الأمن القومي المصري يبدأ من فلسطين

الأمن القومي المصري يبدأ من فلسطين

الأمن القومي المصري يبدأ من فلسطين


22/10/2023

منير أديب

علاقة القاهرة بالقضية الفلسطينية تشبه علاقة القلب بالجسم، فالقدس ومسرى الرسول (ص) ينبض في وجدان المصريين قيادة وشعبًا، ولعل هذا سبب الدعم اللامحدود للقضية الفلسطينية؛ الإنساني والإغاثي والسياسي. فمصر كانت وما زالت سندًا للفلسطينين في كل الفترات العصيبة التي عاشوها، ولعل القاهرة أول عاصمة يلجأ إليها الأشقاء نظرًا لحجمها وثقلها الدولي وقدرتها على حل المشكلات الكبيرة.

كانت مصر طرفاً نزيهاً محايدًا في حل الكثير من المشكلات والمعضلات بين إسرائيل وفلسطين، رغم انحيازها للجانب الفلسطيني بحكم اللغة والهوية والجوار، هذه هي المعادلة الصعبة التي حققتها طوال تاريخ الصراع الممتد قبل أكثر من خمسه وسبعين عاماً.

لا أحد يمكن أن يُزايد على دور مصر، ولا توجد دولة قريبة أو بعيده يمكن أن تسد هذا الفراغ لأسباب تتعلق بقوة القاهرة وقدرتها على إدارة التفاوض بين الجانبين المصري والإسرائيلي، فضلًا على أن مصر خاضت حرباً طويلة مع إسرائيل حتى انتصرت في النهاية، وهذا مصدر قوة للقاهرة في تفاوضها، فضلًا عن الحدود التي تجمعها مع فلسطين وإسرائيل نفسها، فالقضية تتعلق بأمنها القومي.

وهناك عدد لا بأس به من الفلسطينين يعيشون في القاهرة، بل يعدونها وطنهم الثاني؛ فقد كانت القاهرة العمق الممتد للفلسطينين منذ النكبة الأولى في العام 1948 وما تلاها من حروب، ورغم مرور العقود الطويلة فإن مصر لم تتخلى عن دورها، ولن تتخلى، بل تم تعزيز هذا الدور بصورة أكبر في الحرب الأخيرة.

نجحت مصر في مساندة القضية الفلسطينية منذ اندلاع الحرب والمواجهات في 7 تشرين الأول (أكتوبر ) الجاري وحتى الآن، ففتح معبر رفح انجاز عربي ولكن بضغط وتصعيد مصري وإصرار على دخول المساعدات الطبية والإنسانية. صحيح ما دخل عبر المعبر هو أقل بكثير مما يحتاجه الفلسطينيون، ولكنه خطوة مهمه تُعبر عن حجم الدعم المصري للفلسطينين.

علاقة مصر بالفصائل الفلسطينية و"حماس" على وجه التحديد تسمح لها بالتدخل لحل أزمة الرهائن والدخول كوسيط نزيه بين المتصارعين، وهو ما تقوم به القاهرة، حيث تستفز الطرفين للجلوس على مائدة مفاوضات واحدة والاتفاق على ما يخدم شعبيهما.

هناك حالة من الالتحام بين القيادة السياسية والشعب المصري بسبب دعم الأولى للقضية الفلسطينية، وهو بمثابة تعبير حي عما يُريده الشعب المصري، وهنا حدث التوحد، فالقيادة تُعبر عن إرادة الشعب والشعب بات سندًا لهذه القيادة.

علاقة التوحد هذه دفعت الرئيس عبد الفتاح السيسي لوقف حملته الانتخابية، خاصة وأنه مقدم على انتخابات رئاسية خلال شهر كانون الأول (ديسمبر )من العام الحالي، وهذا دليل على توحد القيادة والشعب، وهذا قليل ما يحدث في تاريخ الشعوب، ولكنه حدث في ثورة 30 يونيو من العام 2013 وتم استدعاء اللحظة بعد 10 سنوات على خلفية الحرب على غزة.

هناك مخاطر كثيرة يواجهها الشعب المصري لو أن حرب إسرائيل استمرت أكثر من ذلك، خاصة وأنها تُحاول تهجير الفلسطينيين إلى غزة، فهي تُريد أن تصنع نكبة جديدة للفلسطينيين وأن يكون ذلك على حساب الأمن القومي المصري، وهذا سبب التوحد بين القيادة والشعب، ولعل هذا التوحد حدث أيضًا في حرب عام 1973 عندما انتصر المصريون على إسرائيل، انتصار يعكس التوحد ويؤكده.

الدور المصري في خدمة القضية الفلسطينية ليس حديثاً ولا يرتبط بهوى أو مصالح سياسية ولكنه يرتبط بإرادة شعب وقيادة كانت وما زالت داعمة للشعب الفلسطيني في أي وقت وكل وقت، ولعل سر هذه العلاقة يكمن في هذه العلاقة ذات البعد القومي والعسكري والسياسي والنفسي بين الشعبين.

ألغى الرئيس المصري مع ملك الأردن القمة المقررة مع الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام في الأردن بعد قصف إسرائيل لمستشفى المعمداني، كما أنها أعلنت مصر رفضها لخروج الأجانب من غزة قبل دخول المساعدات الإنسانية والطبية، ورفضت تهجير الفلسطينين من أرضهم وأعلنت أنها سوف تواجه أي تصعيد بتصعيد مماثل، وكلها مواقف مؤيدة ومساندة.

بعدها أجرى الرئيس المصري اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الأميركي من أجل تمرير المساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة، وهذه قمة الدبلوماسية الناجحة، تعامل القاهرة لم يكن خشنًا طوال الوقت ولم تتخلى عن الحقوق في الوقت نفسه، ولكن من خلال القوة والسلام نجحت مصر في إدخال المساعدات إلى الأشقاء في فلسطين.

مؤتمر السلام الذي دعت إليه مصر وعقد في القاهرة لبحث حرب غزة ومستقبل القضية الفلسطينية في ظل السيناريوهات المحتملة لهذه الحرب، ينبغي البناء عليه من خلال إيجاد حلول عملية ودائمة للصراع الذي وصل عمره الآن إلى سبعين عامًا دون حل، هو بداية عملية لتفكيك الأزمة ومحاولة استشراف المستقبل للقضية الفلسطينية والتي تُعد القضية المركزية للأمة.

في النهاية موقف مصر قيادة وشعبًا يُترجم عمق العلاقة بين الشعبين المصري والفلسطيني وبين قيادة البلدان أيضًا، ولذلك سوف تظل مصر عمٌقا لفلسطين ودعمًا وسندًا لها، وهي بداية حل القضية وعودة الحقوق، فهي المقر الدائم لجامعة الدول العربية والحاضن الأول لقضايا العرب كل العرب.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية