الإخوان المسلمون في فرنسا: هيكل النفوذ، والتمويل، والاستراتيجية المضادة

الإخوان المسلمون في فرنسا: هيكل النفوذ، والتمويل، والاستراتيجية المضادة

الإخوان المسلمون في فرنسا: هيكل النفوذ، والتمويل، والاستراتيجية المضادة


29/05/2025

شهدت فرنسا، كغيرها من الدول الأوروبية، تحولات عميقة في استراتيجياتها لمواجهة التطرف العنيف، وعلى رأسه تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. ومع تزايد عدد العمليات الإرهابية منذ عام 2020، وجدت الدولة الفرنسية نفسها أمام واقع يفرض ضرورة إعادة هيكلة أدوات المواجهة، ليس فقط من منظور أمني، بل أيضًا على المستويين القانوني والفكري. 

تتصدر جماعة الإخوان المسلمين المشهد، ليس باعتبارها تنظيمًا دينيًا فحسب، بل أيضًا لنجاحها في بناء شبكة مؤسسية ومالية وتنظيمية معقدة داخل المجتمع الفرنسي، مستفيدة من البيئة الديمقراطية لتوسيع نفوذها. 

وفي السياق تستعرض دراسة حديثة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات حدود الدور الإخواني داخل المجتمع الفرنسي ومواطن نفوذ التنظيم وآلية عمله، وسبل مواجهته.

الجاليات المسلمة: الأرضية التي تستغلها الجماعة

يعيش في فرنسا نحو (6) ملايين مسلم، ممّا يجعلها أكبر الدول الأوروبية من حيث عدد السكان المسلمين. وتمثل الجاليات القادمة من دول المغرب العربي النسبة الكبرى، بنسبة تتجاوز80 % من مسلمي فرنسا. هذه التركيبة العرقية والديموغرافية أوجدت بيئة اجتماعية وثقافية خصبة، استغلتها جماعة الإخوان في بناء قاعدة دعم لها منذ أواخر السبعينيات. ومنذ عام 1978 بدأت الجماعة بتأسيس واجهاتها الفكرية والدعوية في فرنسا، ونسجت علاقات متعددة مع بعض القوى السياسية، وهو ما مكّنها من التغلغل في عدد من المؤسسات المجتمعية.

يعيش في فرنسا نحو (6) ملايين مسلم، ممّا يجعلها أكبر الدول الأوروبية من حيث عدد السكان المسلمين

البنية التنظيمية: قيادات وتحالفات عابرة للجمعيات

تتخذ جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا من اتحاد المنظمات الإسلامية (المعروف حاليًا باسم "مسلمو فرنسا") مظلة رئيسية لأنشطتها. ويضمّ هذا الاتحاد عددًا من القيادات؛ مثل عمار لصفر، وبوبكر الحاج عمر، ومخلوف ماميش، وأوكاشا داهو، إضافة إلى أعضاء بارزين مثل الحاج ثامي بريز، وعز الدين قاسي، ومريم بركان.


إلى جانب هذه القيادات، تلعب شخصيات رمزية دورًا محوريًا في ترسيخ فكر الجماعة داخل المجتمع، مثل طارق رمضان وهاني رمضان، وهما حفيدا مؤسس الجماعة حسن البنا. ويشرف بعض الأئمة على مساجد ومراكز إسلامية ترتبط فكريًا بالتنظيم، من بينهم محمد حنيش، ومحمد مهدي بوزيد، ومادي أحمدا.

تتخذ جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا من اتحاد المنظمات الإسلامية (المعروف حاليًا باسم "مسلمو فرنسا") مظلة رئيسية لأنشطتها. ويضم هذا الاتحاد عددًا من القيادات مثل عمار لصفر، وبوبكر الحاج عمر، ومخلوف ماميش، وأوكاشا داهو، إضافة إلى أعضاء بارزين مثل الحاج ثامي بريز، وعز الدين قاسي، ومريم بركان.

مؤسسات الواجهة: العمل من خلال "الجمعيات"

يتجاوز عدد الجمعيات الإسلامية في فرنسا (250) جمعية، منها (51) جمعية معروفة بارتباطها بتنظيم الإخوان. وتعمل هذه الجمعيات على أجندات متداخلة، بين الدعوة والتعليم والعمل المجتمعي، لكنّها في الواقع تسير وفق استراتيجية موحدة تهدف لتعزيز نفوذ الجماعة داخل المجتمع الفرنسي. ومن أبرز هذه الجمعيات:

  • التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا.
  • مؤسسة الشيخ ياسين (التي تم طرد رئيسها عبد الحكيم الصفريوي عام 2020).
  • جمعية الإيمان والممارسة.
  • مركز الدراسات والبحوث حول الإسلام.
  • المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية.
  • معهد ابن سينا لتخريج الأئمة.

وتشمل شبكة الجماعة منظمات شبابية ونسائية وطبية وخيرية، كجمعية "لالاب" النسوية، والجمعية الطبية ابن سينا، وخدمات الحلال الأوروبية. ولعل أخطر ما في هذه الشبكات أنّها تعمل تحت ستار المجتمع المدني، ممّا يمنحها غطاءً قانونيًا وشرعيةً أمام المؤسسات الرسمية.

التمويل: صناديق الهبات وقنوات الظل

من أبرز التهديدات التي تواجهها السلطات الفرنسية حاليًا غموض مصادر تمويل جماعة الإخوان. وتشير تسريبات من صحيفة (لو فيغارو) إلى أنّ السلطات اكتشفت ما يقارب (20) صندوق هبات خاصة، تم استخدامها كقنوات لتمويل أنشطة الجماعة، مستغلة ضعف الرقابة على هذا النوع من التبرعات، وقد تم حظر (8) من هذه الصناديق حتى الآن.

من أبرز التهديدات التي تواجهها السلطات الفرنسية حاليًا غموض مصادر تمويل جماعة الإخوان
بدأ التحقيق الواسع في خريف 2021، بالتزامن مع صدور قانون "مكافحة الانفصالية" الذي شدد الرقابة على الجمعيات الدينية والمؤسسات التعليمية غير الحكومية. ووفقًا للمعلومات الأمنية، تعمل جماعة الإخوان من خلال شبكة تمتد من مدينة ليل شمالاً حتى مارسيليا جنوبًا، وتستخدم تمويلًا معقدًا يخفي هويات المتبرعين والوجهة النهائية للمال.

المواجهة الفرنسية: قوانين وتنظيمات جديدة

ردًّا على هذا التغلغل، أطلقت فرنسا عددًا من المبادرات التشريعية والتنظيمية لمواجهة الإسلام السياسي عامة، وجماعة الإخوان خاصة. وأبرز هذه المبادرات "قانون تعزيز قيم الجمهورية" الذي يمنح الدولة أدوات رقابية على الجمعيات والمؤسسات الدينية.


كما تمّ سنّ قانون لمكافحة الإرهاب يتيح مراقبة تطبيقات التواصل المشفرة مثل (واتساب وتيليغرام) باستخدام خوارزميات متطورة، ويمكّن الاستخبارات من تعقب السلوك الرقمي للمشتبه بهم في التطرف. في شباط (فبراير) 2022 تمّ تأسيس منتدى الإسلام في فرنسا (FORIF) كمحاور جديد بين الدولة والمواطنين المسلمين، ليحلّ محل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)،  في محاولة لعزل التأثير الإخواني الذي كان قد تسلل إلى المجلس السابق.

الاستخبارات: الإخوان خطر موازٍ للتيارات الجهادية

وفقًا لأجهزة الاستخبارات الفرنسية، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين تعتمد على منظمات غير حكومية مرخصة لترويج أفكار الإسلام السياسي. وتُستخدم هذه المنظمات كقنوات لتعيين أفراد موالين للجماعة في مراكز التأثير المجتمعي تحت غطاء قانوني. وتُحذّر التقارير من أنّ هذا التسلل الناعم أخطر من التهديد الجهادي المباشر، لأنّه يصنع "مجتمعات موازية" لا تتماهى مع قيم الجمهورية.

مارين لوبان، مرشحة الرئاسة الفرنسية السابقة، وصفت الإخوان بأنّهم "جذر الإيديولوجيا التي تغذي الإرهاب"، مشيرة إلى وجود أكثر من (570) مسجدًا في فرنسا يروّج للتطرف، إضافة إلى (4500) أجنبي مسجلين على لوائح التطرف.

من أبرز التهديدات التي تواجهها السلطات الفرنسية حاليًا غموض مصادر تمويل جماعة الإخوان. وتشير تسريبات من صحيفة (لو فيغارو) إلى أنّ السلطات اكتشفت ما يقارب (20) صندوق هبات خاصة، تم استخدامها كقنوات لتمويل أنشطة الجماعة، مستغلة ضعف الرقابة على هذا النوع من التبرعات، وقد تم حظر (8) من هذه الصناديق حتى الآن.

كيف يمكن المواجهة؟

تكشف التجربة الفرنسية أنّ التهديد الإخواني لا يقتصر على العنف المباشر، بل يتخذ طابعًا أكثر تعقيدًا يقوم على النفوذ المؤسساتي، واستغلال الحريات الديمقراطية لتقويض الدولة من الداخل. ويبدو أنّ الدولة الفرنسية بدأت بالفعل في تبنّي نهج أكثر شمولًا يزاوج بين الأمني والفكري، ويعتمد على تفكيك شبكات التمويل وفرض الرقابة على الفضاء المدني دون المساس بحرية الدين.


في هذا السياق، يوصى بالآتي:

ـ توسيع قاعدة التحقيقات المالية لتشمل كل المنظمات المرتبطة بالجماعة.

ـ مراقبة صارمة لصناديق الهبات وتمويل المساجد والمراكز التعليمية.

ـ تعزيز الشراكة مع الجاليات المسلمة المعتدلة لإضعاف خطاب الجماعة.

ـ تطوير خطاب فكري مضاد يوضح الفرق بين الإسلام كدين وبين الإسلام السياسي كأداة اختراق إيديولوجية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية