الإخوان المسلمون وخمسة مؤشرات على حتمية النهاية

الإخوان المسلمون وخمسة مؤشرات على حتمية النهاية

الإخوان المسلمون وخمسة مؤشرات على حتمية النهاية


21/11/2024

عقد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) حلقة نقاشية بعنوان "حالة تنظيم الإخوان المسلمين في الوقت الراهن"، استضاف فيها ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني في مصر. تناول النقاش واقع الجماعة محلياً وإقليمياً ودولياً، مع التركيز على التحولات الجذرية التي أصابتها منذ الإطاحة بحكمها في مصر عام 2013، وقد سلطت الحلقة الضوء على مراحل تطور الجماعة، وتناولت جذورها وأبرز أزماتها حتى اللحظة الحالية، والتي تشير إلى تراجع قدرتها على الاستمرار كقوة مؤثرة في المجالين السياسي والمجتمعي.

غياب الوطنية عن مرجعية الجماعة منذ نشأتها 

منذ تأسيسها عام 1928 ارتكزت جماعة الإخوان المسلمين على فكر يتجاوز مفهوم الدولة الوطنية، ففي حين ركزت القوى السياسية المصرية الأخرى، مثل حزب الوفد والحركات اليسارية، على القضايا الوطنية والاجتماعية، سعت الجماعة إلى تحقيق "عالمية الإسلام" مستندة إلى رؤى مثل "أستاذية العالم"، وقد أسس حسن البنا الجماعة في مدينة الإسماعيلية كمجموعة دعوية ذات طموحات واسعة تتجاوز الحدود المصرية، وهو ما انعكس لاحقاً على نهجها السياسي والاجتماعي. 

هذا الطابع العابر للحدود جعل الجماعة تتبنّى فكراً مغايراً للقوى الوطنية التي كانت تسعى لبناء دولة قومية، وبينما حاولت الجماعات الأخرى التصدي لقضايا مثل الاستعمار والفقر، وجهت جماعة الإخوان جهودها نحو بناء تنظيم عالمي يمتد تأثيره إلى خارج مصر، هذا التوجه العالمي أثار الكثير من الشكوك حول ولاء الجماعة للدولة المصرية، خاصة أنّ أدبياتها تضع الانتماء للتنظيم فوق الانتماء للوطن، وهو ما أثبتته مواقفها السياسية لاحقاً.

تحول الجماعة من الدعوة إلى السياسة 

شهد عام 1938 نقطة تحول محورية في مسار جماعة الإخوان، حين أعلن حسن البنا عن رؤيته بضرورة انتقال الجماعة من العمل الدعوي إلى المشاركة في الحياة السياسية، هذا التحول، الذي أعلنه خلال المؤتمر الخامس للجماعة، لم يكن مجرد تغيير في الأولويات، بل كان تأكيداً على أنّ الهدف الحقيقي للجماعة هو الوصول إلى السلطة.

مؤسس جماعة الإخوان المسلمين: حسن البنا

في ضوء ذلك، استخدمت الجماعة الدعوة وسيلة لجذب المؤيدين وتوسيع قاعدتها الشعبية، لكنّها سرعان ما وجهت جهودها نحو تحقيق أهداف سياسية، مثل التأثير على المؤسسات الحكومية والسيطرة على النظام السياسي، وقد أثار هذا التحول تساؤلات حول نوايا الجماعة الحقيقية، خاصة أنّ البنا نفسه أكد أنّ الإسلام عند الإخوان "دين ودولة"، وهذا يعني أنّ السياسة كانت دائماً جزءاً من مشروعها الأوسع. ومع ذلك، فإنّ محاولات الإخوان الانخراط في العمل السياسي قوبلت بمعارضة شديدة من القوى الوطنية، التي رأت فيهم تهديداً للمشروع الوطني المصري.

سقوط حكم الإخوان في مصر 

مثّل سقوط حكم الإخوان في مصر عام 2013 نقطة تحول كبيرة في تاريخ التنظيم، فبعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 نجحت الجماعة في استغلال الفراغ السياسي والانقسام بين القوى المدنية للسيطرة على المشهد السياسي، بدءاً من الانتخابات البرلمانية حتى رئاسة الجمهورية، ومع ذلك، سرعان ما أثبتت الجماعة عدم قدرتها على إدارة الدولة، فقد أدت سياساتها الإقصائية إلى اندلاع احتجاجات واسعة في 30 حزيران (يونيو) 2013، انتهت بتدخل الجيش وإزاحة الإخوان من الحكم.    

الإطاحة بحكم الإخوان كشفت هشاشة التنظيم وعدم قدرته على التعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية. وفشل الجماعة في الحكم لم يكن مجرد إخفاق سياسي، بل أظهر أيضاً افتقارها إلى رؤية استراتيجية للتعامل مع تعقيدات الدولة الحديثة. وقد أدى هذا السقوط إلى فقدان الجماعة مصداقيتها لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري، الذين رأوا فيها تنظيماً يسعى لتحقيق أهدافه على حساب استقرار الدولة ومصالح المواطنين.

الانقسامات الداخلية وتفكك الهيكل التنظيمي  

منذ الإطاحة بحكمها، واجهت جماعة الإخوان سلسلة من الانقسامات الداخلية التي أثرت بشكل كبير على بنيتها التنظيمية، وعلى الرغم من أنّ الجماعة شهدت انشقاقات محدودة في الماضي، مثل حركة "شباب سيدنا محمد" في الثلاثينيات، فإنّ الانقسامات الحالية كانت أكثر عمقاً وتأثيراً. 

وقد هرب العديد من قيادات الجماعة إلى الخارج، ممّا أدى إلى انقطاع التواصل بين القاعدة والقيادة. كما ظهرت مجموعات شبابية خرجت عن سيطرة الجماعة التقليدية، موجهة انتقادات لاذعة للقيادات بسبب السياسات التي اعتبرتها مسؤولة عن سقوط الجماعة، هذه الانقسامات لم تقتصر على البنية التنظيمية، بل امتدت إلى المستوى الفكري، حيث بدأت بعض العناصر في مراجعة أفكار الجماعة والتشكيك في جدوى نهجها.

هرب العديد من قيادات الجماعة إلى الخارج، ممّا أدى إلى انقطاع التواصل بين القاعدة والقيادة

فقدان القدرة على التعبئة والحشد 

أحد أبرز مظاهر تراجع الإخوان هو فقدانهم القدرة على الحشد والتعبئة الشعبية، حيث اعتمدت الجماعة منذ نشأتها على التجنيد المباشر، الذي يضمن ولاء الأفراد وارتباطهم بالتنظيم، ومع ذلك، أدت الظروف السياسية والاجتماعية بعد 2013 إلى تقليص قدرة الإخوان على استقطاب عناصر جديدة، وأصبح الأفراد المنتمون للتنظيم معزولين اجتماعياً، وفقدوا الدعم الشعبي نتيجة لارتباط اسم الجماعة بالعنف والإرهاب، كما أنّ القيود الأمنية على أنشطة الجماعة داخل مصر حالت دون قدرتها على التواصل مع جمهورها التقليدي، هذا التراجع في التجنيد أثر بشكل كبير على قدرة الإخوان على تنظيم مظاهرات أو فعاليات، ممّا جعل وجودهم في المشهد العام يتضاءل تدريجياً.  

لم يقتصر تراجع الإخوان على الساحة المصرية، بل امتد ليشمل المنطقة العربية بأكملها، وبعد سقوط حكمهم في مصر فقد التنظيم نفوذه في دول أخرى مثل تونس وليبيا والمغرب، وفي السودان تم عزل الجماعة من الحكم، وفي تونس أدى إخفاقها في إدارة المرحلة الانتقالية إلى تراجع شعبيتها بشكل كبير، هذا التراجع الإقليمي يعكس أزمة أعمق في مشروع الإخوان، الذي كان يعتمد على "الربيع العربي" كفرصة لتوسيع نفوذهم. ومع ذلك، فإنّ سوء إدارتهم للفرص السياسية أدى إلى فقدانهم الدعم الشعبي والسياسي. ورغم تحقيقهم نجاحاً محدوداً في الانتخابات الأردنية الأخيرة، فإنّ هذا النجاح يُعدّ استثناءً ولا يعبّر عن عودة الجماعة إلى الواجهة السياسية.

وخلصت الحلقة النقاشية إلى أنّه من خلال هذه التحولات، يبدو أنّ جماعة الإخوان المسلمين تعيش مرحلة "بداية النهاية"؛ وأنّ تشتت القيادة، وضعف الهيكل التنظيمي، والعزلة الاجتماعية، وفقدان القدرة على التأثير السياسي، كلها عوامل تشير إلى أنّ الجماعة لم تعد قادرة على الاستمرار بالشكل الذي كانت عليه، ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال ظهور الجماعة بصيغ وأسماء جديدة. فالتاريخ يظهر أنّ التنظيمات الإيديولوجية قادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وإن كان ذلك بشكل مختلف، لذا فإنّ مراقبة تحركات الإخوان في المرحلة القادمة تظل ضرورية لفهم كيفية تعاملهم مع أزمتهم الحالية.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية