الإخوان في باكستان وخطة التمدد الرقمي... ماذا وراء برنامج (بنو قابل)؟

الإخوان في باكستان وخطة التمدد الرقمي... ماذا وراء برنامج (بنو قابل)؟

الإخوان في باكستان وخطة التمدد الرقمي... ماذا وراء برنامج (بنو قابل)؟


21/04/2025

في باكستان، تسعى الجماعة الإسلاميّة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، في ولاية الأمين العام الجديد حافظ نعيم الرحمن، تنويع تحركاتها السياسية، بعد فشلها الذريع في الانتخابات التشريعية الفائتة، التي أدت إلى استقالة الأمين العام السابق سراج الحق.

الجماعة في عهد حافظ نعيم الرحمن، رجل الظل الذي أصبح زعيمًا للإخوان، طورت من تحركاتها الشعبية، محاولة الاستفادة بأقصى قدر ممكن من منظمة الخدمة، ذراعها الخيرية، من أجل استقطاب شرائح أوسع من الشباب والطلاب.

وفي 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 أعلنت الجماعة الإسلامية الباكستانية، رسميّا، عبر ذراعها الخيرية، منظمة الخدمة، عن بدء انطلاق برنامج (بنو قابل) "كونوا قادرين"؛ لتدريب الشباب مجانًا على مهارات الإعلام الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، وذلك خلال حفل إطلاق صاخب نظمته مؤسسة الخدمة في فندق بيرل كونتيننتال بمدينة لاهور، ​وذلك بعد أشهر من التجريب، بداعي رغبة الجماعة في تمكين مليون شاب من سوق العمل الحر، وتعزيز الصادرات الرقمية. 

ورغم عدم حاجة الجماعة لترخيص البرنامج، كونه عملًا تطوعيًّا تحت غطاء مؤسسة مسجلة رسميًّا منذ العام 1990، أثار البرنامج جدلًا أمنيًّا وقانونيًّا واسعًا، خاصّة عندما ربطته مفوضية الانتخابات بأنشطة دعائية انتخابية، فوُجّهت إنذارات وفرضت غرامة مالية على قادة الجماعة، فيما واصلت الجماعة تنفيذ البرنامج دون اكتراث.

زعيم الإخوان في باكستان: حافظ نعيم الرحمن

ما هو برنامج (بنو قابل)؟

(بنو قابل) هو مبادرة تدريبية مجانية تقدّم دورات في تطوير المواقع والتطبيقات، والتصميم الغرافيكي، والتسويق الرقمي، والعمل الحر، وتقنيات المساعد الافتراضي على منصات التجارة الإلكترونية مثل أمازون. وبدأ البرنامج في مدينة كراتشي، حيث تمّ إنشاء مركز تدريبي داخل مقر الجماعة الإسلامية "إدارة نور الحق"، وهو ما يُعدّ خطوة فريدة من نوعها، حيث تم تقديم التعليم التقني داخل مقر حزب سياسي، وهو ما أثار حفيظة المراقبين، ذلك أنّ تداخل العمل السياسي مع العمل الخيري، يُعدّ تدليسًا سياسيًا، واستغلالًا فجًّا لحاجة الفقراء.

بعد النجاح الذي حققه البرنامج في كراتشي انتقلت الجماعة إلى الخطوة الثانية، ليشمل التدريب مدنًا ومناطق أخرى مثل: لاهور، وإسلام آباد، وخيبر بختونخوا، وبلوشستان، وجلجت بلتستان، وآزاد كشمير. 

ويستهدف البرنامج تدريب مليون شاب باكستاني في مجالات تكنولوجيا المعلومات المختلفة، وقد خصصت الجماعة ميزانية ضخمة تبلغ (3.5) مليار روبية، وبدأت العمل عبر أكثر من (200) مركز تدريب، في مناطق البنچاب، والسند، وخيبر بختونخوا وباقي الأقاليم؛ الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مصادر التمويل الضخمة.

تكوين قاعدة بيانات ضخمة

بعد وقت قصير من الإعلان الرسمي أعلنت الجماعة الإسلامية أنّها درّبت بالفعل حتى الآن أكثر من (48) ألف شاب "طلاب وطالبات" مجانًا ضمن هذه الدورات، وأنّها تخطط للوصول إلى مليون مستفيد بنهاية العام المقبل.

أثارت المبادرة والعدد الضخم المشارك بها مخاوف عديدة، حيث رصدت عدة تقارير تمدد حجم اللجان الإلكترونية التابعة للجماعة، مع تزايد عمليات اختراق المواقع الصحفية وإغلاق الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، وكلها تخص معارضي الجماعة، كما سادت حالة من الهيمنة الرقمية للجماعة في مناطق تمركزها، وخاصة في لاهور وكراتشي.

الجماعة نجحت عبر البرنامج في تكوين قاعدة بيانات ضخمة من فئة الشباب، فللانضمام إلى البرنامج يجب على المتقدمين التسجيل عبر البوابة الإلكترونية الخاصة بالبرنامج، واجتياز اختبار قبول. وعبر هذه الخطوة تحصل الجماعة على قاعدة بيانات ضخمة، وحرصت الجماعة على أن يتسع المجال لأكبر عدد ممكن، فاشترطت أن يكون المتقدم حاصلًا على شهادة الثانوية العامة على الأقل، وأن يكون عمره بين (18 و30) عامًا؛ ​ممّا يمنح الجماعة قاعدة بيانات ضخمة لفئة الشباب، وهي الفئة الأكثر دينامية، والتي يمكن من خلالها تكوين ذراع طلابية فاعلة، تحاكي الجناح الطلابي للجماعة الإسلامية في بنغلاديش.

يستهدف البرنامج تدريب مليون شاب باكستاني في مجالات تكنولوجيا المعلومات المختلفة

الخطورة الأمنية 

استغلت الجماعة الإسلامية ثغرة قانونية للإعلان عن البرنامج دون ترخيص، ذلك أنّ البرنامج لا يلزمه ترخيص خاص من أيّ وزارة أو هيئة حكومية، فهو مشروع تطوعي تنفيذي تقدمه منظمة الخدمة، المسجّلة كمنظمة غير ربحية، وبالتالي يخضع البرنامج للقوانين السارية على الجمعيات الخيرية في باكستان.

وعلى الرغم من طابعه التنموي الظاهر، افتقد البرنامج لشروط الشفافية، وربطت مفوضية الانتخابات الباكستانية (ECP) فعاليات (بنو قابل) بحملات انتخابية تخص الجماعة، معتبرة أنّ تنظيمها خلال فترة الدعاية الانتخابية شكّل خرقًا لقواعد الحياد، ممّا يثير مخاوف جمّة من استغلال البرنامج في التعبئة السياسية.

في المقابل، تدّعي الجماعة الإسلامية أنّ الغرض من البرنامج  هو الحد من البطالة بين فئة الشباب، عبر تأهيلهم للعمل الحر وزيادة الصادرات الرقمية لتعزيز الاقتصاد الوطني، لكنّ الهدف الحقيقي الواضح هو بناء قاعدة انتخابية، وتمكين الجماعة رقميًّا، ويرى مراقبون أنّ ربط البرنامج باسم الجماعة يعني تكريس الانتماء لها خلال ورش التدريب، الأمر الذي يُسهم في توسيع نفوذ الإخوان السياسي، واجتذاب كوادر شابة قادرة على تقديم الدعم الانتخابي للجماعة مستقبلًا.

بدورها، رصدت الجهات الأمنية الاستخدامات المخالفة للبرنامج، حيث استغلت الجماعة البرنامج في أنشطة دعائية جرت في تجمعات انتخابية بولايتي كراتشي والسند، وشهدت مشاركة قادة الجماعة أمام حشود من المتدربين ضمن فترة الدعاية الرسمية لانتخابات بلدية كراتشي.

المفوضية الانتخابية أرسلت إشعارًا رسميًّا ضدّ أمير الجماعة حافظ نعيم الرحمن، واستدعته للتحقيق لخرقه قواعد الحياد الانتخابي أثناء افتتاحه فعاليات برنامج (بنو قابل). وبعد تحقيقات مستقلة قامت بها مفوضية الانتخابات، اعتبرت البرنامج وسيلةً للدعاية المخالفة للقانون الانتخابي، وتمّ فَرض غرامة مالية قدرها (10) آلاف روبية على أمير الجماعة حافظ نعيم الرحمن. 

ورغم المخالفة الفجة، لم تُسجّل ملاحقات قضائية أو قرارات خاصّة بتعليق البرنامج، واستمر (بنو قابل) في تقديم أنشطته للشباب دون تغيير جوهري في هيكليته أو محتواه؛ الأمر الذي ينذر بنجاح الجماعة في خطتها الرامية إلى التمدد الرقمي بالتزامن مع الحراك العنيف في الشارع.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية