التركي في ألمانيا – في مقال احتجاجي ضد الخطوة التي قامت بها ولاية بافاريا: "يتعين على الدولة أن تتعاون مع الجماعات الدينية لتقديم دروس دينية في المدارس العامة كما هو الحال مع العقيدة الكاثوليكية والبروتستانتية. ومع ذلك، لم تعترف الدول الألمانية بالجماعات الإسلامية مع استثناءات معينة. في غياب هذا الاعتراف، تعرضت الجماعات الإسلامية للتمييز مراراً وتكراراً من قبل الولايات الألمانية على الرغم من المادة 7-3 من الدستور، وبالتالي فشلت في المشاركة في التعليم الإسلامي في المدارس العامة إلى جانب الكاثوليك والبروتستانت". كما أصدرت الجماعات الإسلامية الموالية لتركيا بياناً لانتقاد قرار حكومة بافاريا. وقالت في بيان مشترك إن موقف الدولة من استبعاد الجالية المسلمة من المشاركة في دروس الإسلام في المدارس الحكومية يتعارض مع جهودهم الطويلة ويتعارض مع الدستور، على حد قولهم.

ولاية بافاريا ليست الأولى التي تتوجه نحو تدريس الإسلام في فصول مدارسها الحكومية، وليست الأولى التي تعرضت للنقد بسبب ذلك. فقد سبقها إلى ذلك ولاية شمال الراين ـ ويستفاليا الواقعة غرب البلاد، منذ عام 2012، في نحو 44 مدرسة ابتدائية تضم 2500 تلميذ وتلميذة، لكنها أصبحت تواجه تتبعات قضائية بعد أن رفعت ضدها مجموعات إسلامية دعاوى ''من أجل اعتماد الإسلام كحصة تعليم أساسية في مدارس الولاية العمومية البالغ عددها 230 مدرسة"، لتجد نفسها أمام القضاء بتهمة تدريس الإسلام وخصمها أمام القاضي جماعات إسلامية ترفع شعار الدين والدعوى، لكن جوهر الدعوى ليس تعليم الإسلام في ذاته بل المنهج. حيث تقاتل هذه الجماعات بشتى الوسائل لتفرض رؤيتها وفهمها للإسلام داخل المناهج التي تدرسها الدولة للتلامذة، في رغبة جامحة لتشكيل أجيال جديدة من المسلمين الألمان يحملون رؤية الإسلام السياسي وفي محاولة لإعادة انتاج قوة بشرية لدعم مشاريعها في التمكين.

والحال نفسها في ولاية هيسن، التي اعتمدت التماشي نفسه في عدم تشريك الجماعات الإسلامية في وضع مناهج تدريس الإسلام في مدارس الولاية، كما قامت – في نيسان (أبريل) 2020 بفك الارتباط بالاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية Ditib الذي كان يشرف على وضع المناهج وإدارة فصول التعليم الديني بالكامل في 56 مدرسة ابتدائية و12 مدرسة ثانوية على أراضيها منذ 2012، بسبب الولاء السياسي والإداري والمالي للاتحاد للحكومة التركية وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم.

ومنذ ذلك الوقت تواجه الولاية حملة انتقاد غير مسبوقة من المجموعات الإسلاموية أعقبتها سلسلة دعاوى قضائية في القضاء الإداري والدستوري، وبعد جدل قانوني طويل خسرت النزال القضائي أمام الجماعات الإسلامية التركية حيث أصدرت المحكمة الدستورية الفدرالية بشأن التعليم الديني الإسلامي في الولاية حكماً قالت فيه إن "قرار ولاية هيسن بوضع التعليم الديني الإسلامي تحت سيطرة الدولة من دون مشاركة المجتمعات الدينية الإسلامية كان قراراً خاطئاً لأسباب عدة لأن الدولة لا يمكن لها ولا يجب عليها إعطاء تعليم ديني طائفي".

لكن "النصر" القضائي الذي حصلت عليه الجماعات الإسلامية التركية في قضية هيسن لا يمكنها من المشاركة في وضع المناهج، وإنما يعلق فقط دروس التعليم الديني، لأن التشريعات الألمانية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية – وإن كانت تكفل حرية العبادة والمعتقد – إلا أنها لا تعترف رسمياً بالإسلام كـ"طائفة دينية" في المجتمع الألماني، كما لا تعترف بأي جماعة أو تنظيم اسلامي كممثل رسمي للدين الإسلامي، وبالتالي سيبقى الأمر معلقاً حتى إشعار آخر.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية