الإخوان في فرنسا: هل تكتب المواجهة نهاية التنظيم؟

الإخوان في فرنسا: هل تكتب المواجهة نهاية التنظيم؟

الإخوان في فرنسا: هل تكتب المواجهة نهاية التنظيم؟


15/01/2025

أقرت فرنسا على مدار العامين الماضيين سلسلة من الإجراءات ضد جماعة الإخوان المسلمين، كان آخرها في أيار (مايو) الماضي بالإعلان عن مهمة تحقيق واسعة حول أنشطة الجماعة ونفوذها ومصادر تمويلها، وقد شكّل وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان آنذاك لجنة لتقديم تقرير يهدف إلى تقييم وضع التنظيم في فرنسا، وارتباطاتها بالفروع الأوروبية الأخرى، وبعد مرور نحو (7) أشهر على القرار الاستثنائي، تبقى السيناريوهات مفتوحة أمام مستقبل التنظيم في أحد أهم معاقله داخل أوروبا. 

في هذا الصدد تطرح دراسة صادرة عن مركز الإمارات للسياسات سيناريوهات استمرار الجماعة في ضوء المواجهة مع السلطات الفرنسية، تحت عنوان: "من الاستيعاب إلى الحظر: آفاق المواجهة بين فرنسا وجماعة الإخوان المسلمين"، للباحث أحمد نظيف.

بداية المواجهة

بحسب الدراسة أخذت العلاقة بين الجماعة والدولة الفرنسية طابعاً صدامياً بدايةً من خريف العام 2020، بعد خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون حول مكافحة ما سمّاها بــ "الانفصالية الإسلامية"، والذي قدّم فيه تصوره حول الإسلام والجماعات الإسلامية في البلاد. 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

وتشير الدراسة إلى أنّ خطاب الرئيس الفرنسي فتح الباب أمام تسارع الإجراءات المناهضة لكل أشكال وجود الإسلام السياسي في البلاد، والتي شملت جميع التنظيمات: الإخوان المسلمين، والدعوة والتبليغ، والمجموعات السلفية، والجماعات الإسلامية التركية. وفي آب (أغسطس) 2021 أصدر البرلمان الفرنسي قانون "تعزيز احترام المبادئ الجمهورية"، المعروف بقانون "محاربة الانفصالية الإسلاموية"، الذي قلَّص كثيراً من التمويل الخارجي للكيانات الإسلامية، وفرض عقوبات أكثر شدةً في قضايا الخطاب الديني المتطرف، ومنع العمل السياسي في دور العبادة، وأوقف تأثيرات الدول على عمل المؤسسات والجمعيات الإسلامية، سواء على مستوى التمويل أو الدعاية السياسية. 

 

التقرير الذي من المفترض أن تُقدِّمه لجنة التحقيق في نفوذ الإخوان داخل فرنسا من المتوقع أن يكون تقريراً لجمع الأدلة ضد الجماعة

 

وفي عام 2022 أنهى ماكرون الصفة الرسمية لمجلس الديانة الإسلامية، وبالتالي سحب اعتراف الدولة الضمني بجماعة الإخوان المسلمين. وبدايةً من عام 2023 شكَّل مجلساً جديداً بوصفه ممثلاً للمسلمين أمام السلطات تحت اسم "منتدى الإسلام في فرنسا".

كيف تؤثر الضربات على مستقبل التنظيم؟

وفق الدراسة، من شأن هذا التوجه الرسمي الفرنسي الهجومي ضد جماعة الإخوان المسلمين أن يؤثر في الطبيعة التنظيمية للجماعة، والتي من المتوقع أن تنسحب أكثر من أيّ وقت مضى من مواقع التأثير السياسي، وأن تُخلي الساحة الفرنسية من مجموعات الضغط التي تتبعها. 

وقد شرعت في ذلك خلال الأعوام الأخيرة، لا سيّما بعد شروع إدارة ماكرون في سياسة مكافحة "الانفصالية" بداية من عام 2020، حيث تشكل بروكسل مركزاً أكثر حريةً للنشاط، خاصة في ظل وجود المؤسسات الأوروبية. وقد عبّرت باريس دائماً عن انزعاجها من المؤسسات الأوروبية بسبب فتحها المجال لمنظمات قريبة أو تابعة للجماعة لتلقي التمويل أو ربط الشراكات، لذلك أشار وزير الداخلية الفرنسي في خطته الجديدة لمواجهة الجماعة إلى هذا البُعد الأوروبي، مُستشهداً بالنموذج النمساوي في التعاطي مع الجماعة. 

من شأن هذا التوجه الرسمي الفرنسي الهجومي ضد جماعة الإخوان أن يؤثر في الطبيعة التنظيمية للجماعة

 في موازاة القطيعة السياسية، سلكت السلطات الفرنسية مسلكاً أمنياً أكثر شدةً تجاه الجماعة، فقد عبّر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، الذي يقود هذا النهج الجديد تجاه الإسلاميين في البلاد، منذ عام 2022، عن رغبته في فتح مواجهة شاملة ضد الجماعة بعد أن وصفها في جواب برلماني بأنّها "تُظهِر تغلغلاً متزايداً في فرنسا، مع إفلات كامل من العقاب، ليس فقط على المستوى الديني، بل أيضاً على المستوى السياسي والتعليمي والاجتماعي" وفق الدراسة.  

من الواضح أنّ السلطة الفرنسية قد حسمت موقفها السياسي من الجماعة وتحتاج فقط أسانيد قانونية ومعلوماتية لكي تتوجه نحو خطوة أكثر تشدداً في التعامل معها

وقد شرعت الأجهزة الأمنية الفرنسية منذ ذلك الوقت في ملاحقة بعض المؤسسات التابعة للجماعة قضائياً، والتحقيق في مصادر تمويلها، مثل مراكز تدريب الأئمة والجمعيات الحقوقية. واستهدفت السلطات في إطار حملتها على تمويلات الجماعة حوالي (20) صندوقاً وقفياً تحوم حولها شبهات، تأسست أغلبها خلال العشرية الأولى من القرن، وامتنعت عن تجديد بطاقة الإقامة لبعض القيادات غير الحاملة للجنسية الفرنسية، كما حدث مع القيادي حمد جاب الله، الذي عاد في شهر آذار (مارس) الماضي إلى بلده الأصلي تونس، بعد حوالي (40) عاماً من الإقامة في فرنسا، في أعقاب صدور أمر يقضي بمغادرته البلاد ورفض السلطات تجديد إقامته. 

ويُعدّ جاب الله، الذي شغل سابقاً منصب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، مؤسس فرع جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا عام 1983. وقبل ذلك طردت السلطات الأمنية الداعية حسن إيكويسن في أيلول (سبتمبر) 2022، المتهم من قبل وزير الداخلية ببث تصريحات تدعو للكراهية. وفي أيلول (سبتمبر) 2023 رحَّلت السلطات القيادي السابق في حركة النهضة التونسية أحمد الورغمي إلى تونس، بعد أعوام قضاها في الإقامة الجبرية بشبهات تتعلق بالتطرف.

وتتوقع الدراسة أن تقود إدارة ماكرون حملةً سياسية لإقناع جيرانها الأوروبيين بوضع الجماعة تحت الضغط السياسي والمالي والقانوني. ويمكن لهذا النهج أن ينجح في ظل تزايد عدد الحكومات ذات التوجه اليميني في المجال الأوروبي، وهو ما يمكن أن يُشكِّل تحدياً غير مسبوق لجماعة الإخوان، حيث شكلت أوروبا دائماً بالنسبة إليها مجالاً واسعاً للحركة والعمل، ومنفى سياسياً، مُستفيدةً من مناخ الحريات الموجود في القارة. لذلك فإنّ كل هذه الضغوط يمكن أن تعيد تشكيل نموذج عمل الجماعة على نحو جذري، خصوصاً أنّ الإخوان يملكون تجربةً طويلةً في التعامل مع الأزمات فيما يُسمّى بــ "فقه المحنة". 

أمّا على المستوى العملي، قصير الأمد، فإنّ التقرير الذي من المفترض أن تُقدِّمه لجنة التحقيق في نفوذ الإخوان داخل فرنسا من المتوقع أن يكون تقريراً لجمع الأدلة ضد الجماعة، حيث من الواضح من خلال تصريحات وزير الداخلية، وموقف الرئيس ماكرون، أنَّ السلطة الفرنسية قد حسمت موقفها السياسي من الجماعة، وتحتاج فقط أسانيد قانونية ومعلوماتية لكي تتوجه نحو خطوة أكثر تشدداً في التعامل معها. 

وستشمل التحقيقات الجوانب الأوروبية لنشاط الجماعة، وروابطها مع جذورها العربية، لذلك سيكون عمل اللجنة دولياً، وسيشمل قطعاً دولاً عربية. ومن المتوقع أن ينتهي التقرير باتخاذ السلطات قراراً بحظر نشاط الجماعة في فرنسا، وهو ما يُمكن أن يشجع دولاً أوروبية أخرى على القيام بالخطوة نفسها. لكنّ هذه الخطوة، وبقدر ما ستحققه من ريع سياسي لإدارة الرئيس ماكرون، إلا أنّها يمكن أن ينتج عنها تداعيات أمنية على البلاد في المدى المنظور.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية