جون لوبوك
يعدّ عبد الرحمن ديليباك واحدا من أكثر كتاب الأعمدة الأتراك الإسلاميين الموالين للحكومة صخبا وأوسعهم مخيّلة. يعمل في صحيفة يني أكيت الإسلامية اليمينية والمعادية للسامية. وقد صنع لنفسه بالفعل اسما بنظريات مؤامرة عديدة قبل أن ينتقل إلى مؤامرات فيروس كورونا. ففي يناير، توجه المناهض للقاح البالغ من العمر 72 عاما، إلى جانب مسؤول من منظمة الإغاثة سانتا كلوز، إلى المحكمة لمحاولة وقف حملة التطعيم الحكومية.
لسبب ما، تعاون هذا الثنائي الذي لم نتوقع رؤيته، وأسسا موقعا يهدف إلى الترويج لفكرة أن النخب الشريرة مثل بيل غيتس تريد حقن الناس بشرائح صغيرة تحت غطاء توفير المناعة ضد الفيروس القاتل.
كما يعتقد ديليباك أنه يجب السماح باستهلاك الماريجوانا لأنه يعتقد أنها يمكن أن تساعد في الحماية من كوفيد-19، وقد وصفها في الماضي بأنها "نعمة وهدية إلهية وعلاج من الله".
قد تجد هذه المواقف المختلفة متناقضة إلى حد ما، لكنها تنبع من مجموعة من المعتقدات التي أصبحت مؤثرة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان.
وكما ذكر موقع أحوال تركية في أكتوبر الماضي، كانت السيدة الأولى التركية أمينة أردوغان من المدافعين المتحمسين عن المنتجات الغذائية العشبية والعضوية. فقد دعمت مشروع " بذور الأجداد"، الذي يُعتقد أنه مستوحى من عالم الكيمياء الحيوية إبراهيم عدنان سراج أوغلو. ويعتبر هذا المشروع البذور الحديثة المعدلة وراثيا مضرّة مما يستوجب جمع البذور القديمة واستخدامها لإنتاج المزيد من المحاصيل الطبيعية.
ويُعدّ سراج أوغلو واحدا من العديد من مستشاري الرئيس أردوغان وحضر إطلاق مشروع "بذور الأجداد"، حيث اشتكى من أن الغربيين نهبوا ثروة الأناضول النباتية، حسبما ذكر موقع أحوال تركية في أكتوبر.
في مقال حديث بعنوان "لا تقلل من شأن البذرة!" يشرح ديليباك هذا الخوف من أن الشركات الغربية تحاول السيطرة على العالم، قائلا إنها تسرق البذور من الدول الإسلامية.
وذكر أن أولئك الذين يخططون للسيطرة على العالم يبنون مدنا تحت الأرض. ويبرمجون روبوتات لقتل الناس، كما أقاموا مخازن بذور، ويتحدثون عن بدء الحياة من جديد بعد التخلص من غير المرغوب فيهم. لم يعد المال هدفهم، ويبدو أنهم يشبّهون أنفسهم بالآلهة، كما يرى ديليباك.
دعنا ننتقل الآن إلى "جي 5 فايروس نيوز"، وهو موقع إلكتروني يروج له ديليباك ويبدو أنه قد أسسه. تعيد المقالات والصفحة الرئيسية إلى الأذهان بشدة ميم تشارلي في المسلسل الهزلي الأميركي "فيلادلفيا دائما مشمسة" وهو يحاول شرح نظرية المؤامرة.
في إحدى المقالات على الموقع ، يقترح ديليباك بطريقة ما أن حرف "تي" في "إل جي بي تي" (مجتمع الميم) يدل على "الترانس هيومنيزم"، أي ما بعد الإنسانية، وأنه مع اقتراب ما بعد الإنسانية، نرى آخر ألعاب "نهاية الأيام"، نسميها "نهاية الزمان" ويسميها البعض "نهاية التاريخ".
يبدو أن ديليباك يرى في الجائحة ومجتمع الميم مؤامرات لتقليل عدد سكان العالم. وقال: "ربما سيقدمون غدا لقاح الكورونا كدواء، وسيضيفون إليه عنصرا ينهي القدرة على الإنجاب. وأنت تعرف كيف يمكن للفيروس أن ينتشر بالمال، وهذا جيد لبيتكوين". ويقترح مثل هذه النظرة المخيفة والمربكة للعالم لدرجة أنك لست متأكدا مما إذا كنت ستضحك أو تشفق على الرجل الذي يروّج لها.
لست متأكدا من أن هناك فائدة كبيرة من محاولة فهم أي من هذه التخيلات الغريبة. والمثير للدهشة أن فيسبوك وتويتر ويوتيوب تتسامح مع هذا النوع من المحتوى الخطير والعنصري والمتآمر على منصاتها حيث يواصل ديليباك الترويج لمعلوماته الخاطئة. ربما، كما في حالة مؤامرة كيو أنو(خطّة سرية مزعومة لما يُسمّى الدولة العميقة في الولايات المتحدة ضدّ دونالد ترامب وأنصاره)، سيتطلب الأمر تحرك شركات التكنولوجيا الكبيرة لإزالة المحتوى الذي يولد تفاعلات كبيرة وبالتالي بيانات وأرباحا لهم.
يبدو أن كاتب العمود في يني أكيت اعتاد أن يكون لاهوتيا يحظى باحترام معقول قبل أن ينغمس في عالم المؤامرات. ومثل الكثيرين، يبدو غير قادر على التعامل مع اندفاع الدوبامين الناجم عن تفاعل وسائل التواصل الاجتماعي، مما شجعه على بث أشياء غريبة من أجل جذب الانتباه.
من المرجح أن يؤدي صوته في الصحافة المؤيدة لحزب العدالة والتنمية، حتى مع بدء الحكومة التركية لبرنامج اللقاح، إلى تقويض نسب تلقي اللقاح، وإطالة أمد مشاكل تركيا الاقتصادية نتيجة لذلك. ومع ذلك، ونظرا لكونه مؤيدا صريحا للرئيس ومؤهلا للتمتع بمهنة إعلامية ناجحة في تركيا، فمن غير المرجح أن يعاني ديليباك من أي عواقب لنظريات المؤامرة. وستستمر الصحافة في الترويج له، مما يعيق جهود الحكومة في تلقيح سكان البلاد.
نرى وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة غارقة في نظريات المؤامرة ومعاداة السامية والدعاية بالفعل. ويصعب على وسائل الإعلام المتحيزة التي تسيطر عليها الدولة أن توقف نظريات المؤامرة مثل تلك التي ينشرها ديليباك، لأنها مذنبة مثله.
وتبقى هذه حالة أخرى سيؤدي الافتقار إلى الصحافة الحرة فيها إلى نتائج اقتصادية وصحية أسوأ لتركيا. فليس ضحايا الاستبداد سجناءه السياسيين فقط، بل أولئك الذين يجبرهم على العيش في خوف وجهل.
عن "أحوال" تركية