اتهامات الفساد والابتزاز تلاحق السلطة الفلسطينية.. ما الجديد؟

اتهامات الفساد والابتزاز تلاحق السلطة الفلسطينية.. ما الجديد؟

اتهامات الفساد والابتزاز تلاحق السلطة الفلسطينية.. ما الجديد؟


12/06/2023

تلاحق مؤسسات السلطة الفلسطينية اتهامات بالفساد لا تقتصر على تجاوزات إدارية ومالية يرتكبها أفراد بدافع المصالح الشخصية، وإنما تعدى الأمر، وفق مصادر، إلى هيمنة شخصيات قريبة من هرم السلطة على قطاعات متعددة، من أهمها قطاع الاتصالات وقطاع الأدوية، هذا إلى جانب نظام التنفيع القائم على العلاقات الخاصة التي تحدد مجريات الأمور في مؤسسات وإدارات السلطة الفلسطينية.

وفي سياق متصل، وصلت "حفريات"، من مصادر خاصة فضلت عدم ذكر اسمها، معلومات تتعلق بالفساد في توريد أدوية السرطانات إلى إحدى المستشفيات الخاصة، دون مراعاة المواصفات والشروط التي يجب توافرها بهذه العلاجات، خاصة بما يتعلق بفترة الصلاحية، وهو ما أثار زوبعة استهجان، خاصة أنّ القائم على توريدات الأدوية من "النخبة الحاكمة"، وفق المصادر، ويفرض بضائعه، على المستشفيات التي تخضع بالنهاية للحفاظ على مصالحها، ولعدم فتح الكثير من الملفات المتعلقة بالتجاوزات داخل أروقتها أو بالأخطاء الطبية.

ووفق ما نقلت مصادر لـ "حفريات"، فإنّ "القائمين على هذه الأدوية غير الصالحة للاستهلاك، والتي يحصلون عليها بأسعار بخسة جداً من الشركات المصنعة، يعتمدون على أنّ حالة الوفاة لمرضى السرطان تحصيل حاصل، وأنّه لن يوجه أحد إصبع الاتهام للمستشفى أو للأدوية التي يعالجون بها".

وأضافت المصادر أنّ أيّ شخص يفتح الملفات، أو يحاول تسليط الضوء على فساد هؤلاء المسؤولين، تتم ملاحقته أمنيّاً، أو محاولة إسقاطه عبر ترويج شائعات كاذبة حوله تتعلق بعلاقته مع الكيان الصهيوني، أو بأمور أخرى مرتبطة بخصوصياته مع عائلته.

مصادر لـ"حفريات": توريد أدوية السرطانات لإحدى المستشفيات الخاصة دون مراعاة المواصفات والشروط التي يجب توافرها فيها

 وهو ما ظهر جليّاً بعد صدور تقرير "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة" (أمان)، فقد لاحقت السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس اثنين من المسؤلين في الائتلاف؛ بسبب التقرير السنوي الذي تحدث عن فساد مسؤولين كبار في مؤسسات السلطة، تشمل الابتزاز والاستيلاء على أراضٍ والفساد وسياسة تكميم الأفواه، بدلاً من متابعة الملف ومحاسبة الفاسدين.

وحول الموضوع، نددت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في بيان نشرته أمس عبر صفحاتها الإلكترونية، بما اعتبرته "تغوّل" السلطة الفلسطينية على عمل المؤسسات الأهلية، مشيرة إلى دعوى تقدم بها ديوان الرئاسة ضد (أمان)، على خلفية تقرير اتّهم موظفين كباراً بالفساد وبابتزاز مستثمرين فلسطينيين، والاستيلاء على أراضٍ لزراعة التمور، وتبييض تمور المستوطنات.

أيّ شخص يفتح الملفات أو يحاول تسليط الضوء على فساد مسؤولين في السلطة، تتم ملاحقته أمنيّاً، أو محاولة إسقاطه عبر ترويج شائعات كاذبة حوله

وطالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي فصيل يساري، السلطة الفلسطينية بوقف ما وصفته بـ "التغول" على عمل المؤسسات الأهلية الفلسطينية، منتقدة في بيان قيام النيابة العامة في الضفة الغربية باستدعاء اثنين من العاملين في ائتلاف (أمان) بغرض التحقيق معهما، مشيرة إلى أنّ الاستدعاء تم بناء على شكوى مقدمة من ديوان رئاسة السلطة الفلسطينية.

واعتبرت ذلك "انتهاكاً صارخاً لحرية الرأي والتعبير التي كفلها القانون الفلسطيني والقوانين الدولية وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، وتغوّلاً على عمل المؤسسات الفلسطينية خاصة التي تراقب أداء السلطة وتلاحق الفساد الإداري والفاسدين فيها".

وقالت الجبهة في بيانها: "بدلاً من متابعة قضايا الفساد التي وثقتها مؤسسة (أمان)، واتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة للقضاء على الفساد داخل المؤسسات الرسمية الفلسطينية، تُقدم السلطة على توجيه سهامها إلى المسؤولين عن هذه المؤسسات، وتبرئة الموظفين الكبار الذين اتُهموا بالفساد".

وأضافت: "ندعو السلطة إلى التوقف عن هذه السياسات والممارسات، ووقف كل أشكال الملاحقة والتحريض والاستدعاءات للمؤسسات، واتخاذ خطوات عاجلة لملاحقة الفاسدين، وعدم التغطية على جرائم الفساد داخل المؤسسات الرسمية".

وختمت بالقول: "لا حصانة لأيّ فاسد، مهما كان وزنه أو درجته الوظيفية أو نفوذه، من أعلى مراتب سلّم الهرم في السلطة حتى أدناه، وكلّ من تورط في ملفات فساد، يجب أن يخضع للمساءلة والمحاسبة والملاحقة".

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تندد بما اعتبرته "تغوّل" السلطة الفلسطينية على عمل المؤسسات الأهلية

وكان ائتلاف (أمان) قد أعلن قبل أيام استدعاءه إلى النيابة العامة على خلفية إطلاقه نتائج التقرير الخامس عشر الذي أصدره في 17 أيار (مايو) الماضي، بعنوان "واقع النزاهة ومكافحة الفساد في فلسطين للعام 2022".

وحذّر الائتلاف، في بيان نقله موقع "ميديل إيست أون لاين"، من أنّه يتعرض للملاحقة من قبل دعوى مقدمة عليه من ديوان الرئاسة الفلسطينية بتهمتي التشهير وقذف مقامات عليا على رأس عملها، ونشر التقرير على الموقع الإلكتروني.

وعلّق عضو مجلس إدارة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة جورج جقمان على استدعاء اثنين من أعضاء المجلس للتحقيق معهما بالقول: "ينبغي أن ينظر لـ (أمان) كشريك مجتمعي للسلطة في تبيان مكامن الفساد إن وجدت، وواجب السلطة الفلسطينية أن تتابع أيّ حالات توجد معلومات موثوقة حولها بإجراءات قانونية، لا أن تحيل مسؤولين رئيسيين في (أمان) إلى المحكمة، هذا هو المسار الصحيح من منظور الصالح العام، وليس ما حصل."

وقالت عضو مجلس إدارة الائتلاف حنان عشراوي: "بدلاً من متابعة قضايا الفساد المفصلة في تقرير (أمان) السنوي وملاحقة الفاسدين، تقوم السلطات بملاحقة قياديين من (أمان) أمام القضاء"، مضيفة أنّ المجتمع المدني يشكّل ضمانة الحوكمة الرشيدة ونزاهة الحكم".

السلطة الفلسطينية تلاحق اثنين من المسؤلين في ائتلاف (أمان)؛ بسبب التقرير السنوي الذي تحدث عن فساد مسؤولين كبار تشمل الابتزاز والاستيلاء على أراضٍ

وعقب ذلك، عبّر الاتحاد الأوروبي عن تضامنه مع طاقم ائتلاف (أمان)، واستنكر استدعاء النيابة العامة في رام الله إدارة المؤسسة للتحقيق معها.

وقال الاتحاد في بيان على حسابه في (تويتر): "في غياب المجلس التشريعي والرقابة البرلمانية، من الضروري السماح للمجتمع المدني (الفلسطيني) من أن يخضع السلطات للمحاسبة".

وذكر البيان أنّ الاتحاد الأوروبي يتوقع من السلطة الفلسطينية أن "تفي بالتزاماتها حيال المعايير المنصوص عليها في اتفاقيات حقوق الإنسان، على نحو يكفل أيضاً حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي انضمت إليها دولة فلسطين من أجل ضمان حماية حقوق الإنسان".

وليست هذه المرة الأولى التي تثار فيه قضايا تتعلق بالفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية، لكن عادة ما يصار إلى التكتم أو تكميم الأفواه التي تخوض في مثل هذه القضايا، في الوقت الذي تراجعت فيه شعبية الرئيس عباس (أبو مازن) الذي انتهت ولايته الرئاسية منذ 2009، لكنّه يستمر في منصبه بعد أن تأجلت الانتخابات، كما تتهم السلطة بممارسة القمع على معارضيها.

وتسود في الأراضي الفلسطينية حالة احتقان داخلي، مع أزمة مالية فاقمت متاعب الفلسطينيين، بينما يئن قطاع غزة الذي تحكمه حركة (حماس) منذ العام 2007 والمتهمة أيضاً بتضييق الخناق على الحريات وقمع معارضيها.

الائتلاف يُحذّر من أنّه يتعرض للملاحقة من قبل دعوى مقدمة عليه من ديوان الرئاسة الفلسطينية بتهمتي التشهير وقذف مقامات عليا

 وفي سياق يتعلق بالفساد في السلطة، نشر موقع (مسارات) مقالة عن الموضوع أكد فيها أنّ القطاع العام الضخم في السلطة الفلسطينية ظل أداةً حيوية لخلق التبعية واكتساب الولاءات.

ولفت المقال إلى أنّ ذلك ساهم في مأسسة الفساد في القطاع، والذي يوظف حالياً ما يزيد على (165) ألف موظف عمومي، يعتمدون كليّاً على الرواتب التي تكفلها المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية. ويستأثر قطاع الأمن بالنصيب الأكبر من الموظفين بنسبة 44% من مجموع العاملين في السلطة الفلسطينية، ويستحوذ على 30% إلى 35% من الميزانية السنوية للسلطة الفلسطينية، وهو بالتالي يفوق المخصص لقطاعات حيوية أخرى مثل التعليم (16%) والصحة (9%) والزراعة (1%). وقد ساهم تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني والغياب التام للرقابة التشريعية على الميزانية الحكومية في تحرير الرئاسة والسلطة التنفيذية من الضوابط والموازين المؤسسية والمساءلة العامة.

الاتحاد الأوروبي يعبّر عن تضامنه مع طاقم ائتلاف (أمان)، ويستنكر استدعاء النيابة العامة في رام الله إدارة المؤسسة للتحقيق معها

ووفق المقال ذاته، فقد سعت السلطة الفلسطينية لاستيعاب العائلات الكبيرة لكسب ولائها، فأسست وزارة الحكم المحلي وضمَّنتها قسماً خاصاً معنياً بشؤون العشائر تحت منصب "المختار". وبما أنّ قسماً كبيراً من المجتمع الفلسطيني قائمٌ على العلاقات الاجتماعية العشائرية والقبلية والعائلية، قامت السلطة الفلسطينية بتعيين ممثلين لعائلات كبيرة في مناصب في عقد التسعينيات، وأصبحت تلك الوزارات لاحقاً تزخر بالموظفين من أقرباء الوزير وأصدقائه. وبعد الإصلاحات التي شهدتها الأعوام الأخيرة على صعيد بناء الدولة، قلَّ التوظيف على أساس الاعتبارات العائلية، غير أنّ بعض الوزراء استعاضوا عن ذلك، وأحاطوا أنفسهم برفاق مقربين من خارج عائلاتهم.

نظام التنفيع استُخدم أيضاً، بحسب المقال، لاحتواء المعارضة السياسية وتحييدها، فأُدمِجَ العديد من القادة السياسيين – مستقلين ويساريين وإسلاميين – في مشروع السلطة الفلسطينية الذي ادّعوا رفضه في بادئ الأمر، وقد مُنحوا امتيازات وفرصةً لتولي مناصب مرموقة في القطاع العام مقابل ولائهم السياسي، بل إنّ مِن هؤلاء الذين جرى احتواؤهم مَن أمسى لاعباً رئيسياً في الحياة السياسية للسلطة الفلسطينية.

وصف رئيس هيئة مكافحة الفساد تقرير "أمان" بأنه "معلومات يعوزها الموثوقية"، وتحدى أي جهة بأن تكشف عن مثال واحد للرأي العام

من جهته، رفض رئيس هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية رائد رضوان، ونفى في حوار مع "اندبندنت عربية" "مساومة أي من المشتبه فيهم أو إجراء تسويات مع أي من وردت أسماؤهم في الملف".

وحول جود تدخلات في عمل هيئة مكافحة الفساد من جهات فلسطينية عليا، شدد رضوان على "عدم وجود أي تدخل من السلطة التنفيذية".

وأشار رضوان إلى أن الهيئة تعمل "وفق قانون مكافحة الفساد الذي يمنحها الاستقلالية بما تقوم به من أعمال، وبأنها تحتكم فقط لقانونها".

ووصف رئيس هيئة مكافحة الفساد تقرير مؤسسة "أمان" بأنه "معلومات يعوزها الموثوقية"، وتحدى أي جهة بأن تكشف عن مثال واحد للرأي العام.

مواضيع ذات صلة:

لماذا تواصل السلطة الفلسطينية ملاحقة النشطاء المنتقدين لفساد سياساتها؟

هل يترجّل أبو مازن عن كرسي الرئاسة الفلسطينية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية