استهداف مؤسسات الإعلام العراقي: ميليشيات إيران تنكّل بخصومها باسم المقدس

استهداف مؤسسات الإعلام العراقي: ميليشيات إيران تنكّل بخصومها باسم المقدس


10/09/2020

بين الحين والآخر، تتعرض المؤسسات الإعلامية في العراق إلى حملات استهداف ممنهجة من قبل جماعات محسوبة على التطرف السياسي في البلاد، وذلك يعود إلى مخالفة المحتوى الإعلامي لخطاب تلك الجماعات التي تستخدم أعلى أدوات الترهيب تجاه بعض وسائل الإعلام العراقية.

الاستهدافات الأخيرة التي طالت محطات فضائية عراقية في العاصمة بغداد هذه المرة جاءت تحت يافطة "هتك المقدس الديني"، بحسب ادّعاءات الجهات المحرضة.

القوى الشيعية الحاكمة ذات الولاء الإيراني، أفلس رصيدها الاجتماعي والسياسي، وتحاول اللعب على مشاعر الناس الدينية، بحجة أنّها الأحرص في الدفاع عن عقائدهم

وطالب إعلاميون عراقيون بضرورة وضع حدٍّ لماكنات التحريض وفعالية الاستهدافات المتكررة بحقّهم ومؤسساتهم، مؤكدين أنّ تلك الأفعال تنافي حرية التعبير والعمل الصحفي التي كفلها الدستور العراقي، فيما راحت الانتقادات توجه لمنظومة السلطة الأمنية التي لم تتخذ إجراءات "رادعة" تجاه من يسعى إلى "تكميم الأفواه" والسير نحو أفق إعلامي واحد.

وتتهم الجهات الولائية لإيران داخل العراق بشنّ هجمات عدة على الفضائيات العلمانية التي تناكف الخطاب الولائي، الذي يستخدم شعار "التكفير" والنيل من المحرمات الدينية الشيعية، في وقتٍ تعدّ تلك الادّعاءات حججاً ذات باطن سياسي أكثر مما هو عقائدي.

آخر الاستهدافات في بغداد

بتاريخ 5 أيلول (سبتمبر) الجاري، هدّدت حركة مسلحة تسمى "ربع الله"، أي جماعته، بحرق مقار قناة "UTV" الفضائية لمالكها السياسي السُنّي، خميس الخنجر، في حال عدم تقديمها الاعتذار للشعب العراقي، نتيجة انتقادات وجهت عبر أحد برامجها السياسية من قبل النائب، فائق الشيخ علي، للمرجعية الشيعية العليا، على خلفية ضعف موقف الأخيرة تجاه موجة الاغتيالات التي طالت ناشطي الحراك الاحتجاجي في مدن عراقية مختلفة.

وردّت القناة ببيان أكدت فيه: "ليس ثمة عاقل يمكن أن يتوهّم أنّ قناة مهنية مثل "UTV" الفضائية، يمكن أن تستهدف المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، فهذا أمر مرفوض ولا يمكن أن يصدر عن القناة"، مبينة أنّ "كلّ الذين يهددون بالويل والثبور والقتل والحرق والتدمير، يستخدمون اسم المرجعية الدينية العليا، البريئة منهم ومن أعمالهم، فهي لطالما وقفت مع القانون والدولة".  

اقرأ أيضاً: جريمة فظيعة بالعراق... ما علاقة ميليشيات "سرايا السلام"؟

 وشددت إدارة القناة على أنّها "لا تخضع لأيّ ابتزاز أو تهديد، يفرض عليها سياسات قسرية"، واصفة حماية الحكومة لمقارها بفصيل عسكري، بالموقف "الرصين والمسؤول بعد تهديد أطراف بحرق مقر قناتنا في بغداد وتعريض حياة منتسبينا للخطر".

اعتداءات سابقة

ونشرت الجهات الحكومية فصيلاً عسكرياً لحراسة مقار القناة المهددة بالحرق، من قبل جماعات شيعية مسلحة، في حال عدم تقديمها الاعتذار لمقام المرجعية الدينية.

وسبق لتلك الجماعات، في الثالث من الشهر الجاري، أن أضرمت النار بمقار قناة "دجلة طرب" الغنائية، التابعة للزعيم السياسي السنّي، جمال الكربولي، نتيجة إطلالات غنائية عبر قناته، في اليوم العاشر من محرَّم الحرام (عاشوراء مقتل الإمام الحسين بن علي، يوم حزين مقدس لدى شيعة العالم).

بدوره، اتهم زعيم حزب "الحل" السُنّي، مالك الفضائية، جمال الكربولي، "ميليشيات" (لم يحددها) بالوقوف وراء حرق مقر قناة "دجلة طرب" وسط بغداد، في وقت أصدر القضاء العراقي، مذكرة ضبط بحقّ الكربولي، على خلفية عرض قناتهِ أغان في يوم عاشوراء.

وعلّق الزعيم السياسي، المقيم في الأردن، على المذكرة القضائية: "سأحترم القضاء وأمثل أمامه، رغم أنّ قناة "دجلة طرب" موجهة للجمهور العربي، للتعريف بالتراث والفنّ العراقي"، مؤكداً أنّ قناته "تخلو تماماً من أيّ برنامج سياسي، ولا يعمل فيها أيّ صحفي، سوى تقنيي الحاسوب، وجميعهم يعملون من خارج العراق".

مصادر التهديد وجهاتها التنفيذية

في السياق ذاته، يرى مراقبون عراقيون، أنّ مصادر التهديد نابعة من قوى سياسية شيعية موالية لإيران، تحاول استثمار المقدسات الدينية لتصفية خصوماتها السياسية مع هذا السياسي أو ذاك.

ويقول الإعلامي العراقي خالد الجابري لـ "حفريات": إنّ "القوى الشيعية الحاكمة ذات الولاء الإيراني، أفلس رصيدها الاجتماعي والسياسي، وتحاول اللعب على مشاعر الناس الدينية، بحجة أنّها الأحرص في الدفاع عن عقائدهم، وهذا السلوك اعتادته سابقاً للكسب والتعاطف الشعبي"، مبيناً أنّ "هناك جيوشاً إلكترونية يعمل فيها صحفيّون عراقيون بتوجيه من المليشيات هي من تثير الزوبعة والهلع بين الناس وأبناء السلطة الرابعة".

اقرأ أيضاً: ما الذي يمكن أن يجنيه العراق من الكويت والسعودية؟..معهد إيطالي يجيب

ويضيف: "حلفاء إيران داخل بلادنا، استغلوا ملف عاشوراء، لضرب قوى سياسية معينة، وفضائيات تابعة لها، وهذا الانتقام ليس للمقدس الديني فيه مصلحة، بل المصلحة في الحسابات السياسية؛ لأنّ تلك المحطات كانت على تماس مباشر مع الحدث الاحتجاجي العراقي، وعمليات الاغتيال التي طالت الناشطين من قبل المليشيات ذات الصبغة الولائية".

وأعرب الجابري، عن أسفه "لضعف الأداء الأمني الرسمي في ردع هكذا جهات متمردة على القانون"، مطالباً الحكومة بـ "فرض سلطتها الفعلية على الجميع".

هيئة الإعلام والاتصالات والمزاج السياسي

تعدّ هيئة الإعلام والاتصالات (مؤسسة رسمية مرتبطة بمجلس الوزراء) الجهة الرقابية على مختلف المحطات والإذاعات العراقية، ولها صلاحية فرض العقوبات وإيقاف البثّ، في حال مخالفة أيّة وسيلة إعلامية للمعايير القانونية.

الهيئة، منذ زمن وهي تقع في مطبّ ما يسمى "المزاج السياسي"، من خلال التمييز الطائفي في قرارتها.

وفور الهجوم على قناة "دجلة طرب"، وإحراق مقارها، أعلنت الهيئة إيقاف عمل القناة في البلاد، في خطوة رآها كثيرون منافية لمفهوم الحريات العامة وحقّ الإعلام والتعبير المكفولَين من قبل التشريعات الدستورية.

وبشأن عمل الهيئة، يقول أستاذ الإعلام في جامعة البصرة وائل السراج  إنّ "تابعية هذه المؤسسة من المفترض أن تخضع لمجلس النواب أولاً، وليس لمجلس الوزراء، بحسب القانون الخاص بها"، مبيناً أنّ "فترة حكومة نوري المالكي استولت على المؤسسة وجعلتها تابعة لمكتب رئيس الوزراء وأغلب أعضاء الهيئة ورئيسها هم من الدعاة الإسلاميين الشيعة".

اقرأ أيضاً: ميليشيا شيعية جديدة لاستهداف بعثة الأمم المتحدة في العراق.. ما القصة؟

ويضيف لـ "حفريات": "ازدواجية هيئة الإعلام والاتصالات في التعامل مع المؤسسات الإعلامية واضحة جداً"، متسائلاً: "لماذا لا تغلق الهيئة قنوات الفتنة الطائفية من قبل المحاور السياسية المهيمنة على البلاد؟"، في إشارة منهُ إلى قنوات الأحزاب الإسلامية.

صمت المؤسسة التشريعية

وبشأنِ ما يدور من عمليات ممنهجة لاستهداف وسائل الإعلام، وتقاعس المؤسسة التنفيذية الرسمية عن أدائها في حماية تلك الوسائل، أيضاً سادَ الصمتُ على لجنة الإعلام والاتصالات في البرلمان العراقي، حيال ما جرى مؤخراً، رغم أنّ سلطتها الرقابية تحتم عليها التدخل والمتابعة.

صحفيون أكّدوا أنّ صمت لجنة الإعلام والاتصالات البرلمانية أمر طبيعي، لافتين إلى أنّ الصمت يقع في حلقات الفشل النيابي الرقابي عموماً، واصفين رئاسة اللجنة من قبل شخصية ينتمي لمليشيا مسلحة بـ "المهزلة".

الإعلامي خالد الجابري لـ"حفريات": حلفاء إيران استغلوا ملف عاشوراء، لضرب قوى سياسية معينة، وفضائيات تابعة لها، وهذا الانتقام ليس للمقدس الديني بل للحسابات السياسية

ويقول الصحفي المقيم خارج العراق ليث الهاشمي إنّ "اتخاذ اللجنة النيابية المكلفة بمراقبة السلطة التنفيذية حيال أدائها من الإعلام العراقي، الصمت حول ما جرى، سلوك طبيعي وعادي أصلاً". وأضاف لـ "حفريات": "إذ كان النائب عن مليشيا عصائب أهل الحقّ، نعيم العبودي، رئيساً للجنة، فعن أيّ أداء مهني رقابي نبحث؟ بل ذلك مهزلة أصلاً".

ويتفق حامد الليثي مع ما ذهب إليه الهاشمي حول فشل الأداء الرقابي للجنة، لافتاً إلى أنّ "المحاصصة الحزبية جاءت بالشخصيات غير الكفوءة لمختلف المناصب، بما فيها المناصب الإعلامية الرسمية في العراق".

ودعا عبر "حفريات" إلى "ضرورة تعرية أداء القائمين على اللجنة، التي لم تكترث حتى لحقوق الصحفيين العراقيين، وجعْل ضمان اجتماعي أو صحيّ داخل التشريعات العراقية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية