الإخوان" وشَدُّ الرحال إلى سراييفو"

الإخوان" وشَدُّ الرحال إلى سراييفو"

الإخوان" وشَدُّ الرحال إلى سراييفو"


25/06/2023

عمرو فاروق

تحوّلت العاصمة البوسنية سراييفو، إلى قبلة للجماعات المتطرّفة منذ اشتعال الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، والتي لعبت فيها جماعة "الإخوان المسلمين" دوراً هاماً، إلى جانب الميليشيات المسلّحة التي تشكّلت خلال الحرب الأفغانية، أو ما عُرفت إعلامياً بـ"المجاهدين العرب".

تسريبات الاجتماعات المتعاقبة للتنظيم الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين"، التي انعقدت خلال الفترة الزمنية الأخيرة في مناطق عدّة مختلفة من بينها اسطنبول، كشفت عن اتجاه الجماعة إلى استغلال تواجد روافدها في سراييفو، وعلاقتها القوية والوثيقة على المستويين الرئاسي والحكومي، وتحويلها إلى مرتكز آمن لقواعدها التنظيمية واستثماراتها المالية في ظلّ التضييقات الأمنية التي تلاحقها على كل الأصعدة الأوروبية والعربية.

ربما عكست التفاهمات والتقاربات ما بين القاهرة وأنقرة، تفكيك التشابك موقتاً بين جماعة "الإخوان المسلمين" وبعض أجهزة وأجنحة السلطات التركية التي اتخذت أخيراً إجراءات سياسية وأمنية عدّة ضدّ قيادات جماعة "الإخوان"، من أهمها رفض طلبات التجنيس الجديدة، وإعادة النظر في قانونية قرارات التجنيس السابقة، بعد معلومات عن وجود تزوير وتلاعب في الأوراق المقدّمة، فضلاً عن غلق بعض المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، ووضع عدد من القيادات على قوائم المتابعة والمراقبة.

بات الزحف "الإخواني" تجاه سراييفو، اضطرارياً في ظلّ التضييقات الأمنية، وملاحقة قياداتها على المستويين العربي والإقليمي، وكذلك على مستوى معاقلها في الدول الأوروبية الكبرى، فخلال الأسبوع الماضي ألقت السلطات الكويتية القبض على رجل الأعمال المصري، والقيادي الإخواني، عبد الرازق الشويحي، الحاصل على الجنسية التركية، ومن المرجح تسليمه إلى القاهرة قريباً، لاسيما وأنّ السلطات الكويتية سلّمت القاهرة في تموز (يوليو) 2019 خلية مكوّنة من 15 قيادياً "إخوانياً".

عقب سقوط حكم المرشد في القاهرة، تلقّت جماعة "الإخوان" دعماً سياسياً من قِبل، باكر عزت بيغوفيتش، رئيس المجلس الرئاسي البوسني، حينها، وزعيم حزب العمل الديموقراطي، ونجل أول رئيس بوسني علي عزت بيغوفيتش، والذي ظهر رافعاً شارة "رابعة" ضمن استقباله لوفود من قيادات "الإخوان" المصريين.

شدّ الرحال إلى سراييفو، ليس من باب المصادفة في ظلّ تولّي شفيق جعفروفيتش، المجلس الرئاسي البوسني، حالياً، والممثل عن حزب العمل الديموقراطي،المحسوب على جماعة "الإخوان"، فضلاً عن العلاقات التاريخية والممتدة منذ سنوات الحرب الأهلية بين عامي 1992 و1995، من قبيل انتماء الرئيس البوسني الراحل، علي عزت بيغوفيتش إلى صفوف جماعة "الإخوان"، وتأثره بخطابات حسن البنا وسيد قطب، وتأسيسه لجمعية "الشبان المسلمين" (BHS: Mladi Muslimani)، عام 1938، والتي شملت أقساماً عدة ولجاناً داخلية تماهت مع الهيكل التنظيمي لجماعة "الإخوان" في القاهرة.

ساهم في تأسيس "جمعية الشباب المسلمين"، رئيس منظّمة العلماء "الهداية"، محمد هانغيتش، والذي ارتبط بجماعة "الإخوان" في القاهرة خلال فترة دراسته في الأزهر الشريف وحصوله على درجة الدكتوراه عام 1935، ومصطفى بوسولاغيتش، أبرز المفكّرين الإسلاميين في البوسنة، ومؤلف كتاب "المسلمون في أوروبا"، و"المسلمون في روسيا"، وحسن بيبر، وعمر بهمن، ونصرت فزليبيغوفيتش، وخالد كايتاز، وعمر ستوباتس، وطارق مفتيتش.

أعلن بيغوفيتش عن وثيقة "البيان الإسلامي" التي حملت الأدبيات الفكرية لجماعة "الإخوان" في سبعينات القرن الماضي، ومن قبلها أصدر صحيفة "المجاهد"، وعقب خروجه من السجن بتهمة مناهضة الشيوعية عام 1990، أسّس حزب "العمل الديموقراطي" كممثل للجناح السياسي عن "الإخوان المسلمين" في "سراييفو".

تلقّى الرئيس علي عزت بيغوفيتش، دعماً كبيراً من قيادات "مكتب الإرشاد" في القاهرة خلال الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، سواء عن طريق صناعة الظهير العربي على المستويين الشعبي والسياسي، أو عن طريق الدعم بالعناصر المسلّحة التي تدرّبت خلال الحرب الأفغانية، فضلاً عن الدور الذي لعبته ماكينة التنظيم الدولي في توفير الدعم المالي (أموال الصدقات والتبرعات)، عن طريق منظمة "الإغاثة الإسلامية"، ومنظمة "إغاثة العالم الثالث"، من داخل المنطقة العربية أو من بين صفوف الجاليات العربية والإسلامية في الغرب.

كان نموذج أوبربت "جراح سراييفو"، من أكثر الأدوات الترويجية خلال التسعينات من القرن الماضي، في استقطاب الشباب وتسفيرهم إلى مناطق الصراع ما بين البوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان وغيرهما، والتي صيغت أبياته بحرفية التأثير العاطفي والنفسي والعقائدي، متضمنة، "سراييفو تقول لكم ثيابي، ممزقة وجدراني ثقوب، محاريبي تئن وقد تهاوى على أركانها القصف الرهيب".

استثمرت جماعة "الإخوان" الأزمة البوسنية، في تأكيد شرعيتها كممثل رسمي عن الإسلام والمسلمين، فضلاً عن المتاجرة بـ"المؤامرة على الإسلام"، والترويج لمنطقها في "عودة الخلافة"، مستخدمة مئات الأساليب الدعائية والغنائية التي عمدت من خلالها إلى تقديم "الفن الإسلامي البديل"، عبر شرائط الأناشيد التي لعبت على وتر الحماس والعاطفة الدينية.

مرّرت جماعة "الإخوان" أطروحاتها الفكرية والحركية داخل "سراييفو"، من خلال اختراقها المكثّف للمنظومة التعليمية ببناء المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة، فضلاً عن عدد كبير من المؤسسات المدنية والاجتماعية، وفي مقدّمتها جمعية "الثقافة والتعليم والرياضة" التي تضمّ 5 مؤسسات كبرى، وترتبط بعلاقات مباشرة مع "اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا" (FIOS)، ومنظمة "المنهج الوسطي"، التي تعمل على توثيق العلاقة بين "الإخوان" ودوائر صنع القرار السياسي الغربي من داخل لندن.

يُعتبر القيادي "الإخواني" السوداني الدكتور الفاتح علي حسنين، رجل الظلّ والمفوّض من قِبل التنظيم الدولي في توطين جماعة "الإخوان"، ليس في "البوسنة والهرسك" فقط، وإنما في عمق دول أوروبا الشرقية، مثل بلغاريا واليونان ورومانيا وألبانيا وصربيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وكوسوفو والمجر وسلوفاكيا والتشيك وبولندا ومولدافيا، وذلك من خلال تأسيس مجموعة من الكيانات "الإخوانية"، منها "اتحاد الطلاب المسلمين"، و"المجلس الإسلامي لدول شرق أوروبا".

لعب "الإخوان" المصريون دوراً بارزاً في الداخل البوسني، أمثال الدكتور احمد الملط، نائب المرشد العام لجماعة "الإخوان" الأسبق، وأحد قيادات التنظيم الخاص، والمشرف على بعثات "الإخوان" للبوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان، وكذلك عبد المنعم أبو الفتوح، وجمال عبد السلام المدير التنفيذي للجنة الإغاثة والطوارئ في اتحاد الأطباء العرب، وأشرف عبد الغفار، وعصام الحداد الذي عمل مستشاراً للرئيس الشيشاني السابق علي عزت بيغوفيتش، وتولّى مسؤولية ملف "إخوان البوسنة والهرسك"، داخل التنظيم الدولي.

في كتابه "الخلافة البلقانية القادمة: التهديد الراديكالي لأوروبا والغرب"، يشير الباحث الأميركي في جامعة أوكسفورد، Christopher Deliso، إلى أنّ البوسنة والهرسك تحوّلت إلى أرض خصبة للتطرّف، ويمكنها اجتذابه مرّة أخرى عن طريق هؤلاء الذين يتوقون لإعادة الجهاد المزعوم مرّة أخرى لإقليم البلقان.

وأكّد الباحث الأميركي، أنّ طهران حصلت على موطئ قدم لها داخل البلقان، لا تزال المنطقة تعاني من آثاره السلبية حتى الآن، وأنّها تمكنت من دعم العناصر المتطرّفة من خلال الأموال والأسلحة التي دخلت عن طريق الجمعيات التي تتخذ العمل الإنساني والخيري ستاراً لها.

في نهاية عام 2020، صدر عن مشروع مشترك بين مركز غلوبسيك (GLOBSEC) الذي يقع في سلوفاكيا، ومشروع مكافحة التطرّف (CEP) الأوروبي، تقرير عن أنشطة جماعة "الإخوان" وفروعها في كل من مقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك.

أوضح التقرير الأوروبي، سيطرة جماعة "الإخوان" على مقاليد السلطة الرسمية في البوسنة والهرسك، ملقياً الضوء على ارتباط الدكتور مصطفى سيريتش، مفتي البوسنة السابق، بجماعة "الإخوان المسلمين"، من خلال عضويته في "المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث"، وكذلك "جمعية الثقافة والتعليم والرياضة" المعروفة بـ(AKOS)، التي ترتبط بصلة مباشرة مع "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا" (FIOS).

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية