
بينما تترقب الساحة السياسية في تونس استحقاق انتخابات الرئاسة الشهر المقبل، أقر المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل، أمس الأحد، مبدأ الإضراب العام في القطاع الحكومي، دون تحديد موعدا لتنفيذه، احتجاجاً على ما قال إنه "ضرب السلطات حق التفاوض والحوار الاجتماعي وعدم احترام الحق النقابي".
وسبق أن وجه الاتحاد انتقادات متكررة للرئيس قيس سعيد، كما حذر الثلاثاء الماضي من أن قرارات هيئة الانتخابات التونسية بخصوص إقصاء ثلاثة مرشحين من خوض الانتخابات الرئاسية، من شأنها أن "تكرس النهج الانفرادي".
لكن مراقبون يرون أن الاتحاد فقد تأثيره على التونسيين، الذين يعتبرونه متسببا رئيسيا في ما آلت إليه البلاد من إفلاس، بسبب كثرة الإضرابات التي نفذها خلال العشر سنوات الماضية وبسبب ابتعاده عن العمل النقابي والتدخل في العمل السياسي.
التهديد بالإضراب لن يكون له تأثير
وقال الناشط والمحلل السياسي التونسي نبيل غواري، في تصريح لموقع "العين الإخبارية" إن الأزمة احتدمت بين الاتحاد والسلطة "بسبب تجاهل الحكومة لدور الاتحاد ولمطالبه"، موضحا أن "الاتحاد كان من بين المتسببين الأساسيين في الأزمة التي عاشتها البلاد خلال العشر سنوات الماضية، إذ يطالب التونسيون بوضع حد لتغوّل النقابات، والذي مثل أحد أسباب الأزمة في تونس".
وأضاف أن الاتحاد استنفد كافة أوراقه خلال معركة لي الأذرع التي خاضها من أجل ابتزاز السلطة السياسة القائمة، كما فشل في تأليب الشارع على الرئيس قيس سعيد، موضحا أن التهديد بالإضراب العام لن يكون له تأثير خاصة في ظل نفور التونسيين من سياسات الاتحاد الذي يعتبرونه شريكا في الحكم خلال العشر سنوات الماضية.
وأكد أن الاتحاد دعم في البداية الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيد في 25 يوليو 2021، لأنه اعتبرها خطوة هامة لإنهاء حكم الإخوان.
وأشار إلى أن قيادة الاتحاد فضلت في البداية عدم الاصطدام مع السلطة الحاكمة بسبب الوضع الداخلي للاتحاد نفسه، ولنفور عموم التونسيين من عدد من النقابات التي أفرطت في تنفيذ الإضرابات والمطالبة برفع الأجور والمنح على حساب المصلحة العامة ما أضر بموازنة الدولة.
ووفق إحصائيات مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة بوزارة الشؤون الاجتماعية، فإنه قد تم تسجيل مليوني يوم عمل ضائعة بين عامي 2010 و2018 بسبب الإضرابات، ما يعكس إضراب أعداد كبيرة من المشتغلين.
كما بيّنت الاحصائيات أنّ عدد الأيّام التي تعطل الإنتاج فيها بين عامي 2010 و2014 سجّلت زيادة قياسيّة تعادل نسبتها 384%.
وأوضح أن الإضرابات خلال العشر سنوات الماضية تسبب في تعطيل عمل الدولة ومؤسساتها وفي تعطيل التنمية والاستثمار.
تراجع دور اتحاد الشغل
ويتهم منتقدون الاتحاد بمحاولة إمساك العصا من المنتصف، في ظل توقيفات لشخصيات، بينهم نقابيون، وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، فيما طرح الاتحاد مع مكونات أخرى من المجتمع المدني أواخر عام 2022 مبادرة لحوار وطني، وحشد احتجاجات ضد بعض سياسات رئيس البلاد قيس سعيد.
هذا وبرز نفوذ الاتحاد بعد ثورة 2011، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011)، ولكنه يشهد تقلصا منذ أن شرع سعيد في إجراءاته الاستثنائية في تموز / يوليو 2021، سيّما بعدما تحوّل من الدعم والتأييد إلى الهجوم الشديد اللهجة وما يشبه الاصطفاف في خندق المعارضة.
نبيل غواري: الاتحاد كان من بين المتسببين الأساسيين في الأزمة التي عاشتها البلاد خلال العشر سنوات الماضية
وكان عضو الهيئة التسييرية لاتحاد المعارضة النقابية محسن الخلفاوي في تصريح لموقع "اندبندنت عربية"، إن "وضع الاتحاد العام التونسي للشغل أصبح مخجلاً وقيادته غير شرعية وتعيش حالة جمود وانسداد الأفق"، مشيراً إلى أن هذا الوضع يعد استثنائياً منذ 2011.
وأضاف أن "اتحاد الشغل كان مؤثراً في البلاد وفي كل المحطات المهمة التي عرفتها البلاد، لكن اليوم خسر مكانته"، متهماً بعض قياداته بالفساد وظهور مظاهر الثراء عليهم على رغم أنهم دخلوا للنقابة عمال بسطاء أصبحوا من أصحاب المال والجاه، بحسب تعبيره.
مطالب المنظمة الشغيلة
وتطالب المركزية النقابية منذ فترة باستئناف الحوار الاجتماعي بين النقابات وهياكل الدولة، في إطار العقد الاجتماعي الذي يربط الطرفين، والذي دأبت السلطات السابقة على اعتماده.
ومنذ توقيع اتفاق الزيادة في أجور الموظفين في أيلول /سبتمبر 2022، أوصدت الحكومة باب المطالب أمام النقابات، كذلك عُلِّق تنفيذ اتفاقيات ذات مفعول مالي. وتوصلت الحكومة التونسية حينها إلى اتفاق مع الاتحاد العام للشغل لزيادة أجور القطاع العام بواقع 3.5%، يغطي سنوات 2023 و2024 و2025.
وعوّلت الحكومة على إقناع النقابة العمالية بتجميد المفاوضات للسنوات الثلاث المقبلة بهدف السيطرة على كتلة الرواتب وتقليصها إلى نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي. غير أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل بات يرى أنّ الواقع المعيشي الصعب للموظفين بات يستدعي العودة الفورية إلى المفاوضات حول زيادات جديدة في الرواتب، منتقداً تواصل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدنّي الخدمات الاجتماعية، ومنها التعليم والصّحة والنقل.
المنظمة الشغيلة تسعى إلى تسجيل موقف سياسي
وفي سياق آخر، أعرب الاتحاد العام التونسي للشغل عن رفضه قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدم اعتماد 3 مرشحين للانتخابات الرئاسية قضت المحكمة الإدارية بإعادتهم إلى السباق الرئاسي المقرر في 6 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، فيما يبدو أن المنظمة العمالية تسعى إلى تسجيل موقف سياسي بعد أن رفض الرئيس قيس سعيد كافة الضغوط التي مارستها بهدف استعادة دورها في المشاركة في صنع القرار مثلما كان الحال خلال المنظومة السابقة.
تم تسجيل مليوني يوم عمل ضائعة بين عامي 2010 و2018 بسبب الإضرابات ما يعكس إضراب أعداد كبيرة من المشتغلين
وتقلّب اتحاد الشغل طيلة الفترة الماضية، بحسب موقع "ميدل ايست أونلاين"، بين التصعيد والمهادنة في معركة لي الأذرع التي خاضها لدفع السلطة السياسية القائمة للاعتراف بمبادرته للحوار الوطني التي أعدها بالمشاركة مع منظمات وطنية أخرى من بينها عمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان واتحاد الصناعة والتجارة من أجل وضع حد لما يسميها بـ"أزمات تونس".
ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل هو أقوى منظمة مدنية تونسية، ويضم ما لا يقل عن 80 في المائة من موظفي الدولة، وتأسس على يد الزعيم النقابي فرحات حشاد، الذي اغتالته فرنسا بمدينة رادس جنوب تونس العاصمة في 5 ديسمبر/كانون الأول 1952.