الإخوان والسلطة.. حديث الصفقات

الإخوان والسلطة.. حديث الصفقات

الإخوان والسلطة.. حديث الصفقات


03/07/2023

عبدالله السناوي

بعد عشر سنوات على إطاحة جماعة «الإخوان المسلمين» من السلطة في 30 يونيو/ حزيران 2013 يطرح السؤال نفسه: لماذا كان الصدام محتماً؟ كانت الطرق مغلقة، والمؤشرات تؤكد أن الصدام قادم لا محالة، وأشباح الحرب الأهلية تخيّم في المكان.

 تعطيل المسار السياسي تتحمله الجماعة قبل غيرها، هذه حقيقة لا يصح إنكارها.

 ارتكبت كل الأخطاء الممكنة، لاستنفار طاقة إطاحتها من الحكم، استهانت بالقوى السياسية المدنية وجماعات الشباب، وعملت على «أخونة الشرطة» وتحرشت بالجيش، واستعدت قطاعات واسعة من الرأي العام.

 تصورت أن بوسعها «التكويش» على السلطة، والإمساك بمفاصلها، ومصادرة فكرة الثورة نفسها في الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وكانت آخر من دخل ميدان التحرير، وأول من خرج منه.  في ذروة الثورة حاولت عقد صفقة ما مع نائب الرئيس اللواء عمر سليمان. والصفقات من طبيعة تاريخ الجماعة، وقد وصلت ذروتها في سنوات ما قبل يناير. أبرمت عام 2005 صفقة انتخابية مع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك حصدت بمقتضاها 88 مقعداً في المجلس النيابي.

 كانت تلك فضيحة متكاملة الأركان.

ضم فريق التفاوض عن جماعة «الإخوان» ثلاثة من أكبر قياداتهم، النائب الأول للمرشد محمد حبيب، والنائب الثاني خيرت الشاطر، وعضو مكتب الإرشاد الدكتور محمد مرسي، الذي تولى رئاسة الجمهورية لعام واحد فيما بعد.

 السؤال الذي غابت إجابته في جميع الشهادات والاعترافات: ما الثمن الذي تقاضاه نظام مبارك مقابل النسبة العالية من المقاعد التي حازها «الإخوان» في انتخابات 2005؟

 كان النظام قلقاً من فكرة بناء جبهة واسعة، تشمل الأحزاب الرئيسية والحركات الاحتجاجية وجماعة «الإخوان المسلمين» لخوض الانتخابات التشريعية الوشيكة. حاول بكل الطرق إجهاض هذه الفكرة.

 لم يكن لدى النظام أي مانع في صفقة ما مع «الجماعة» مقابل خروجها من مشاورات الجبهة، التي احتضنها رئيس حزب الوفد في ذلك الوقت الدكتور نعمان جمعة، وترأس اجتماعاتها الدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق.

 كانت تلك ضربة موجعة لمشروع التغيير السلمي الديمقراطي. في عام 2010 تردد داخل أروقة الجماعة أنها ربما تكون على وشك الانهيار النهائي. لم يكن الحجم، الذي أخذته الجماعة بعد «يناير»، تعبيراً عن قوتها بقدر ما كان انعكاساً لضعف الآخرين.

 بعقلية الصفقة وجدت أمامها فرصة جديدة للاقتراب من اللاعب الأمريكي، إثر احتلال العراق عام 2003. في ذلك الوقت بدأ الأمريكيون يفكرون في مقاربات جديدة يتخلون بمقتضاها عن النظم المستهلكة في الشرق الأوسط وكان الرهان على ما يُسمى ب«الإسلام الوسطي» حاضراً بقوة.

مما صرّح به المرشد العام مهدي عاكف أنه تلقى اتصالاً من أحد قيادات «الإخوان» بالخارج، لم يفصح عن اسمه، يدعوه إلى حوار في القاهرة بين «الإخوان» وبعض القيادات الأمريكية في حضور السفير الأمريكي السابق ديفيد وولش، المكلف وقتها بملف الشرق الأوسط.

 لم يكن السفراء والدبلوماسيون الغربيون بالقاهرة مرتاحين لإشارات تصدر من واشنطن وبروكسل عن حوارات جرت، أو قد تجري بين الإدارة الأمريكية، أو الاتحاد الأوروبي، مع جماعات إسلامية، خاصة «الإخوان المسلمين».

 كان تقدير الدكتور هيو روبرتس مدير مشروع شمال إفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية» عند منتصف العقد الأول من القرن الجديد، أن موقف الدبلوماسيين الغربيين بالقاهرة مفهوم وطبيعي، نظراً لما هو مطلوب منهم من أدوار في تحسين العلاقات بين الدول والمحافظة عليها من دون توترات قد تضر بمصالح استراتيجية.

 سألت هيو روبرتس وموقعه في أحد المراكز البحثية الدولية المرموقة يُمكنه من أن يقترب من دوائر صنع القرار: هل هناك الآن قنوات حوار غير معلنة بين «الإخوان المسلمين» في مصر والإدارة الأمريكية؟

 كانت إجابته: «ليس لديه ما يؤكد أن هذا الحوار قد بدأ فعلاً بأفقه الجديد، الذي دعت إليه كونداليزا رايس وقيادات في الاتحاد الأوروبي، لكن ما أستطيع أن أؤكده أن هناك طريقتين في التفكير داخل دوائر صنع القرار.

 الأولى، تحاول أن تبحث في الدستور عن مساحة لوجهة نظر إسلامية، تدمج التيار الإسلامي في بنية المجتمع المدني والسياسي.

 والثانية، تنظر للمشكلة من زاوية الجغرافيا السياسية، أو من وجهة نظر غربية محضة.

 كان اعتقاد هيو روبرتس أن الحوار المطلوب من كونداليزا رايس ليس استكشاف التيار الإسلامي، وإنما العمل على ضمه إلى صفوف السياسة الأمريكية.

 بتصريح واضح لا لبس في حروفه ورسائله ومراميه صرّح عضو مكتب الإرشاد الدكتور عصام العريان لصحيفة «الحياة» اللندنية أن جماعة «الإخوان المسلمين» مستعدة للاعتراف ب«إسرائيل» واحترام المعاهدات الموقعة معها فور وصولها إلى الحكم.

 كانت تلك إشارة لافتة على سطح الحوادث لعمق تفاهمات تجري في الكواليس استعداداً للحظة ما قد تصعد عندها الجماعة إلى السلطة بدعم أمريكي وأوروبي ورضا إسرائيلي.

 لم يكن ممكناً أن تصل الجماعة إلى السلطة العليا في مصر من دون دعم وضغط أمريكيين على مركز صنع القرار في ذلك الوقت. هذه حقيقة ثابتة بصورة لا تسمح بأي تشكيك فيها.

عن "الخليج" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية