
رغم أنّ الجماعة داخليّاً وجودها رمزي، وكلّ مكاتبها الإدارية القديمة غير موجودة عمليّاً، إلا أنّه يوجد بكل تأكيد جسد للإخوان عريض جداً داخل مصر، يضم شبكة من المناصرين والمتعاطفين والكامنين، ثم الأعضاء المنظّمين الذين يتحركون وفق خطة متكاملة الأركان.
هل تتحرك الجماعة داخل مصر؟
ما زالت الجماعة رغم كل الضربات التي تلقتها تتحرك على أساس هرمي، ينقسم إلى مناطق إدارية، وشُعب، وأسر، والأهم هم جناح الطلبة الذين كانوا يولون أهمية كبيرة داخلها، والذين كانت تقسمهم الجماعة على الأسر، لكنّها تضع في كل مركز مسؤولاً إدارياً يتصل بعضو مكلف داخل المحافظة، تكون مهمته انتقاء أعضاء من الطلبة لهم صفات مميزة، وتبعية واضحة للتنظيم، لعزلهم عن البناء الهرمي، لأنّهم يشكلون فيما بعد بناءً جديداً للجماعة، وهو ما يُعرف بالتنظيم الموازي، الذي يتحرك الآن بحرية لأنّه ليس له ملفات أمنية.
ووفق مصادر خاصة جداً، فإنّ الجماعة نجحت في خلق تنظيم موازٍ غير علني، وتحولت المكاتب الإدارية والهيكل التنظيمي القديم إلى لا قيمة، في ظل وجود جهاز إداري جديد يدير التنظيم بكامله، من قيادات مغمورة أصبحت لهم مناصب تنفيذية، يشرف عليهم مكتب إرشاد مصغر، يتلقى تعليمات بشكل غير مباشر من قيادة إخوانية وسيطة (غير معروفة حتى يسهل عليها التحرك ولا تلفت الانتباه)، والذي بدوره يتلقى تعليمات بشكل مباشر من قيادات إخوانية خارج البلاد.
ويتبنّى التنظيم الخلفي كله سياسة مركزية القرار، والسياسات العامة، التي تولي فقط الأهمية إلى:
1- الحفاظ على الوجود الرمزي للجماعة.
2- دعم أسر المسجونين بشكل سري خاص.
ما زالت الجماعة رغم كل الضربات التي تلقتها تتحرك على أساس هرمي ينقسم إلى مناطق إدارية وشُعب وأسر.
ومن الواضح أنّ سياسة جماعة الإخوان داخل مصر تجاوزت جمود وتقوقع المساجد أو البرلمان والنقابات وغيرها إلى أنواع جديدة من العمل الحركي، وخالفت بذلك الركود التنظيمي العميق الذي أصاب الجماعة من قبل.
ويمكن أن نقول إنّ ذلك كله يتم عن طريق:
المسار الدعوي: عن طريق التحرك بالدعوة الفردية المباشرة وغير المباشرة، وبناء قاعدة خلفية كبيرة تركز على استقطاب عناصر من الطلاب وبناء شبكة من المستقلين والدعاة الجدد لا ينظر لها الجميع بأيّ ريب.
خطة الإشغال: وهي إشغال الدولة عن طريق أنشطة إعلامية ودعائية وإشاعات يقوم بها إخوان الخارج، عبر قدرات الجماعة في مواقع التواصل والإعلام الذي تمت إعادة هيكلته منذ (3) أعوام.
ويتحاشى الإخوان في الداخل الانقسام الذي حدث خارجياً بين الجبهات الـ (3) المتصارعة، فلم يصدر مطلقاً ما يثبت أنّ هناك خلافات داخلية، سوى تصريحات في كل فترة من جبهة محمود حسين، وأخرى من الجبهات الأخرى، حول أنّهم يتواصلون مع البعض في الداخل.
كيف يتحركون في الداخل؟
يعتمد الإخوان حركيّاً في العادة على سياسة التجميع غير المعنية بضم عناصر للتنظيم بقدر جمع أكبر عدد ممكن من الناس حول أفكار واستراتيجيات وسياسة التنظيم بشكل عاطفي أو عملي، ويمكن أن يتم هذا بسهولة عن طريق العناصر المندسة في كل المؤسسات الحكومية، أو عبر التفسيرات الدينية والسياسية التي تنتشر في مواقع التواصل، وبالإعلام الذي لا يهتم بقضايا محددة سلفاً وهي الاقتصاد وإخراج النظام من وطنيته وبث روح اليأس والتضخيم من السلبيات والتهوين من الإنجازات.
ويبرز دور العمل مع المستقلين عن الجماعة وغير المعروفين بانتمائهم بشكل صريح كشيء محوري يؤدي دائماً إلى الترويج والدعاية للجماعة بشكل كبير.
يمثل إيجاد الخصومة (الدائمة) مع النظام الحاكم وافتعال الخصومات معه دوراً محورياً في العمل الحركي الجديد للجماعة.
وعن طريق أساليب الاستقطاب الحديثة يعمل إخوان الداخل، مثل التوغل بين الطلاب والمدرسين في التعليم بمختلف مراحله، وعن طريق المنابر، خاصة المنابر الدينية، والأئمة غير معروفي الانتماء، الذين يثيرون الضغينة للدولة بشكل مستتر، وكذا دور النشر وتأليف الكتب التي تدعم فكر التنظيم بطريقة غير مباشرة.
ويمثل إيجاد الخصومة (الدائمة) مع النظام الحاكم، وافتعال الخصومات معه، دوراً محوريّاً في العمل الحركي الجديد للجماعة، وهذا يتم بسهولة عن طريق مواقع التواصل على الإنترنت، والصفحات الموسومة بأسماء سيدات، أو بشعارات دينية ورياضية وفنية... إلخ، ويتم التركيز فيها غالباً على قضية واحدة، وهي إنهاك الدولة، وإفساد المجال العام، كواحدة من أهم محاور حروب الجيل الرابع؛ من التعتيم الكامل على كل الإنجازات إلى التشدد الكبير في صناعة السلبيات والتحريض بشكل متدفق على الدولة، وتقديم ثقافة الخوف والجوع والمشكلات والأزمات التي لا توجد لها حلول، واستغلال عاطفة الناس لبث صور كاذبة، وتصدير تصور ساذج حول واقعة معينة، أو تضخيم سلبية وتهوين إيجابيات من أجل إثارة الجماهير ومحاولة تثويرها، وتعميق التناقض ونشر الأخبار والآراء والأفكار الانعزالية الرافضة للسلام والأمن المجتمعي.
الخلاصة؛ إننا أمام تنظيم متخفٍّ ومستتر، لا يوجد له مكاتب إدارية بشكلها المعروف، لكن له حركية جديدة، وهي مجلس قيادة، ولجنة تسمّى (لجنة المضارين)، و(لجنة الدعوة)، ومناطق إدارية، وأفراد يتحركون في دوائر منفصلة.
مواضيع ذات صلة:
- هكذا وظف الإخوان الإعلام الرقمي لتنفيذ أجندة الجماعة
- ما مدى تأثير الإعلام الرقمي في نشر ثقافة التسامح والتعايش؟
- لماذا فشل رهان تنظيم الإخوان على الإعلام؟ وما بدائله المستقبلية؟