"الإخوان" تعلن أكبر مراجعة في تاريخها: دعوات للاستهلاك الإعلامي

"الإخوان" تعلن أكبر مراجعة في تاريخها: دعوات للاستهلاك الإعلامي

"الإخوان" تعلن أكبر مراجعة في تاريخها: دعوات للاستهلاك الإعلامي


30/10/2023

شهدت جماعة الإخوان المسلمين منذ الإطاحة بها شعبياً في ثورة 30 يونيو 2013 في مصر مراجعات داخلية، قامت بها أجنحة محسوبة على الجماعة، مثل "تيار التغيير" الذي انتهج العنف ضد الدولة المصرية في بدايات انطلاقه، ثم أعلن المنتسبون إليه في الخارج عن مراجعات، ليختفوا بعدها من المشهد.

لكنّ الكتلة الصلبة في الجماعة الأم، والمنقسمة بين جبهتين؛ إسطنبول بقيادة الأمين العام السابق محمود حسين، الذي نصّب نفسه قائماً بأعمال المرشد العام للجماعة، ولندن بقيادة القائم بأعمال المرشد صلاح عبد الحق، لم تُعلن عن أية مراجعات قبل شهر أيلول (سبتمبر) الماضي.

عامان للمراجعات

خلال ظهوره الإعلامي الأول منذ أعوام، صرح المسؤول السياسي في جماعة الإخوان المسلمين – جبهة لندن، حلمي الجزار، بأنّ جماعة الإخوان شرعت في إجراء مراجعات شاملة ستمتد لمدة عامين، لأداء الجماعة في مصر منذ العام 2013 ومراجعة المشهد السياسي المصري بشكل عام. جاء ذلك خلال استضافة برنامج "الشارع المصري" على قناة "الشرق" للقيادي الإخواني بتاريخ 19 أيلول (سبتمبر) الماضي.

تناول الجزار في اللقاء العديد من القضايا التي تخص واقع الإخوان المسلمين في مصر، وشدد على أنّ قضية السجناء من أفراد الجماعة هي الأولوية القصوى. وقال بأنّ الجماعة قررت عدم الصراع على السلطة، وأنّ الأمر "يعد جزءاً أصيلاً في رؤيتنا الجديدة، وليس مناورةً سياسية". وتابع الجزار بأنّ التنافس على السلطة ليس "الشكل الوحيد لممارسة السياسة، فالعمل السياسي أوسع بكثير من الصراع أو التنافس على السلطة الذي يؤدي أحيانا إلى اضطراب مجتمعي". أما أولويات الإخوان المسلمون بحسبه فهي "الاهتمام بالمجتمع وبناء شبكات الحماية الاجتماعية".

المراجعات تعني بالأساس بحث جذور الفكر التي قامت عليها جماعة الإخوان وبمعنى أدق التخلي عن جميع الأفكار التي تشكل هوية الجماعة وبالتالي تفكيكها

وأوضح الجزار بأنّ رؤية الجماعة هي "فتح صفحة جديدة للحوار مع الجميع، وطي صفحة الخلافات. واعتبار تسوية قضية المعتقلين وإنهاء معاناة أسرهم - أولوية قصوى للعمل السياسي في هذه المرحلة".

ودعا مسؤول المكتب السياسي جميع سائر القوى السياسية لمراجعة مواقفها ونبذ الأنانية السياسية، مشيراً إلى أنّ الجماعة بدأت مراجعة جادة لمسيرتها خلال السنوات العشر الماضية، داعياً لمصالحة مجتمعية شاملة تتجاوز جميع التحديات التي تمر بها مصر. وتطرق الجزار إلى علاقة جماعة الإخوان بالمملكة العربية السعودية بعد انتقادات طالت الجماعة لإشادتها بالتنظيم الناجح لموسم الحج، وقال: "علاقة الجماعة بالمملكة العربية السعودية تاريخية وطيبة، ونريد أن نطوي صفحة الخلافات معها، ونحن حريصون على مد أيدينا للمجتمع العربي بشكل عام؛ فنحن دعوة إسلامية تحاول الإصلاح، وتريد الخير للأوطان".

الإخواني حلمي الجزار: بدأنا مراجعة جادة

أما عن الخلافات داخل جماعة الإخوان، فوصفها بـ"الخلاف الإداري وليس خلافاً فكرياً، وكان هذا الخلاف في الماضي، وينحسر الآن في الحاضر، وسينتهي في المستقبل بإذن الله".

مراوغات متجددة

بيد أنّ حديث الجزار لم يخل من تناقضات؛ فعدم التنافس على السلطة ليست سوى تكتيك مرتهن بالظروف الحالية، حيث يقول الباحث في الفكر الديني والإسلام السياسي، عبد السميع جميل، إنّ دعوة حلمي الجزار في حقيقة الأمر، "مثيرة للضحك"؛ ليس فقط لكونها دعوة لوقف العمل السياسي الإخواني على لسان المسؤول نفسه عن المكتب السياسي للإخوان، وكأنها دعوة من شخص يتحدث عن تجريده من صفته الإخوانية السياسية الرسمية إن كانت دعوته صادقة.

وأضاف لـ"حفريات" هي دعوة إخوانية مكررة ومرفوضة من النظام والقوى السياسية في مصر للمرة الألف، ومع ذلك يغيب الإخوان غيبتهم ويعودون بعدها بنفس الدعوة مع كل محاولة تقارب مصري تركي، وكأنها مفاجأة وحل سحري، فضلاً عن كونها دعوة تكتيكية ثبت عدم مصداقيتها منذ عهد البنا، مروراً بجميع من خلفه على مقعد مرشد الجماعة.

وأشار جميل إلى تاريخ المراوغات الإخوانية، بقوله إنّها بدأت مع البنا تحت شعارات مختلفة بدأت بمقال "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" ثم تكررت مع كتاب حسن الهضيبي "دعاة لا قضاة" حتى وصلت إلى شعارات "مشاركة لا مغالبة" التي رفعها الإخوان بعد ثورة يناير، وكشفت الأيام كل مرة انتهازية تلك الشعارات الفارغة، لجماعة بنيتها الفكرية تقوم من الأساس على فكرة شمولية الإسلام، التي لا يمكن معها فصل المجال الدعوي عن المجال السياسي إلا على سبيل التكتيك فقط.

الباحث هاني عمارة لـ"حفريات": ما يهم الجماعة هو الحفاظ على شبكة المصالح الاقتصادية الكبيرة، التي توجد في دول عديد، وبخاصة دول شرق آسيا

بدوره يقول الباحث في الفكر الديني والحركات الإسلامية، هاني عمارة، بأنّ الجماعة تشهد ارتباكاً شديداً لم يمروا به من قبل، ولهذا جاءت فكرة العامين لإتمام المراجعات، لأنّهم لم يستقروا على شيء بعد بخصوص هوية الجماعة، ودورها في العمل العام. ولفت إلى أنّ حديث القيادي الجزار عن نشر جزء يتعلق بالمراجعات بعد ستة أشهر، يؤكد على أنّ فكرة المراجعات هي تكتيك؛ لأنّهم ينتظرون ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية في مصر، وبناءً على نتائجها سيقررون وجهتهم.

عبد السميع جميل: دعوة إخوانية مكررة ومرفوضة

حلّ جماعة الإخوان

بشأن حديث القيادي الإخواني الجزار، عن أولوية العمل الاجتماعي، يعلق الباحث عبد السميع جميل، بأنّ فكرة العمل الدعوي الإخواني أخطر بكثير جداً من العمل السياسي، وليس العكس كما يروج البعض، من كون العمل الدعوي عندهم أقل خطراً من انخراطهم بالعمل السياسي؛ لأننا أمام جماعة شمولية بالأساس، لا يمكن فصل الجانب الدعوي عن السياسي عندها. وأفاد جميل بأنّ كل التجارب في عهد عبد الناصر والسادات ومبارك، أثبتت أنّ العمل الدعوي المزعوم هو الباب الذي تعود منه الجماعة كل مرة للمشهد السياسي، وهو نفسه الباب الذي تدخل منه للمجال السياسي لتفكيك الدولة.

يذكر أنّ فكرة العمل الدعوي كانت الصورة العامة التي قدم بها حسن البنا جماعته إلى المجتمع، حيث كانت جمعية خيرية مشهرة، ولهذا انضم إليها العديد من رموز المجتمع المصري، ممن كان أسلوب حياتهم يناقض بشكل عام رؤية البنا. لكنّ الأخير عمل في السر على تأسيس كيان اعتبره الكتلة الأساسية في جماعة الإخوان المسلمين، ولهذا اعتمد على تنشئة جيل من شباب الجامعات، وكوّن بهم التنظيم الخاص الذي ارتكب أعمال عنف. من جانب آخر فالعمل الاجتماعي وفق القانون يجب أنّ ينفصل عن العمل السياسي، كما أنّ القيام بدور اجتماعي لا يتطلب أنّ يكون الفرد مؤمناً بأفكار تناقض الدولة الوطنية وتميز بين المواطنين وتحمل بذور العنف.

هاني عمارة: دعوات الإخوان للتغيير استهلاكية لتجميل صورتهم

إن المراجعات تعني بالأساس بحث جذور الفكر التي قامت عليها جماعة الإخوان، وبمعنى أدق التخلي عن جميع الأفكار التي تشكل هوية الجماعة، وبالتالي تفكيكها، وعدم الدعوة إلى كيانات دينية، وهو أمر لن يفعله الإخوان المسلمون بأي حال. يقول الباحث هاني عمارة، بأنّ الإخوان يعيشون مرحلة يسعون فيها إلى إعادة بناء التنظيم، وأي حديث غير ذلك فهو استهلاكي لتجميل صورتهم.

ولفت إلى أنّ ما يهم الجماعة هذه الفترة هو الحفاظ على شبكة المصالح الاقتصادية الكبيرة، التي توجد في دول عديد، وبخاصة دول شرق آسيا، وما يتخوفون منه هو انهيار هذه الشبكة التي تحفظ كيان الجماعة من الانهيار، رغم كل الخسائر التي طالتهم في المنطقة. يقول عمارة بأنّ تخلي جماعة الإخوان عن الأهداف السياسية يعني تفريغ فكرة الإخوان من مضمونها؛ لأنّ تلك الأهداف هي عوامل الجذب في الحشد والانضمام للجماعة.

مواضيع ذات صلة:

- أنظار العالم تتجه نحو فلسطين وعين الإخوان على مصر

كيف مهد الإخوان لمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء؟

 

الصفحة الرئيسية