الإخوان وأنظمة الحكم في مصر.. انحناءات للعواصف واستغلال لفرص يصنعها الآخرون

الإخوان وأنظمة الحكم في مصر.. انحناءات للعواصف واستغلال لفرص يصنعها الآخرون


25/08/2022

عبر رحلة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في بعض الدول، رصدت دراسة بحثية جديدة صادرة عن مركز "تريندز للبحوث والاستشارات"، محطات صعود وهبوط الجماعة منذ نشأتها في 1928.

وتحت عنوان: "علاقة جماعة الإخوان المسلمين بأنظمة الحكم في مصر منذ العهد الملكي حتى عام 2021"، سلّطت الدراسة الثامنة لمركز "تريندز" الضوء على كيفية توظيف الجماعة من قبل حاضنات دولية وإقليمية، وغطت الفترات الـ3 من تجربة الإخوان بمصر، ويتضح منها أنّهم تارة يكونون هراوة بيد السلطة، وتارة أخرى يتلقون ضربات هراوتها.

ووفقاً للكاتب رشيد الخيون، في مقدمته للكتاب، فإنّ الدراسة تهدف إلى سبر أغوار طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين بالأنظمة المتعاقبة على حكم الدولة المصـرية منذ نشأة تلك الجماعة حتى الآن، وبيان السمات العامة والأدوات المُستخدمة من الجماعة في إدارة هذه العلاقة المتأرجحة، وتحليل السلوك والممارسة الفعلية للجماعة، التي قامت على توظيف الدين لخدمة مشـروعها السـياسـي العابر لحدود الدولة الوطنية.

 سطوع وأفول

البحث في وجود الإخوان المسلمين وتجربتهم، أو في الإسلام السياسي عموماً، ليس مجرد عمل تاريخي فحسب، فهذا التاريخ يمتد إلى الحاضر والمستقبل، وقراءة تشير إلى أنّ الجماعة قد مرت بين سطوع وأفول، ومن طبيعتها "الانحناء للعاصفة"، مع تحين الفرصة واستثمارها للوقوف مجدداً، على حد قول الخيون، الذي أشار إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين قد وظفت الدين "لخدمة أغراضها وإدارة أحوالها مع عهود الدولة"، منذ العهد الملكي حيث التأسيس والانطلاق والمواجهات بالاغتيال والحشود بيد هذا السياسي أو ذاك.

الخيون: الجماعة مرّت بين سطوع وأفول، ومن طبيعتها "الانحناء للعاصفة"، مع تحين الفرصة واستثمارها للوقوف مجدداً

الدراسة كشفت أنّه لولا الحاضنات الدولية والإقليمية في توظيف الجماعة، لـ"انتهى أمرها"، ولاسيّما بعد لجوئها إلى المواجهة في الفترة الناصرية، قبل أن تعود الجماعة مجدداً بعدما استخدمها الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات كـ"هراوة" ضد خصومه، لكنّ ذلك لم يمنع الجماعة من العودة إلى المواجهة مع السادات، أمّا في زمن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، "فكانوا بين علوّ وهبوط، حتى أتتهم فرصة ربيعهم العربي، وقدّموا أنفسهم للأمريكيين والغرب بأنّهم يمثلون "الإسلام المعتدل"، ولا تنجح الحرب ضد التطرف إلا بهم، مع أنّ المتطرفين كافة ظهروا من رحمهم"، على حد قول الخيون.

رصدت دراسة بحثية جديدة صادرة عن مركز "تريندز للبحوث والاستشارات"، محطات صعود وهبوط الجماعة منذ نشأتها في 1928

في الفترة الناصرية، مرت علاقة الإخوان بنظام الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصـر أيضاً بمرحلتين؛ أولاهما التعاون والتحالف (1952-1954)، وتميزت هذه المرحلة بنوع من الهدوء الحذر، على حد قول الدراسة، أمّا الثانية، فهي مرحلة الصدام والحَلّ، وذلك بعد أن قام الإخوان في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1954 بمحاولة اغتيال عبد الناصـر في الإسكندرية.

وبحسب الدراسة، اختلفت رؤية وطريقة تعامل كلٍّ من الرئيسـين، السادات ومبارك، مع الجماعة، ففي حين حاول السادات "توظيف الإخوان" لمساعدته في مواجهة خصومه السـياسـيين عقب توليه الحكم، ذهب مبارك إلى التعامل معهم بحذر شديد، ووظفهم لخدمة مصالح النظام واستمراره في الحكم.

وعلى الرغم من اختلاف رؤية كلٍّ من السادات ومبارك للجماعة، فإنّ هناك سمات مشتركة بينهما في سبل تعاملهما مع الجماعة؛ إذ رفض كلاهما إضفاء الشـرعية القانونية عليها، حتى مع السماح لها بالعمل السـياسـي والاقتصادي والاجتماعي، كما أنّ علاقة كليهما بالجماعة كانت تبدأ بالتعاون، ثم لا تلبث أنّ تتحول إلى الصدام، وذلك بعد محاولتها الخروج عن القواعد والأطر المرسومة، على حد قول الدراسة.

فخ البنا وندوة "الثلاثاء"

من مسجد "محمد فاضل باشا" في القاهرة، حيث يؤدي مؤسسها حسن البنا الصلاة فيه، إلى ندوة "الثلاثاء" التي تُعقد في المقر العام للإخوان بحي الحلمية في القاهرة، كان كلّ منهما "فخاً"، على حد تعبير الخيون، بهدف "تصيد الطلبة الدارسين في الأزهر أو في الجامعة من الدول العربية، لتأسيس فروع للجماعة في تلك الدول، انطلاقاً من الجماعة الأم في مصر".

استخدم الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات جماعة الإخوان كـ"هراوة" ضد خصومه

واستشهد الخيون بقصة مؤسس فرع الإخوان المسلمين في العراق محمد محمود الصواف، قائلاً: إنّ الصواف "انبرى في ندوة الثلاثاء قائلاً بحماس أمام حسن البنا: إنّ العراق سيكون بعون الله معقلاً لدعوة الإخوان".

الأفول الأخير

"الانحناء للعاصفة" وتحين الجماعة للفرص للعودة مجدداً إلى المشهد السياسي، أو الوقوف من جديد، كلها محاولات مرّ بها الإخوان، غير أنّها تلامس وضعاً غاية في الحرج في الوقت الحالي بالنسبة إلى الجماعة، ولا سيّما في ضوء انقسامها التنظيمي المتجذر، فقد رجح الخيون أن يكون هذا هو "الأفول الأخير" للجماعة، إن لم تجد حاضنة توظفها في مهمة جديدة.

الدراسة تهدف إلى سبر أغوار طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين بالأنظمة المتعاقبة على حكم الدولة المصـري

وربما يكون "الانحناء للعاصفة" أحد المناهج والمقاربات الإخوانية التي سعت الدراسة لبحثها  لكشف الأسباب الفعلية وراء سعي الجماعة الدؤوب للتودد والتقرب إلى السلطة أحياناً، أو الدخول في مواجهة معها في معظم الأحيان. وفي هذا الصدد، استخدمت الدراسة عدداً من المقاربات النظرية لتقديم رؤية كلّية لطبيعة علاقة جماعة الإخوان المسلمين بأنظمة الحكم المتعاقبة، منذ أعوام النشأة الأولى حتى ما بعد حزيران (يونيو) 2013، ومن بينها مقاربة الحركة الاجتماعية، ومقاربة الدولة الموازية، ومقاربة التغيير، ومقاربة بنية الفرصة السـياسـية.

واتخذت العلاقة بين الجماعة وأنظمة الحكم، منذ العهد الملكي حتى الآن، صوراً عدة قائمة على المراوحة بين التعاون والصدام، والتوظيف المتبادل، على حد قول الدراسة، التي أشارت إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين استخدمت أدوات عدة؛ دينية وإعلامية وسـياسـية، واقتصادية واجتماعية، ولم تترك فرصة لاستخدام أدوات "القوة الخشنة" و"الاستقواء بالخارج" إلا انتهزتها لمواجهة أنظمة الحكم، وذلك انطلاقاً من مرجعياتها الفكرية والإيديولوجية.

سوء تقدير

تعامل الجماعة مع نُظُم الحكم في مصـر اتصف بمجموعة من السمات العامة؛ من بينها الفشل في تقدير قوة هذه الأنظمة، وفي إدارة الصـراع معها، والمرونة والبراغماتية، وتشابه بدايات ونهايات العلاقة بمختلف أنظمة الحكم، والصدام مع مختلف هذه الأنظمة دون استثناء، والازدواجية والانتهازية في التعامل، وادعاء "المظلومية التاريخية" لاكتساب تعاطف المجتمع بفئاته المختلفة، والعداء الدائم للدولة الوطنية، وفقاً للدراسة.

يُجمِع الباحثون المصـريون على أنّ جماعة الإخوان لم تُطلق ثورة الشباب في (يناير) 2011

وأشارت الدراسة إلى أنّ العلاقات بين الجماعة ونظام الحكم الملكي في مصـر مرّت بمرحلتين أساسـيتين؛ تمتد أولاهما من عام 1928 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، واتسمت في أغلب فتراتها بالتقارب القائم على المصالح المشتركة بين الجماعة والقصـر من جهة وبين الجماعة والحكومة من جهة أخرى. أمّا الثانية، فقد امتدت من عام 1946 حتى حَلّ الجماعة في عام 1948، واتصفت بالصـراع والمجابهة بين الجماعة والنظام السـياسـي القائم آنذاك.

"ثورة يناير" وتناقض الإخوان

في حين يُجمِع الباحثون المصـريون على أنّ جماعة الإخوان المسلمين لم تُطلق ثورة الشباب ضد نظام مبارك في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، رأت الدراسة أنّ الجماعة أدّت "دوراً مهماً" فيها، اتضح في مجمل التفاعلات السـياسـية التي تلت الثورة، والذي مَكَّنَ الجماعة من إحكام قبضتها على معظم مراحل الفترة الانتقالية الأولى التي عاشتها مصـر، من مظاهرات مليونية، واستفتاءات وإعلانات دستورية، وانتخابات تشـريعية ورئاسـية، حتى وصلت إلى سدة الحكم بإعلان فوز مرشحها محمد مرسـي في الانتخابات الرئاسـية لعام 2012.

وطغى التناقض على موقف الجماعة من ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، بداية من تأكيد عدم المشاركة في التظاهرات، مروراً باعتبار مشاركة بعض الشباب في التظاهرات مشاركة فردية، وصولاً إلى ادعاء التحريض على التظاهرات ودفع المواطنين إليها، وفقاً للدراسة، إلا أنّ الشعبية التي نجحت الجماعة في اكتسابها خلال تلك الفترة، مستفيدةً من إرث تاريخي صوّرت فيه نفسها جماعةً تتعرض إلى الاضطهاد على مدار عقود، كُلُّ ذلك دُمِّرَ بالكامل في أقل من عام، لتصبح اليوم جماعة محظورة قانونيّاً وقضائيّاً، ليس في مصـر فحسب، ولكن في بلدان عربية عدة.

الدراسة كشفت أنّه لولا الحاضنات الدولية والإقليمية في توظيف الجماعة، لـ"انتهى أمرها"، ولاسيّما بعد لجوئها إلى المواجهة في الفترة الناصرية

بين التهدئة تارة والشد والجذب والصدام تارة أخرى، تراوحت علاقة الجماعة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية خلال ما عُرف على أنّه المرحلة الانتقالية الممتدة من شباط (فبراير) 2011 حتى تموز (يوليو) 2013، على حد قول الدراسة، التي أشارت إلى أنّ  المصلحة الذاتية كانت هي المحرك الأساسـي لموقف الجماعة من مختلف التطورات التي شهدتها مصـر في تلك المرحلة، أمّا علاقة الجماعة بالقضاء، فقد مرت بتوتر حاد وبأزمات متتالية، تجلت مظاهر ذلك في محاولة إصدار قانون جديد لتنظيم القضاء، وأزمة النائب العام وحصانة مجلس الشورى والجمعية التأسـيسـية لوضع الدستور، حتى أنّ الأمر وصل إلى حد التطاول والاعتداء على السلطة القضائية، والدعوة إلى التظاهر تحت شعار "تطهير القضاء".

إفلاس سياسي

كان عام الإخوان المسلمين في الحكم "كافياً" لكشف أنّ الجماعة تفتقر إلى برنامج انتخابي قادر على حل المشكلات، وأنّ شعاراتها تهدف إلى التلاعب بالمشاعر، وأنّها شعارات للحشد والتوظيف والتعبئة، وأنّها لا تحمل في جعبتها برامج وخططاً تنموية حقيقية؛ الأمر الذي أدى إلى الخروج الجماهيري عليها، وفقاً للدراسة.

كان عام الإخوان في الحكم "كافياً" لكشف أنّ الجماعة تفتقر إلى برنامج انتخابي قادر على حل المشكلات

 وبعد ثورة 30 حزيران (يونيو)، التي أطاحت بمرسي وحكم الإخوان، رفعت الجماعة شعار "المواجهة من أجل البقاء"، على حد قول الدراسة، حيث انتهجت الجماعة أسلوب "المعارضة الصلبة"، القائمة على ممارسة العنف تجاه الدولة ومؤسساتها، بعدما رفضت كل خطوات المرحلة الانتقالية، من استفتاء على دستور، وانتخابات تشـريعية ورئاسـية، وما ترتب عليها.

 وبحسب الدراسة، اعتمدت الجماعة في الأسلوب العنيف الذي اختطته لنفسها على جملة من المرجعيات القائمة على تبنّي خطاب "عودة الشـرعية"، والمرجعيات الدينية القائمة على فتاوى شـيوخ الجماعة، فضلاً عن أدوات التعبئة الجماهيرية، وإطلاق العمل العنيف والمسلح، وتشويه رموز الدولة ومؤسساتها، ومحاولة إنهاك الاقتصاد الوطني.

مواضيع ذات صلة:

الإخوان المسلمون في العالم العربي 2022.. تقدير موقف

هكذا كتب الإخوان المسلمون تاريخهم

الإخوان وحقوق الإنسان


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية